لم يكن متوقعًا من العدو “الإسرائيلي” احترام دور العبادة والصلاة في المناطق التي قصفها في لبنان وغزة؛ وهو الذي يدّعي أنه “شعب الله المختار”، فقد نالت العديد من المساجد النصيب الأكبر من الاستهداف حيث دمّر جيش الاحتلال خلال أكثر من عام ما نسبته 79 بالمئة منها في قطاع غزة.
هذه النسبة كشفت عنها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في قطاع غزة، في بيان أصدرته اليوم الاثنين، وأوضح البيان أنّ: “الاحتلال “الإسرائيلي” دمّر 814 مسجدًا من أصل 1245، بينما تضرر نحو 148 مسجدّا”، لافتًا إلى أن “تكلفة الخسائر والأضرار التي تعرضت لها الوزارة بلغت نحو 350 مليون دولار”. وحتى المساجد التي نجت من التدمير تعمد الجنود تدنيسها، ففي مقطع مصور نُشر 13 حزيران/ يونيو الماضي، ظهر جنود “إسرائيليون” وهم يحولون مسجد معبر رفح إلى مطعم وملهى.
أما في لبنان؛ ففي الثلاثين من الشهر المنصرم (تشرين الأول)، نشر صحافيون صهاينة مقاطع مصوّرة، تُظهر تفجير مسجدين في جنوب لبنان، أحدهما في بلدة أم التوت، فيما لم يحددوا موقع الثاني. وفي قضاء صور، قصفت “إسرائيل” مسجد بلدة بيوت السياد، فيما أظهرت مقاطع نشرها جنود الاحتلال في 25 من الشهر المنصرم، تفجير مسجد “الرسول الأكرم” (ص) في بلدة الضهيرة. ومع تصاعد أعمدة الدخان، قال الجنود “إن تفجير المسجد أمر متكامل ونظيف”، وغنوا بسخرية: “سنزيل حكم الحقراء، أهل الخير يفرحون، والصديقون يبتهجون، وأنصار الرب يرقصون فرحًا”.
تعمّد وتسويغ
وبالرغم من تعمّد جنود الاحتلال نشر توثيقاتهم لاستهداف مساجد غزة ولبنان، يسوّغ الجيش “الإسرائيلي” هذا التدمير بحجة “استخدامها نقطةً لانطلاق وتجهيز لهجمات ضده”، دون أن يقدم أي دليل على ذلك.
هذا في حين تطالب المادة 52 من البروتوكول الإضافي الأول باتفاقيات جنيف لعام 1977، بضرورة حماية الأعيان المدنية، بما فيها دور العبادة، من الهجمات العسكرية، وحظر استهدافها أو تدميرها أو الاستيلاء عليها من دون مسوّغ عسكري.
تأييد صهيوني واسع
الهجمة الإرهابية المتعمدة على المساجد، تؤيدها الغالبية العظمى من المستوطنين الصهاينة الذين ذهبوا إلى ادعاء أنها تأتي ضمن استهداف “الإرهاب والإرهابيين وسيرتهم”، وهي أيضًا استجابة “لتعاليم يهودية ووصايا إلهية”، بحسب زعمهم.
في هذا السياق، احتفى المتخصص في الاستشارات الاستراتيجية إيغال مالكا، في 25 تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، عبر منشور على منصة “إكس”، بنسف الجيش “الإسرائيلي”، في اليوم نفسه لمسجد الفاروق في خان يونس. وضمّن منشوره، نص الآية 12 من سفر الخروج في الكتاب المقدس: “إياك أن تعقد معاهدة مع سكان الأرض التي أنت ماضٍ إليها؛ لئلا يكونوا شركا لكم. بل اهدموا مذابحهم، واكسروا أصنامهم، واقطعوا أشجارهم المقدسة”. وقال مالكا: “نسعى جاهدين، عبر قواتنا الجوية، لتنفيذ الوصية الإلهية في خان يونس”، ليختتم ساخرًا: “إمام مسجد الفاروق، لن يتصل بأحد بعد الآن”، في إشارة إلى نسف الجيش للمسجد.
كذلك عبّر المؤرخ العسكري أور فيالكوف عن ترحيبه بقصف جيش الاحتلال، في 8 أيلول/سبتمبر الماضي، مسجد “الشهيد سعيد صيام”، في حي الشيخ رضوان، شمالي مدينة غزة. وفي اليوم التالي، زعم فيالكوف معلقًا على قصف المسجد، عبر منشور على منصة “إكس”، أن: “سعيد صيام كان الزعيم الأكثر تطرفًا في حماس، وكان مسؤولًا عن الآليات الأمنية للحركة”، مشيرًا إلى أن “تصفيته” حدثت خلال عملية الرصاص المصبوب في العام 2008.
أربعة دوافع
عمّا وراء هذه الحملة، كشفت وسائل إعلام عالمية وحاخامات وخبراء “إسرائيليون” وفلسطينيون، أن استهداف جيش الاحتلال “الإسرائيلي” المساجد، خاصة الأثرية، يرجع إلى أربعة دوافع:
- انتقام “إسرائيل” من مساجد غزة، لأنها كانت نقطة تجمع وانطلاق أساسية للمشاركين في معركة طوفان الأقصى، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية.
- محاولة “إسرائيل” فصل أهالي قطاع غزة ولبنان عن ماضيهم وهويتهم الدينية، وسعيها إلى محو أي أثر مادي أو معنوي يدل عليها، لا سيما المساجد.
- كشف الحاخام إليشا ولفنسون عن الدافع الثالث، بقوله: ”بعد سقوط غزة سيأتي دور مسجد قبة الصخرة، سنهدم هذه الأماكن ونبني هيكل سليمان”، بحسب مقطع نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني في 25 شباط/فبراير الماضي.
- التغطية على سرقة جنود الاحتلال قطعًا أثرية تنتمي إلى عصور مختلفة، بحسب خبراء أثريين.