قال لواء الاحتياط الاسرائيلي ومفوض شكاوى جنود العدو سابقًا يتسحاق بريك إن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو “فَقَدَ تمامًا تفكيره العقلاني وهو يدلي بتصريحات حول الدخول إلى رفح”، وقال “على الرغم من أن هناك تهديدات أكبر بكثير، وجودية فعلًا، فإنه وضع كل الأوراق على التهديد من غزة لكي يبقى سياسيًا، ويودي بـ”الشعب” إلى الهلاك”.
وأضاف بريك في مقال في صحيفة “معاريف”: “طالما تتمّ صياغة القرارات على المستوى السياسي والعسكري وفقًا للعواطف والمصالح السياسية الضيّقة والمعتقدات والأيديولوجية والغرور والعجرفة والغطرسة، وليس بناء على الحقيقة الواضحة والسياسة الواقعية والحقيقية، فلن نكون قادرين على الخروج من المتاهة التي أدخلنا فيها المستوى السياسي العسكري ظلمًا. هم يتصرفون بهذه الطريقة بسبب غياب الرؤية الاستراتيجية، والهروب من مواجهة الحقيقة، واستخدام القوات في الحرب بناء على الهلوسة والأوهام، وبسبب الرغبة الشديدة لدى المستوى السياسي في البقاء سياسيًا على قيد الحياة بأي ثمن”.
وتابع “تدمير حماس بشكل كامل وهمٌ بلا هدف، وحتى دخول رفح لن يأتي بالنتيجة المرجوة، بل العكس هو الصحيح. وهذا الدمار سيُعيد “إسرائيل” إلى مكانة جنوب أفريقيا خلال حقبة النظام العنصري، بحيث تشتدّ المقاطعة العالمية لها، وهو ما أصبح واضحًا بالفعل على أرض الواقع”.
وأردف “كلما واصلنا الخوض في صحراء غزة، سنفقد المزيد من الجنود، وسنفقد الأسرى، وسنفقد أمن الاسرائيليين، وسنفقد الاقتصاد وأصدقاءنا في العالم، وسنخسر، ونفقد أنفسنا. الحرب الإقليمية التي ستندلع مستقبلًا، هي مسألة وقت فقط، ولسنا مستعدّين لها، ولا نستعدّ لاندلاعها حتى الآن. إننا نفقد قدرتنا على التعامل مع التهديدات الرئيسية والوجودية التي تواجهنا لتدمير “إسرائيل”. نحن نقف متفرّجين رغم أن الملف النووي الإيراني يتقدم بوتيرة جنونية لأنه لا يوجد من يُعيق تقدمه، وكل يوم نتعرض للتهديد من الأسلحة التقليدية التي تشمل مئات الآلاف من الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار الموجودة في أيدي إيران وحلفائها”.
وبحسب بريك، هذه التهديدات أخطر بمئات آلاف المرات من تهديد حماس. تركيز نتنياهو وشركائه على كليشيهات “التدمير الكامل لحماس” وتخلّيه التامّ عن التعامل مع التهديد النووي الذي يتنامى بشكل مذهل أمام أعيننا، بما في ذلك التهديد الذي يعادل تأثيره قنبلة نووية، ستجلب علينا تدمير البيت الثالث. و بالطريقة التي يقود بها بنيامين نتنياهو و(وزير الحرب) يوآف غلانت، ورئيس الأركان هرتسي هليفي الحرب، سنجد أنفسنا لسنوات عديدة أخرى دون قرار أمام حماس، وسيواصل حزب الله منع عودة السكان إلى المستوطنات الشمالية.
وأكمل بريك “من وقت لآخر يظهر رئيس الحكومة على القنوات التلفزيونية ويقول إنه إذا لم ندخل رفح ونقضي على حماس، فإن التهديد الذي تشكله حماس على “إسرائيل” سيكون لا يُطاق. لقد فَقَدَ الرجل تفكيره العقلاني تماما، أو أنه يلعب علينا بعينيه. هناك ما يشير إلى أن “بيبي” (نتنياهو) لن يدخل إلى رفح، لأنه يدرك أن ذلك سيؤدي إلى اشتباك مع أصدقائنا في العالم بشكل عام، ومع الولايات المتحدة بشكل خاص، بما في ذلك مصر والعالم العربي بأكمله. ولذلك فإن كل تصريحاته بشأن دخول رفح كانت تهدف إلى كسب الوقت السياسي والبقاء في السلطة. وهو غير مهتمّ بالتوصّل إلى وقف لإطلاق النار حتى لا تنتهي الحرب حتى لو كان الثمن باهظًا جدًا من الدماء وخسارة الأسرى”.
وأشار بريك الى ان نتنياهو بينما يُدلي بتصريحاته على شاشة التلفزيون، فإن التهديد النووي والتهديد التقليدي لـ”إسرائيل” يتزايد، وهي التهديدات التي لديها القدرة على تدمير “اسرائيل””، وأضاف “نتنياهو لم يذكر هذا حتى بكلمة واحدة. كما يتجاهل استعداد “اسرائيل” لهذا التهديد الوجودي الذي قد يقودنا إلى خراب “البيت” الثالث. علاوة على ذلك، حتى لو لم تتضرر حماس على الإطلاق، وبقيت في ذروة قوتها كما كانت قبل الحرب، فإنها لن تشكل تهديدا وجوديا لـ”اسرائيل”، فكيف يمكن تفسير أن نتنياهو وضع كل الأوراق ويصر على تهديد حماس، الذي يعتبر غير موجود مقارنة بالتهديدات التي ذكرتها؟ الجواب هو البقاء وشيء من السياسة لكسب بضعة أشهر أخرى في السلطة على الرغم من أنه وشركاءه يجرّون “اسرائيل” بأكملها إلى الدمار”.
ووفق بريك، غالانت وهليفي يسيران مع نتنياهو جنبًا إلى جنب. وهؤلاء لا يمكن الثقة بهم، بسبب غياب التفكير العقلاني لدى الثلاثة، وهو ما ينعكس في عدة أحداث: أولها هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وحينها كان حكم الثلاثة مشينًا في ضوء كل المعلومات الاستخبارية التي كانت لديهم لمدة عام.
واعتبر أنه “كما كانت “حدودنا” الجنوبية مُهملة، كذلك كانت حدودنا الشمالية، ولو كان حزب الله قد هاجمنا في الشمال في الوقت نفسه الذي هاجمتنا فيه حماس، لكنّا اليوم في حرب إقليمية شاملة كانت ستتسبب في تدمير “إسرائيل” وإحداث كارثة رهيبة.
ولفت الى أن الحادثة الثانية للرأي غير العقلاني كانت عندما قدّم رئيس الأركان وغالانت إلى رئيس الحكومة، توصية وهمية وغير مسؤولة من الدرجة الأولى، لشن هجوم متزامن على قطاع غزة وحزب الله في الشمال”، وقال “لو حدث هذا السيناريو لكان أدخل “إسرائيل” في حرب إقليمية رهيبة، ومثل هذه التوصية كانت مقامرة بوجود “اسرائيل”.
الحادثة الثالثة، يُكمل بريك، كانت في نشر القوات الاسرائيلية في قطاع غزة، وترك مدخل رفح حتى النهاية بدلًا من أن يكون عند بداية الحرب، ولو حصل هذا الأمر حاليًا، سيكلّف “تل أبيب” على الأرجح ثمنًا باهظًا للغاية دون أن تتمكن من “تدمير حماس تمامًا”.
الحادثة الأخيرة التي تؤكد عدم عقلانية حكم نتنياهو وغالانت وهليفي، برأي بريك، هي إشارة الثلاثة إلى الحرب ضد حزب الله، فقرار واحد غير حكيم من جانبهم يمكن أن يشعل كل الشرق الأوسط.
وختم لواء الاحتياط الاسرائيلي يتسحاق بريك مقاله مُعربًا عن خشيته من أن أسلوب عمل هؤلاء الثلاثة وافتقارهم إلى التفكير العقلاني يمكن أن يجر “إسرائيل” إلى حرب إقليمية”، ودعا الى “إعفائهم من مناصبهم في أسرع وقت ممكن”.