أكّد المدير التنفيذي لمنظمة “كسر الصمت” أفنير غفارياهو، وهي منظمة إسرائيلية غير حكومية أنشأها مجموعة من المحاربين القدامى في الجيش الإسرائيلي، أنّ “إسرائيل” لا تفعل ما تزعمه لجهة الحرص على تقليل عدد الضحايا المدنيين في غزة.
ووصف غفارياهو، في مقالة نشرتها مجلة “فورين أفييرز”، العدوان الصهيوني على غزة بـ”الحملة الوحشية”، مضيفًا أن: “إسرائيل تتساهل مع البروتوكولات التي من المفترض أن تتبعها قواتها من أجل تقليل عدد الوفيات من المدنيين”، غير أنه تابع: “حتى هذه الإرشادات غير كافية، وأن التحقيق في حروب سابقة كشف بأن القواعد الإرشادية التي تعتمدها إسرائيل في عمليات الاستهداف غير كافية، حيث لا تحدّ حقيقة من عدد الضحايا في صفوف المدنيين”.
وأضاف: “إسرائيل لا تتبع حتى هذه الإرشادات في جولة القتال الحالية، ما تسبّب بدمار هائل وصعّب من إمكان التوصل إلى حل”، مشيرًا إلى أنه يستند في انتقاداته هذه إلى دراسات أجرتها منظمة “كسر الصمت” على مدار أعوام، وبناءً على شهادات الجنود الذين شاركوا في حروب سابقة في غزة، مثل حرب العام ٢٠٠٨ و٢٠٠٩، والعام ٢٠١٤، و٢٠٢١.
كذلك قال الكاتب :” إسرائيل زعمت أنها كانت تبذل قصارى جهدها خلال تلك الحروب من أجل تجنّب الضحايا المدنيين”، وهذه المزاعم كانت تستند إلى ثلاثة تأكيدات: إن “إسرائيل” تهاجم الأهداف العسكرية فقط وليس المدنية، إنها تعتمد معلومات استخباراتية يمكن التعويل عليها، والتي تمكّنها من تجنب الأضرار في صفوف المدنيين، وإنها تنفذ هجماتها بدقة، ما يحدّ من الأضرار بين المدنيين. وتابع الكاتب: “لكن التحقيق في الحروب الثلاثة المذكورة كشف العديد من الأسباب التي تثير الشكوك بهذه المزاعم”، مؤكدًا أن الأهداف التي ضربتها “إسرائيل” في الحروب السابقة مثلًا لا يمكن وضعها جميعًا في خانة الأهداف العسكرية المشروعة.
كما أكد أن “إسرائيل” ضربت أهدافًا تسميها “منازل المسلحين”، والتي كانت في الغالب عبارة عن منازل وشقق سكنية مدنية كانت تصرّ “إسرائيل” على أنها تؤوي عناصر من فصائل “مسلحة”، مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
وقال الكاتب إن: “إسرائيل قامت في العديد من المرات بهدم منازل بأكملها؛ فقط لأن المسؤولين الإسرائيليين حددوا وجود شقة سكنية داخل المبنى يستخدمها “مسلحون””، مشددًا على أنه في مثل هذه الحالات لا يمكن اعتبار المسلحين أنفسهم أو أي نشاط يمكن تصنيفه بنشاط مسلحين أهدافًا للهجوم، مضيفًا أن: “المسلحين على الأرجح لم يكونوا في المنزل عند تنفيذ الهجوم”.
ولفت إلى أنّ مجرد كون أحد المسلحين- أي المقاومين- كان قد سكن في المكان كان كافيًا لـ”إسرائيل” كي تبرر تدمير مبنى بأكمله، موضحًا أن المعلومات الاستخباراتية الخاطئة جعلت الوضع أسوأ، وبأن الاستخبارات الإسرائيلية أثبتت أنه لا يمكن الاعتماد عليها. وقال: “إن ضباط الاستخبارات الإسرائيليين يدرسون الوضع في غزة في أوقات السلم من أجل تقييم ما إذا كان ممكنًا تصنيف مكان محدد هو هدف تابع للعدو”، كذلك أردف أنه: “عندما يتم اكتشاف هدف مرجح، يجري وضع “تقديرات للأضرار الجانبية”، أي تقدير عدد الوفيات من غير المحاربين إثر الهجوم، وذلك استنادًا إلى الكثافة السكانية والسلاح المستخدم وطبيعة المكان المستهدف.
كذلك لفت الكاتب إلى أن الإجراءات التي تتبعها “إسرائيل” عند تنفيذ الضربات الجوية لا تضع أولوية سلامة المدنيين، حتى عندما تكون المعلومات الاستخباراتية دقيقة، وقال: “إن ضرورة تنفيذ المزيد من الضربات بوتيرة أسرع خلال الحروب السابقة دفعت الجيش الإسرائيلي إلى إعطاء الضباط العسكريين الصغار تفويضًا بالموافقة على ضربات قد تؤدي إلى أضرار جانبية كبيرة بين المدنيين”.
وعليه؛ قال الكاتب: “إن الجيش بالتالي لا يأخذ بالحسبان أولوية تجنب الضحايا المدنيين”. كما تابع الكاتب أن: “شن الضربات بكثافة يصبح ممكنًا من خلال نظام الذكاء الاصطناعي الجديد الذي يحدد أهدافًا محتملة جديدة”، وقال: “إن النظام المصمم من أجل تحديد أهداف بأعداد كبيرة يؤدي حتمًا إلى المس بالدقة ويزيد من الأضرار بين المدنيين، وعدد الوفيات في غزة خلال الأشهر الأخيرة هو خير دليل على ذلك”.
وإذ قال الكاتب: “إن “إسرائيل” لم تقم بما يكفي في السابق من أجل التمييز بين المدنيين والمسلحين في غزة، إلّا أنها تفعل أقل حتى على ما يبدو اليوم”، مشيرًا في هذا السياق إلى تقرير جديد نشرته شبكة “CNN” مؤخرًا كشف أن “إسرائيل” أسقطت مئات القنابل التي يصل وزن الواحدة منها ٢٠٠٠ رطل والقادرة على قتل أو جرح أشخاص على بعد أكثر من ألف قدم من الموقع المستهدف، وأن قرابة نصف الذخائر التي أسقطتها “إسرائيل” على غزة هي من القنابل “الغبية” غير الدقيقة، مشيرًا إلى أن خوض الحرب على هذا النحو يعطي المصداقية لما يقال عن أن “إسرائيل” تريد “القصاص” في غزة.
هذا وقال الكاتب: “إن بإمكان الولايات المتحدة إقناع القوات الإسرائيلية بالالتزام بالقانون الدولي في حملاتها العسكرية، والقيام بما يمكن فعلًا من أجل تقليل الوفيات بين المدنيين، وذلك من خلال الإفادة من دعمها السياسي والعسكري لـ”إسرائيل””.
ورأى الكاتب أن لا علاج سريعًا “للمخالفات” الإسرائيلية، كونها تنبع من السبب الجوهري الأساس وهو وضع “إسرائيل” أولوية قصوى على “إدارة النزاع” وتأجيل أي حل حقيقي مهما كان حجم الأضرار في صفوف المدنيين، سواء الفلسطينيين أم الإسرائيليين.
وخلُص إلى أن هذا السلوك هو ما تسبّب بالحملات العسكرية المتكررة ضد غزة على مدار الأعوام الخمسة عشر الأخيرة، وأنّ هذا السلوك يسمح للحكومة الإسرائيلية بأن تواصل الحرب من دون أي هدف واضح قابل للتحقيق في الأفق.