كتب رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية ميخائيل ميلشتاين، في مركز ديان في جامعة تل أبيب في صحيفة ” يديعوت أحرونوت”، يقول: “خلال حرب فيتنام، طلب روبرت ماكنمارا (وزير الحرب الأميركي الثامن)، وهو مهندس التجربة التاريخية المريرة، بأن يُقدَّم له تقرير يومي يعرض أعداد القتلى مقارنةً بإنجازات الجيش الأميركي، وأعداد قتلى العدو والسلاح الذي دُمّر. وكانت الرسوم البيانية تكشف ارتفاعًا دائمًا في النجاحات، لكن على الرغم من ذلك، الحرب أصبحت أقسى أكثر فأكثر، وأصبح النصر بعيدًا أكثر فأكثر. أحد مستشاري ماكنمارا المحبطين لفت نظره إلى أن هناك مكونات مهمة لا تعكسها الجداول البيانية، مثل الأيديولوجيا والروحية السائدة، وهي التي تحبط تحوُّل كتلة النجاحات التكتيكية إلى حسم استراتيجي”.
أضاف ميلشتاين: “يبدو أن “إسرائيل” تقترب، بالتدريج، من الفخ الذي وقع فيه ماكنمارا قبل 60 عامًا، النجاحات العسكرية في غزة مثيرة جدًا للإعجاب، وخصوصًا عدد القتلى والأسرى من “مخربي” حماس وتدمير البنى التحتية للمنظمة، ولا سيما شبكة الأنفاق. مع ذلك، فالحرب ما تزال بعيدة عن “الانتصار المطلق” الذي يتحدّث عنه رئيس الحكومة من دون أن يحدد موعدًا لانتهاء المواجهات، أو تحديد الاستراتيجية التي ستليه”؛ بحسب توصيفه.
وأكد ميلشتاين أن: “الظروف الراهنة لا تدل على انكسار قريب لـحماس. فعلى الرغم من الضربات القاسية التي تلقّتها واستمرار القتال في كل أنحاء القطاع، لم يُقضَ على المنظمة التي تعود، بالتدريج، إلى المناطق التي خرج منها الجيش الإسرائيلي، وخصوصًا في شمال غزة. في غضون ذلك، لا تبرز مؤشرات تدل على احتجاج شعبي ضد حماس، أو تطور بديل محلي من الحركة. التطلع الإسرائيلي إلى بروز عشائر مسلحة تسيطر على الحياة العامة وتقدم المساعدة المدنية للمواطنين، هي في هذه المرحلة تبدو أقرب إلى مجرد أمنيات منها إلى هدف يمكن تحقيقه”.
ورأى الكاتب:”على “إسرائيل” أن تتعلم درسَين مركزيَين: الأول، تغيير المفاهيم العسكرية الكلاسيكية في المواجهة مع تنظيم مرن مثل حماس، والمعروف بقدرته على التكيف، وعلى التعلم، وعلى التغيير. المنظمة موجودة ضمن عدة مستويات في آن، وتتأقلم وفقًا للظروف. على سبيل المثال، هي تستخدم ناشطيها العسكريين بلباس مدني، أو تحت غطاء عمال بلدية، من أجل استمرار السيطرة على الحياة العامة، وبعد تفكيك منظومات ألويتها العسكرية، انتقلت إلى نموذج حرب العصابات داخل المدن التي تعتمد على خلايا”.
أما الدرس الثاني- بحسب الكاتب- هو أنه: “لا يمكن قيام نظام جديد في غزة من دون السيطرة لمدة على المناطق التي احتلها الجيش الإسرائيلي والإعداد للسيطرة على غزة كلها. ونظرًا إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يستوفِ الشروط المطلوبة، وهو في الحقيقة، يقوم بتخفيف البقاء الدائم لقواته في غزة، بالإضافة إلى التردد ما بين عودة السلطة وإقامة إدارة محلية فلسطينية أو نشر قوات دولية في المنطقة، فإنّ هذا الهدف ما يزال فكرة نظرية ومنفصلة عن الواقع، في وقت تظل فيه حماس هي القوة المسيطرة على القطاع، حتى لو كانت منهكة ومثخنة بالجراح”. ولفت الكاتب إلى أن المستوطنين الصهاينة يتطلعون إلى: “معرفة الحقيقة المعقدة والتحديات والصعوبات القائمة، وليس إلى الشعارات العامة التي هدفها خلق الحوافز، وكلما استمرت الحرب تكاثرت الشكوك إزاء شفافية الأهداف ومدى قابلية تحقيق الأهداف الاستراتيجية”.
وخلُص الكاتب إلى:”أن “إسرائيل” وصلت إلى مفترق طرق في غزة؛ إمّا التوجه نحو صفقة شاملة تؤدي إلى تحرير المخطوفين مقابل وقف القتال، وربما الانسحاب من غزة، وبعد مرور الوقت، التفكير في العودة إلى تحقيق هدف تفكيك سلطة حماس، أو القيام بتغيير استراتيجي للواقع في القطاع، وهو ما يفرض سيطرة على القطاع كله ووجودًا دائمًا. والحل الوسط الذي جرى اختياره لا يحقق أي هدف من الهدفين الاستراتيجيَين، وبدلاً من ذلك، سيخلق حالًا من الإحباط الجماعي، ومن عدم الثقة بين الجمهور وقيادة الدولة”.