رأى الكاتب الأميركي توماس فريدمان أن الحربيْن الكبيرتيْن الدائرتيْن اليوم، أيْ حرب أوكرانيا والحرب في الشرق الأوسط، تنبعان من رغبة أوكرانيا بالانضمام إلى الغرب، ورغبة “إسرائيل” بالانضمام إلى “الشرق العربي”، مضيفًا أن “روسيا وبمساعدة إيران تحاول منع الأولى، بينما تسعى إيران وحركة حماس إلى منع الثانية”.
وفي مقالة نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز”، قال فريدمان “بينما قد تبدو الجبهتان مختلفتين إلى حدّ كبير، يبقى هناك الكثير من العوامل المشتركة، فهما تعكسان صراعًا جيوسياسيًا كبيرًا بين شبكتيْن مؤلفتيْن من دول وجهات من غير الدول، حيث يتمحور الصراع حول القيم والمصالح التي ستُهيمن على النظام العالمي في أعقاب عصر السلام الأميركي أو ما يسمّى “Pax Americana” والعولمة والذي ساد بعد سقوط جدار برلين وانهيار الكتلة السوفييتية”.
وشدد الكاتب على أن “ما يحدث اليوم ليس عبارة عن مرحلة جيوسياسية عادية”، واعتبر أن هناك من جهة شبكة المقاومة (Resistance Network) المُلتزمة بالحفاظ على أنظمة الاستبداد، وفق زعمه، بينما هناك في الجهة المقابلة شبكة ضمّ الجميع (Inclusion Network)، التي تحاول إنشاء أنظمة أكثر ترابطًا وانفتاحًا، بحسب توصيفه.
وأكد أن الطرف المنتصر في الصراعات بين الشبكتيْن سيحدد بشكل كبير مسار المرحلة الجديدة.
وتابع توماس فريدمان “رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتقد بأن إقامة علاقات دبلوماسية مع السعودية حيث مقر الحرمين الشريفين ستشكل الإنجاز الذي سيتوّج مسيرته، والإثبات لمُنتقديه أنه يمكن القيام بذلك من دون تقديم أية تنازلات للفلسطينيين. وهذا كان هدفًا متهورًا، حيث كان يتوجّب على نتنياهو تقديم شكل من أشكال المسارات على الأقل للفلسطينيين من أجل المزيد من الحكم الذاتي، أقله من أجل تسهيل الأمور على السعوديين لتطبيع العلاقات”، وأردف: “”إسرائيل” تدفع ثمن ذلك الآن حيث تقول السعودية إنها ما تزال مستعدة لتطبيع العلاقات، بشرط أن تعطي “إسرائيل” التزامًا واضحًا الآن حول حل الدولتيْن”.
وبحسب الكاتب، لا يمكن اعتبار الحربيْن في أوكرانيا وغزّة منفصلتين وأنهما ليستا شأنًا أميركيًا.. الحربان شأن أميركي واضح ولا مفرّ من ذلك كون واشنطن متشابكة بعمق في كلا النزاعيْن.
كذلك قال إن أميركا تخوض الحرب في أوكرانيا بشروطها هي، بينما تخوض الحرب في الشرق الأوسط بشروط إيران.
وحول أوكرانيا، أشار الكاتب الأميركي إلى أن الجيش والشعب الأوكرانيين هما من يتحملان كامل عبء المعركة، زاعمًا أنهما مستعدان لمواصلة ذلك، وأضاف “الجيش الروسي أصبح أقل خطورة بكثير للغرب ولكييف، وبالتالي فإن ما حصل هو أفضل صفقة حصل عليها حلف الناتو”.
من جهة ثانية، لفت الكاتب الأميركي إلى أن جذور الصراع في الشرق الأوسط مختلفة، إذ وُلدت شبكتا المقاومة والضم في العام ١٩٧٩ وبفارق شهرين. وتابع شبكة المقاومة ولدت في أوائل شهر شباط/فبراير عام ١٩٧٩ عندما وصل مؤسس الثورة الإسلاميّة في إيران الامام روح الله الخميني إلى طهران قادمًا من باريس، حيث توجت الثورة الإسلاميّة التي أطاحت بالشاه وأدت إلى ولادة الجمهورية الإسلاميّة في إيران”، أمّا شبكة الضم فوُلدت في العام ذاته عندما توسّطت الولايات المتحدة لإبرام معاهدة السلام بين مصر و”إسرائيل”، ما مكّن من التعاون العربي الإسرائيلي للمرة الأولى.
كذلك أشار إلى أن عام ١٩٧٩ شهد إتمام رشيد بن سعيد آل مكتوم الذي كان حاكم دبي مشروع مرفأ جبل علي، وهو أحد أكبر مرافئ العالم، وبالتالي جعل دبي ودولة الإمارات المركز العالمي الذي يربط ما بين الشرق العربي وبقية العالم تقريبًا.
فريدمان أشار إلى أن شبكة الضم هذه تلقت جرعة دعم كبيرة مع صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عام ٢٠١٥، وطموحات الأخير لتحويل السعودية إلى نموذج كبير وجعلها مركزًا ثقافيًا واستثماريًا وسياحيًا وصناعيًا في المنطقة.
وقال الكاتب إن الولايات المتحدة و”إسرائيل” وحلفاءهما العرب الضمنيين لم يجدوا بعد الإرادة المطلوبة أو السبيل للضغط على إيران من دون الدخول في حرب ساخنة يريدون تجنّبها.
عقب ذلك، رأى الكاتب أن أفضل طريقة لردع إيران هي من خلال الضغط من الداخل، ولدى شبكة الضم حلفاء يتمثلون بالشباب الإيرانيين وما أسماه طموحاتهم ليصبحوا جزءًا من هذه الشبكة.
وفي الختام، خلص الكاتب إلى أن “إسرائيل” التي في حالة صدمة تحت قيادة نتنياهو الفاشلة لا تستطيع أن ترى ذلك اليوم، وحتّى وإن وافقت “إسرائيل” في يوم ما على عملية طويلة الأمد وسلطة فلسطينية جديدة لبناء “دولتيْن لشعبيْن”، فإنها تستطيع بذلك أن تقلب الموازين بشكل حاسم بين شبكة المقاومة وشبكة التضمين، على حدّ تعبيره.