بعد رؤيته المعاناة في الضفة الغربية.. كاتب أميركي يوضّح آلية الحل وخطورته

كتب الصحفي الأميركي ديفيد إغناتيوس مقالة، في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، تحدّث فيها عمّا شاهده في زيارة له للضفة الغربية المحتلة الأسبوع الماضي، وعايش خلالها معاناة الفلسطينيين من المضايقات التي يتعرضون لها، سواء من الحكومة أم المستوطنين الإسرائيليين، في وقت تُظهر فيه استطلاعات رأي في أميركا أنّ معظم الشباب الأميركي من جيل ما بعد الألفية يؤيدون إنهاء “إسرائيل” وإقامة دولة فلسطينية.

وفي مقالته، قال الكاتب إنّه طاف :”أرجاء الضفة الغربية -مدنها وقراها- طوال ثلاثة أيام من التلال القاحلة أسفل الخليل في الجنوب، إلى مرتفعات نابلس الطباشيرية في الشمال”، موضحًا أنّ ما رآه كان نمطًا من الهيمنة الإسرائيلية وسوء المعاملة الروتيني الذي يجعل الحياة اليوميّة إذلالًا للفلسطينيين، ويُمكن أنّ تعيق المستقبل السلميّ الذي يقول الإسرائيليون والفلسطينيون إنّهم يريدونه.

وتحدّث إغناتيوس عن قيادة السيارات على طرقات الضفة الغربية، ساخرًا بقوله: “إنّها حال لـ”ذي طبقتين”، حيث يتجوّل الإسرائيليون بسياراتهم التي تحمل لوحات صفراء على طريق سريعة تخضع لحراسة مشددة، في حين يتنقل الفلسطينيون بسيارات ذات لوحات بيضاء في طرق وعرة”. وكشف أنّه شاهد تكدّس السيارات عند نقاط التفتيش الإسرائيلية بالقرب من بيت لحم ونابلس، والتي كانت تصطف أكثر من نصف ميل، ويمكن أن يطول انتظارها للعبور إلى الناحية الأخرى لأكثر من ساعتين.

ويصف إغناتيوس التأخير والإهانات والاعتداءات الصريحة بحق الفلسطينيين بأنّها أضحت “روتينًا قاتمًا”، ويضيف أنّ جولته بالضفة الغربية كانت بمثابة “اختبار لواقع” يَشي بما يمكن أن يحدث في اليوم الذي يلي انتهاء العدوان على غزة. وقال: “إنّ الرئيس الأميركي جو بايدن وغيره من زعماء العالم يعربون عن أملهم في إقامة دولة فلسطينية بمجرّد هزيمة حركة حماس”، معلّقًا بأنّه يرجو تحقق ذلك، مضيفًا: “لكن على الناس أن يكونوا واقعيين بشأن ما يعترض (هذا الأمل) من عقبات تبدو أمام ناظرينا”.

حكاية خيالية

لا يخفي إغناتيوس تشاؤمه إزاء ذلك، حيث يشير إلى أن الأمل المشترك في إقامة دولة فلسطينية أشبه ما يكون بحكاية “خيالية” في خضم الضغوط اليومية الطاحنة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي.

وأوضح أنّ العقبات التي تقف في طريق الدولة الفلسطينية تكمن في المستوطنات والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية المنتشرة على قمم التلال في الضفة الغربية، والتي ترمز أسوارها العالية وجدرانها الخرسانية إلى ثباتها وعدم إمكان تحريكها من مكانها. وقال: “إن دانييل سايدمان، المحامي الإسرائيلي -الذي ربما يكون المنتقد الرئيسي لحركة الاستيطان الإسرائيلية– أخبره بأن المستوطنات أقيمت للحيلولة دون إنشاء دولة فلسطينية” ووفقًا لسايدمان نفسه، فإنّ إنهاء الاحتلال سيكون ضروريًا لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، مضيفًا أن: “ما يزيد على 700 ألف إسرائيلي تقريبًا يعيشون في مستوطنات الضفة الغربية، وأن 200 ألف على الأقل سيضطرون إلى المغادرة”، بحسب تقديراته.

حرب أهلية

لكنه يعتقد أنّ بعض المستوطنين سيقاومون، محذرًا في الوقت ذاته من أنّ: “هناك احتمالًا كبيرًا لنشوب حرب أهلية بين “إسرائيل” و”دولة يهودا والسامرة الاستيطانية”، مستخدمًا مصطلحات المستوطنين التوراتية لمناطق الضفة الغربية. وبالنسبة إلى المستوطنين، فإنّ إعاقة قيام دولة فلسطينية هي جزء من المهمة التي تقع على عاتقهم، كما يقول يهودا شاؤول الخبير الإسرائيلي البارز في شؤون المستوطنات.

وأشار شاؤول إلى أن ماتيتياهو دروبلز، والذي كان آنذاك رئيسًا لقسم المستوطنات في المنظمة الصهيونية العالمية، أفصح في العام 1980 صراحة عن هدفه في خطة شاملة. فقد كتب في ذلك الوقت أن: “الأقلية العربية المعزولة بالمستوطنات اليهودية ستجد صعوبة في وحدة أراضيها وتواصلها السياسي”. وتابع دروبلز :”أنّ الطريقة الأفضل والأكثر فعالية لإزالة أيّ لبس حول نيتنا في التمسك بمنطقة “يهودا والسامرة” إلى الأبد، تكمن في تسريع الزخم الاستيطاني في هذه الأراضي”.

وطبقًا لإغناتيوس، فإنّ بايدن هو أحدث رئيس يواجه حقيقة أن معالجة القضية الفلسطينية تعني مواجهة “إسرائيل”، خاصّة في ما يتعلق بالمستوطنات.

وتتزايد أعداد المستوطنات الرسمية والبؤر الاستيطانية “غير المعترف بها”، حيث تؤكد ما تُسمى “حركة السلام الآن” الإسرائيلية أن هذا العام شهد أكبر زيادة، منذ أن بدأت تتّبع نمو المستوطنات في العام 2012.

كما تفاقمت، في السنوات الأخيرة، بصورة “مخيفة” أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين، في وقت يقول المدافعون عن حقوق الإنسان إنها جهود متعمدة “لتخويفهم من أجل إبعادهم عن الأراضي التي يعتقد المستوطنون أن الله أعطاها لإسرائيل”.

ومنذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، شنّ المستوطنون 343 اعتداء ضد الفلسطينيين، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. كما جرى تهجير ما لا يقل عن 143 أسرة فلسطينية تضمّ 1026 فردًا -من بينهم 396 طفلًا- بسبب أعمال العنف، وقتل المستوطنون 8 فلسطينيين وأصابوا 85 آخرين، بحسب المكتب الأممي نفسه.

ويمضي إغناتيوس في رواية مشاهداته، فيقول: “إنّ التهديد الذي يتعرض له الفلسطينيون يزداد حدة في المنطقة (ج)، حيث يفوق عدد الإسرائيليين عدد الفلسطينيين بأكثر من 400 ألف إلى 300 ألف”. ويفرض الجيش الإسرائيلي قيودًا مشدّدة على سفر الفلسطينيين إلى هناك، حيث يهاجم المستوطنون بانتظام القرى ومخيمات البدو.

وبحسب الكاتب الأميركي، فإنّ أحد المؤشرات التي تدل على أنّ إدارة بايدن ربما تأخذ قضية المستوطنات على محمل الجد كان الإعلان في كانون الأول/ديسمبر الجاري عن أن المستوطنين الذين يُعتقد أنهم شاركوا في هجمات عنيفة ضد الفلسطينيين قد يُحرمون من تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة، مع أفراد أسرهم. ومع ذلك فإن إغناتيوس لا يعد ذلك حلًا لهذه المشكلة الكبيرة، بل “هي البداية”.

ويصف الكاتب مدينة القدس بأنها جوهرة وسط هذه الأرض، وهي أيضًا ساحة المعركة “الأشد اضطرابًا” بين المستوطنين الإسرائيليين، والمكان الذي ستواجه فيه الولايات المتحدة التحدي الأكبر في صياغة تسوية.

وبحسب سايدمان، فإنّ أحد الأهداف الكبيرة للمتدينين المحافظين من الإسرائيليين هو زيادة وجودهم في جميع أنحاء منطقة القدس، حيث يخطط المستوطنون لتركيب عربة تلفريك فوق حي سلوان ذي الأغلبية الفلسطينية، وإلى الشمال -حيث المواقع المسيحية- حيث يدور الحديث عن إنشاء مدينة ترفيهية “توراتية” تشرف عليها سلطة الحدائق الإسرائيلية.

ويقول إغناتيوس إن سايدمان أبلغه بأن الصراع السياسي حول القدس: “يظل مدفوعًا بجنون المتدينين المهووسين بإشعال الحرائق”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *