قال الكاتب، في صحيفة “نيويورك تايمز” كريستوفر كالدويل (Christopher Caldwell)، إنّ الضرر الجانبي الأكبر الناتج عن الحرب الروسية الأوكرانية طال دول أوروبا الغربية التابعة لحلف “الناتو”. إذ وجدت هذه البلدان فجأة أنّ مصالحها القومية باتت خاضعة لمصالح “حليفها الأقوى”؛ أي الولايات المتحدة. ففي مقال له، رأى الكاتب أنّ “الولايات المتحدة طالما أرادت من الأوروبيين تسليم العاموديْن الاثنيْن الأساسيييْن اللذيْن يستند عليهما اقتصادهم، وهما إيرادات الطاقة من روسيا بأسعار رخيصة، وصادرات الصناعات المتقدمة للصين”.
بحسب الكاتب، الثمن كان باهظًا؛ إذ توقّع صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يكون أداء الاقتصاد الألماني لهذا العام الأسوأ بين جميع الدول المتقدمة. وأردف: “بينما يرى أغلب الأوروبيين أنّ روسيا هي تهديد موجود “على بوابتهم”، لديهم شعور مختلف حيال الصين”. واستشهد بدراسة أجراها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، والتي وجدت أن نسبة 62% من الشعوب الأوروبية يؤيّدون موقف الحياد في حال دخلت الولايات المتحدة والصين في نزاع على خلفية ملف تايوان. وأشار الكاتب الى أنّ: “الأوروبيين كانوا، في السابق، يملكون هامشًا للاختلاف مع أميركا في قضايا ذات الأهمية الكبرى، مذكّرًا بالموقف الألماني والفرنسي ضد الحرب على العراق خلال حقبة جورج بوش الابن. وبناء عليه؛ تساءل عمّا قد تغيّر، حيث تمكّنت الولايات المتحدة فيما بعد من فرض إرادتها ؟!
رأى الكاتب أنّ: “الموضوع يعود جزئيًا إلى أنّ الدول الأوروبية تعتمد عسكريًا على الولايات المتحدة، وذكّر بالعامل الاقتصادي، مستشهدًا بكتاب صدر الشهر الفائت للباحثين Henry Farrell- من جامعة John Hopkins- وAbraham Newman من جامعة Georgetown، يحمل عنوان: “الإمبراطورية الخفية: كيف سلّحت أميركا الاقتصاد العالمي؟”. وشرح أنّ: “الكتاب يوضّح كيف أفادت الولايات المتحدة من المؤسسات التي نشأت خلال القرن المنصرم”. ووفقًا للكاتب، يُبيّن الكتاب كذلك أنّ هذه المؤسسات تشمل عملة الدولار ونظام Swift، فهذا النظام هو عرضة للضغوط الأميركية بالرغم من أنّه تحت إدارة مجلس دولي.
ووفقًا للكاتب، باتت الولايات المتحدة في ما بعد قادرة على التأثير على الاتصالات العالمية وسلاسل التوريد، وقررت أن تستخدم نفوذها على هذا الصعيد بعد هجمات الحادي عشر من أيلول”. وتحدث عن “قيام واشنطن بتحويل المؤسّسات التي كانت قادرة على الوصول إليها إلى سلاح في “الحرب على الإرهاب”. وهنا استشهد بما كتبه Farrell وNewman عن تحويل واشنطن الشبكات الاقتصادية إلى أدوات للهيمنة “من أجل حماية أميركا”.
كما تابع الكاتب أنّ: “الولايات المتحدة قامت، خلال مرحلة أربع إدارات، بتحويل الاقتصاد العالمي إلى سلاح استراتيجي لأميركا من أجل الاستخدام ضد ايران والصين وروسيا”. وذكر أنّ: “بوش الابن هو الذي جاء بقانون Patriot Act الذي هدف إلى منع الإرهابيين من غسل الأموال ضمن نطاق النظام المالي الأميركي، إلّا أنّ هذا القانون أعطى المنظمين الأميركيين أيضًا القدرة على التأثير على الكيانات المالية من الأشكال كافّة”.
كذلك أضاف أنّ : “المسؤولين الأميركيين، خلال حقبة أوباما، دفعت بنظام Swift إلى حظر المصارف الإيرانية وهدّدوا المصرفيين السويسريين بالملاحقة القضائية في حال عدم تفكيكهم لنظام السرية المصرفية الذي كان قائمًا منذ مئات السنوات”. وأردف :”ذلك إّنما كان نهاية النموذج المصرفي السويسري “المربح”، وبأنّ النظام تحوّل إلى سلاح ضد الأصدقاء والخصوم على حد سواء”.
وعن إدارة ترامب، قال الكاتب: “إنها أفادت من قوة أميركا ضد شركة Huawei للاتصالات”. وفي ما يخصّ إدارة بايدن، أشار الكاتب إلى أنّ ّهذه الإدارة لم تقم فقط بتجميد مخزون الاحتياط للمصرف المركزي الأفغاني، والذي بلغ قيمته 7 مليار دولار في أعقاب انسحابها من أفغانستان؛ بل إنّها قامت وبمساعدة الحلفاء بتجميد مخزون الاحتياط لدى روسيا في أعقاب الحرب في أوكرانيا”.
وحذّر الكاتب من أنّ: “تسليح الاقتصاد العالمي وأيًا كان الهدف هو أداة لا يمكن الاعتماد عليه في سياق تعزيز قوة أميركا”، مضيفًا أنّ: “المشكلة هي أنّ الاقتصاد بشكله الحالي موجود منذ الحرب الباردة؛ حيث هناك تبادل تجاري بين كل الأطراف تقريبًا”. وقال إنّ: “الدول التي تُعدّ المستهدفة، بشكل أساس، من الولايات المتحدة ردّت من خلال العمل على ترتيبات بديلة”. ولفت الى أنّ “روسيا أثبتت قدرتها على الاستمرار في مواجهة حرب اقتصادية شاملة، مرجحًا أن تلجأ كل من الصين وإيران إلى تبني أسلوب مماثل”.
أمّا الدول التي تعدّ الأقرب إلى الولايات المتحدة، مثل سويسرا وألمانيا، بيّن الكاتب بأنّها تضرّرت؛ فهي لم تقم بتحصين اقتصاداتها في مواجهة “السلاح الاقتصادي الأميركي”.