ضمن فعاليات أيام الفجر الثَّقافيَّة في لبنان، وتكريساً لمنظومة القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحيَّة، وبرعاية وزارة الثَّقافة اللبنانيَّة والمستشاريَّة الثَّقافيَّة للجمهوريَّة الإسلاميَّة في لبنان، وبالتَّعاون مع المركز العالميِّ لحوار الحضارات، أُقيم لقاءٌ فكريٌّ حواريٌّ في مركز “لقاء” في منطقة الرَّبوة، تحت عنوان “التَّعدُّديَّة الثَّقافيَّة بين المواطنة والانتماء” بمشاركة الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي فضيلة الشيخ بلال سعيد شعبان.
اللَّقاء الَّذي حضرهُ وزير الثّقافة اللّبناني محمد مرتضى، وزير الثّقافة الإيرانيّ محمد مهدي إسماعيلي، إلى جانب نُخبة من الشّخصيات الفكريّة والثقافيّة، ورجال دين من مختلف الطوائف والمذاهب، أُلقيت فيه العديدُ من الكلمات.
بدوره الشّيخ بلال شعبان ألقى كلمة، جاء فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسل الله، سيّما ابراهيم خليل الله وموسى كليم الله وعيسى روح الله، ومحمدٌ خاتم رسل الله، صلوات ربّي وسلامه عليهم أجمعين، وعلى آل كلٍّ وصحبِ كلٍّ.
يقول تعالى: “يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”. فالكثير من الناس يدخل من بوابة التنوّع العرقي أو المذهبي ليختلف مع الآخر، والتعدّدية هي رحمة وهي آية من آيات الله عز وجل، والتّنوّع والاختلاف هنا للتّآلف والتّعارف وليس للاختلاف والتعارك. ويقول عزّ وجل:”وِمنْ آياتِهِ اخْتِلافُ ألْسِنَتكُمْ وَألوَانِكُمْ”. فلكل منّا هويّته التي قد تحمل العناوين القوميّة والوطنيّة والشّخصيّة، وهذه الهويّات بمثابة دوائر، عبارة عن هويّات ومسمّيات متعدّدة غير متعارضة، فهي دوائرُ منضويَةٌ داخل بعضها البعض، فقد يحمل الشخص الواحد الهويّة الشخصيّة (اسمه) إلى الهويّة الوطنيّة (موطن ميلاده)، إلى الهويّة القوميّة ( عربي أو عجمي …)، إلى الهويّة الدينيّة( مسلم أم مسيحيّ …)، كل تلك الهويّات لا تُقدَّم على الهويّة الإنسانيّة، ففوق ذلك كلّه الإنسان .
وشدّد شعبان على وجوب فهم الأهداف والغايات الأساسية لهذا الدين العظيم، وهي غايات تقوم على الإيمان بالواحد الديّان وخدمة الإنسان، ويبيّن ذلك قول الله عزّ وجل “أرأيت الّذي يكذبُ بالدِّينِ، فذلك الّذي يدعُّ اليتيمَ ولا يحضُّ على طعامِ المسكينِ، فويلٌ للمصلِّينَ الَّذين هم عن صلاتهم ساهونَ، الَّذين هم يراؤونَ ويمنعونَ الماعونَ”. فالتّكذيب بالدّين وفق هذه الآيات ليس بترك العبادات الشعائرية الواجبة، بل بترك التّطبيق الفعليّ العمليّ للدّين، فالذي يدعُّ اليتيم ولا يساعد المسكين ويمنع التّعاون بين النّاس، هو عمليًّا المكذّب للدّين. عندما أسكن الله تعالى سيّدنا وأبانا آدم في الجنّة، قدّم له الكفايات الإنسانيّة الضّروريّة، قال تعالى في ذلك:”إنّ لك ألّا تجوع فيها ولا تعرى، وأنّك لا تظمأ فيها ولا تضحى”. تأمينٌ للكفايات الإنسانيّة من مأكل ومشرب وملبس ومأوى، وهذه هي الغايات الإنسانيّة الّتي يجب علينا جميعاً أنْ نَحضّ عليها وأنْ نسعى لتأمينها للإنسان.
وأضاف فضيلتهُ” ويؤكّد مفهوم العبادة ببعدِه الإنسانيّ قول الله تعالى في الحديث القدسيّ الّذي رواه رسول الله ﷺ: “إنّ الله يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضتُ فلم تعدني، قال: يا ربّ، كيف أعودكَ وأنت ربُّ العالمين؟ قال: أما علمت أنّ عبدي فلانًا مرض فلم تعُده؟ أما علمت أنّك لو عُدته لوجدتني عنده، ثم يقول ربنا عز وجل: يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا ربّ، كيف أطعمك وأنت ربّ العالمين؟ قال: أما علمت أنّه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنّك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي. ثمّ يقول تعالى: يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا ربّ، كيف أسقيك، وأنت ربّ العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنّك لو سقيته لوجدت ذلك عندي” رواه مسلم. الخُلاصة هي أنّ الإنسان بمطلق هويّته بعرقه بلونه بلغته بدينه، هو غاية هذا الدين العظيم، الخُلاصة أنّ الله عز وجل هو “ربّ العالمين” وليس ربّ المسلمين أو المسيحيّين فقط، في كلّ ركعة نقرأ “الحمد لله رب العالمين” لذلك حُسْنُ التّعبد والتّبتّـل لله عزّ وجل يتجلّى حقيقةً في خدمة عباده، فالرسول عليه الصلاة والسلام، يقول :”الخلقُ كلُّهم عيالُ الله، أحبُّهم إليه أنفعهم لعياله”، والدّين المعاملة، و”خير النّاس أنفعهم للناس”.
وتابع فضيلته “هذه مسؤوليتنا الحقيقيّة في خدمة الانسان، ليست مسؤوليتنا أنْ نقسم الناس ونحكم عليهم، ثم نقوم بعملية فرز لهم “أنت إلى الجنة وأنت إلى النار”. غايات الدين ليست بتصنيف الناس وتوزيعهم أخرويا هذا إلى الجنة وهذا إلى النار، هذه مُهمة الله سبحانه وهو القائل:” قل كلٌّ يعمل على شاكلته، فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا”، ويقول أيضاً:” ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون”. ويقول سبحانه:”إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني”.
وأضاف شعبان ” لقد بعثَ الله الرّسل والأنبياء لهداية البشريّة، وليس لتقسيمها، فعيسى وموسى ومحمد إخوة جاؤوا لهداية الناس، ولكنّ عدم فهم “لتعارفوا” جعل البعض يعمل على الطريقة اللبنانية ٦*٦ مكرّر، فصار سيّدنا محمد للمسلمين، وسيّدنا عيسى المسيح للمسيحيين، والصّحابة للسّنّة، والآل للشّيعة، والحقيقة أنّ كلّ هؤلاء سادتنا، ورصيد إنساني جاؤوا من أجل خدمة البشرية وابتعثوا من أجل هدايتهم. لذلك من غايات الدين الأساسية إقامة العدل، قال تعالى:” إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان”. يجب الانطلاق من المشتركات الإنسانيّة للتعاون في ما بيننا لتحقيق كلّ ذلك، فمصيرنا مشترك، لأننا نعيش على كوكب واحد، بمسطح مائي واحد وغلاف جويّ واحد، كلُّ ما يحصل ينعكس على الجميع، فالجميع يتأثّر بالتّصحّر والجوع والاحتباس الحراريّ، والفقر وشحّ المياه وتلوّثها وغيرها، وهذا هو ميدان العمل المشترك، وهنا يجب أنْ تظهر تجلّيات الدّين الحنيف وتوحيد ربّ العالمين.
وعلى الصّعيد المحلي، اعتبر الشيخ شعبان أنّ لبنان يحتاج إلى التّعاون بمختلف مكوّناتنا حتّى يحيا المواطن في لبنان حياة شراكة وعدل، أيّاً كانت هُويّته الدينيّة والقوميّة والعرقيّة والمذهبيّة، تعاونٌ يقيم حياة كريمة، بعيداً عن القهر والظلم والاستتباع، حتّى لا يبقى مُجوّع وحتّى لا يبقى مظلوم، وحتّى لا يبقى مقهور.
ودعا فضيلته إلى التّعاون فيما بين مكوّناتنا الدّينيّة والمذهبيّة والقوميّة، لرفض كلّ أشكال الاحتلال للأقصى والقدس وفلسطين، وأنْ تكون مقاومتهُ مقاومةً مشتركة لأنّها مقدّسات مشتركة، فهي مهد عيسى عليه الصلاة والسلام، وهي مسرى رسول الله محمّد صلّى الله عليه وسلم، وهي أرض التّين والزّيتون، والكيان الصهيوني الغاصب أبشعُ صور توحُّش العولمة النّيو-ليبراليّة. فباختصار، معيارُ صدقِ إيماننا هو دعوةُ العدل، وإقامتُه بين النّاس.

– يقول الشّاعر العراقيّ أحمد مطر:
ادعُ إلى دينِـكَ بالحُسـنى
وَدَعِ الباقـي للدَّيَّـان .
أمَّـا الحُكْـمُ .. فأمـرٌ ثـانْ .
أمـرٌ بالعَـدْلِ تُعـادِلُـهُ
لا بالعِـمَّةِ والقُفطـانْ
توقِـنُ أم لا توقِـنُ .. لا يَعنـيني مَـن يُدريـني
أنَّ لِسـانَكَ يلهَـجُ باسـمِ اللهِ
وقلبَكَ يرقُـصُ للشَّيطـانْ !
أوْجِـزْ لـي مضمـونَ العَـدلِ
ولا تـفْـلِـقْــني بالعُنـوانْ .
لـنْ تَقـوى عِنـدي بالتَّقـوى
ويَقينُكَ عنـدي بُهتـانْ
إن لم يَعتَـدِلِ الميـزانْ .
شَعْـرةُ ظُلـمٍ تَنسِـفُ وَزنَـكَ
لـو أنَّ صـلاتَكَ أطنـانْ !
الإيمـانُ الظَّالـمُ كُـفرٌ
والحقُّ العادِلُ إيمـانْ !
هـذا ما كَتَبَ الرحمـنْ .
( قالَ فُـلانٌ عـنْ عُـلَّانٍ
عن فُلتـانٍ عـن عُلتـانْ )
أقـوالٌ فيهـا قولانْ .
لا تَعـدِلُ ميـزانَ العـدْلِ
ولا تَمنحـني الاطـمِـئنـانْ
دعْ أقـوالَ الأمـسِ وقُـل لي ..
ماذا تفعـلُ أنتَ الآنْ ؟
هـل تفتـحُ للدِّيـنِ الدُّنيـا ..
أم تَحبِسُـهُ في دُكَّانْ ؟!
هـلْ تُعطينا بعـضَ الجنَّـةِ
أم تحجُـزُها للإخـوانْ ؟!
قُـلْ لي الآنْ ؟؟
فعلى مُختَلـفِ الأزمـانْ
والطُّغيـانْ
يذبحُني باسم الرَّحمنِ فِداءً للأوثانْ !
هـذا يَذبـحُ بالتَّـوراةِ…
وذلكَ يَذبـحُ بالإنجيـلِ…
وهـذا يذبـحُ بالقـرآنْ !
لا ذنْبَ لكلِّ الأديـانْ.
الذَّنبُ بِطبْـعِ الإنسـانِ
وإنَّـكَ يا هـذا إنسـانْ.
كُـنْ ما شِـئتَ
رئيسـاً، مَلِكـاً، خانـاً، شيخـاً، أو دهْـقـاناً،
لا أسـألُ عـنْ شَـكلِ الحاكم
أسـألُ عـنْ عَـدْلِ السُّلطانْ
هـاتِ العَــدْلَ ..وكنْ من كان
هات العدل وكـنْ إنسان