اعتبر الأمين العام لحزب الله، سماحة السيد حسن نصرالله، أن ما حصل اليوم في عكار في بلدة التليل يفرض نفسه علينا جميعا وبالتأكيد على مجلسنا هذا الذي يحيي ذكرى المظلومية والآلام والثكل والغربة.
وفي كلمته خلال الليلة السابعة من محرم في المجلس المركزي الذي يقيمه حزب الله في باحة عاشوراء، أشار سماحته إلى أن ما حصل في التليل محزن ومؤلم لكل إنسان، متوجهًا “من مجلسنا إلى أهلنا في عكار والعائلات الكريمة التي فقدت أحبتها والجيش اللبناني الذي فقد عددًا من أفراده نعزيهم بالشهداء المظلومين ونتضامن معهم ونعبر عن مواساتنا ونتضامن مع الجرحى الذين يعانون”.
وأضاف سماحته “نضع أنفسنا وإمكانياتنا ومؤسساتنا في خدمة أهلنا في عكار، ونحن جاهزون لأننا أهل وهذه الآلام هي آلامنا وأحزاننا”.
السيد نصرالله رأى أنه المطلوب تحقيق للكشف عن ملابسات حادثة التليل ومعاقبة المقصرين، والأهم مساعدة المصابين وتضميد الجراح واستيعاب هذه الحادثة إنسانيًا وإجتماعيًا، والأهم كذلك أخذ العبرة والدرس حتى لا تتكرر في منطقة أخرى.
وتابع قائلًا “بدل أن تتداعى القوى السياسية والمسؤولون ووسائل الإعلام للملمة الجراح ومواساة المصابين واستيعاب الحادثة، بدأ كالعادة في لبنان التراشق الإعلامي والشتائم والاتهامات والسباب والتوظيف السياسي والعبارات الجارحة”، معتبرًا أن هذا “أمر محزن في بلدنا ونحن صرنا بلد عجيب غريب”.
ولفت إلى أنه منذ الصباح نشهد تصفية حسابات وهذا لن يدفع خطرًا ولن يعالج مشكلة بل يعمق الحساسيات والصراعات وخصوصًا عندما يتغذى بالتحريض الطائفي والمذهبي.
سماحته شدد على أن “هذه الحادثة المأساوية يجب أن تشكل عاملًا حاسمًا في الضغط على المعنيين في تشكيل الحكومة من أجل تشكيل حكومة خلال أيام قليلة، معتبرًا أن “هذا البلد لم يعد يحتمل وهنا الكلام للجميع، لعبة الوقت انتهت وأي شيء آخر أو مكسب سياسي أو طائفي لم يعد يجوز أن يفكر فيه إنسان”.
كما رأى سماحته أن “أول رسالة وعبرة من دماء هؤلاء الشهداء المظلومين وآهات الجرحى هو أن شكلوا حكومة خلال يومين أو ثلاثة أيام، وإلا سنكون جميعًا نرتكب جميعًا بحق هذا البلد.. شكلوا حكومة بأي شكل وأي ثمن، ماء وجه الجميع مرتبط بتشكيل حكومة وكل واحد يتفضل يضحي”.
وأضاف سماحته “نحن في الفوضى والانهيار لكن مقدار الفوضى ما زال مقدورًا عليه.. الحل في تشكيل حكومة واجتماع الحكومة واتخاذ القرار المناسب في موضوع الدعم والبطاقة التمويلية.. البلد فيه فراغ في السلطة”.
الأمين العام لحزب الله أكد أن “الطريق الوحيد لمنع الفوضى وإدارة الأزمة هو تشكيل الحكومة، نعم هناك عقوبات وحصار خارجي ومؤامرة خارجية لكن مصيبتنا في لبنان أن لدينا حصار وعقوبات خارجية ولدينا عجز وفشل داخلي، عجز وفشل في السلطة سموه ما شئتم ولا أتحدث عن جهة محددة”.
وأضاف “ليس لدينا لا سلطة حلّ أزمة ولا حتى سلطة إدارة أزمة، منذ أسابيع الناس تتجمع على محطات المحروقات والناس متروكون لمصيرهم، هذا يعني العجز والفشل، لا يوجد من يعمل أو يتحمل المسؤولية أو يبادر”، وتابع قائلًا “يجب تشكيل حكومة خلال أيام في أسرع وقت ممكن وعلى الجميع تقديم التنازلات المطلوبة”.
كثير من الناس شركاء في تحمل المسؤولية
واعتبر سماحته أن “كثيرًا من الناس في لبنان شركاء في تحمل المسؤولية والعنوان العريض هو الطمع والجشع الذي لا حدود له عند كثيرين وفي كل المناطق وكل الطوائف وهذا موجود في كل الطوائف والمناطق”.
ونوّه إلى أن أغلب الشركات والمحطات وهؤلاء الذين أخذوا من طريق الناس البنزين والمازوت للمتاجرة به في السوق السوداء هم شركاء في الشجع والطمع، وأن ما حصل منذ عدة اسابيع إلى اليوم أن أغلب الشركات كانت تسلم المحطات المحروقات وتخزّن وتحتكر الكثير منها، وأغلب المحطات كانت تبيع للناس وتخزّن وتخبئ، وهناك أناس اشتروا من المحطات عشرات ومئات الغالونات وخزنوا في بيوتهم وفي المستودعات.
ورأى سماحته أن “الذين احتكروا المازوت والبنزين وباعوه في السوق السوداء أو هربوه هم خونة خانوا الأمانة ومجرمون بحق ناسهم وشعبهم ومالهم مال حرام ومال سحت”، وأضاف “الناس مسؤولون وأقول لكل الذين حصّلوا أرباحًا خلال الأسابيع الماضية اذهبوا واعملوا على تبرئة ذممكم لأن مالكم حرام”.
وذكّر سماحته بأنه عرض “20 ألف شخص من رجال ونساء لمساعدة أجهزة الدولة في ضبط الاحتكار وكلهم طلاب جامعات ومهندسين ومن الخواص، لكنهم لم يسمعوا منا لأنهم لا يريدون تحمل المسؤولية”
كما اعتبر أن “قرار إجبار المحطات على بيع المخزون لا يجب أن يقف عند المحروقات”، متسائلًا “ماذا عن الدواء والغذاء؟ فقط الجيش وقوى الأمن والوزارات المعنية تستطيع حل هذا الموضوع”.
ووجّه سماحته “نداء لكل الذين ما زالوا يخزنون بنزين في بيوتهم والأحياء السكنية، ما تفعلونه جريمة موصوفة وهو حرام وفيه خطر انفجار فعلي، طالما أن هناك احتمال فعلي للانفجار يعني أنك شريك في القتل، هؤلاء مسؤوليتهم الانسانية والأخلاقية والشرعية اخراج هذه المواد من بين الأحياء”.
كما أشار إلى أن “السطو على سترنات المازوت على الطرق هو سرقة.. الذي يصادر المازوت على الطريق حرامي”، وأضاف “أنا أبرئ ذمتي أنني بلغت وقلت، لا يجب أن “نطبطب” على ظهر أحد، وأي أحد يصادر سترن مازوت هو سارق”، مضيفًا “بيسموا حالن ثوار وهني حرامية مش ثوار”، ووصف “مصادرة سترنات المازوت على الطرق بأنه اعتداء على أموال الناس وإطلاق لفوضى لن تقف عند حدود.
سنأتي بالمازوت والبنزين من إيران ولموضوع محسوم
الأمين العام لحزب الله تطرّق إلى أن موضوع استيراد المحروقات من إيران وقال “كنا نفضل أن تشتري الدولة اللبنانية الفيول من إيران، لكن بسبب حسابات ترتبط بالأميركيين الذين يضغطون على البلد ويتحملون مسؤولية كل ما يحصل في البلد وهذه الفوضى يديرها الأميركيون من السفارة الأميركية”.
وفي هذا الموضوع، أضاف سماحته “كل ما تسمعوه من الإعلام لا تبنوا عليه، انتظروني أنا صوتًا وصورة أو انتظروا بيانا من حزب الله”، وأضاف “متى يأتي المازوت والبنزين؟ أنا قلت عندما تتوقف الدولة عن إحضار البنزين والمازوت “رح نشتغل هالشغلة” وإلا هذه ليست “شغلة” حزب الله بل “شغلة” الدولة”، مؤكدًا “أننا إن شاء الله أننا قطعا سنأتي بالمازوت والبنزين من إيران، قطعًا.. متى؟ هاليومين تلاتة بقلكم، لكن الموضوع محسوم”.
وأردف “نحن لا نترك البلد هكذا ووعدنا ونلتزم بوعودنا”، مضيفًا “سيدخل البنزين والمازوت إلى لبنان جهارًا نهارًا ونفتخر بتقديم هذه الخدمة لأهلنا وناسنا”.
ولفت سماحته إلى أن “هناك غرفة تعمل لإيصال البلد للإنهيار والفوضى وهناك متواطئون داخليون”، متسائلًا إن كان “الذين يخربون محطات توليد الطاقة هم لبنانيون ولديهم شرف وأخلاق وإنسانية؟”، مضيفًا “ابحثوا عنهم تجدون أن خيوطهم تصل إلى السفارة الأميركية”.
وتابع قائلًا “في معركة من هذا النوع لا يجب أن ننفعل بل نصبر ونضبط أعصابنا، ولا نذهب حيث يريد العدو، يجب الذهاب الى العلاج”.
وتابع قائلًا “يجب أن نعتمد على أنفسنا.. أدعوكم إلى ما حصل معنا في لبنان خلال عشرات السنين الماضية في كل المستويات.. يجب أن يأتي وقت يصبح لدينا جميعا قناعة بالاعتماد على كل شعبنا وقدراتنا الذاتية وعقولنا وإمكانياتنا وسياساتنا التي لا تملى علينا من الخارج”.
البلد الذي يعيش على المساعدات لا يستطيع أن يكون مستقلاً
الأمين العام لحزب الله تطرّق إلى ما يجري في أفغانستان، وقال “عشرون عامًا وأميركا تحتل أفغانستان وتديرها وتفرض خططها وسياساتها، وبنت قوات مسلحة، وبعد 20 عامًا ما مصير أفغانستان؟ بعد 20 عامًا قرر الأميركيون الانسحاب ولم يسألوا عن أصدقائهم وحلفائهم الذين قالتلوا معهم”.
وأضاف “سقطت المحافظات الأفغانية الواحدة تلو الأخرى وباتت متروكة لطالبان.. إذا كان هناك اتفاق بين الأميركيين وطالبان فالإدارة الأميركية خانت أصدقاءها وطعنتهم في الظهر وتآمرت عليهم، وإذا لم يكن هناك اتفاق مع طالبان فإن الإدارة الأميركية تخلّت عن أصدقائها”.
وتوجّه لبعض اللبنانيين بالقول “يا أصدقاء أميركا في لبنان، تريدون أن تحمي أميركا لبنان؟ ومِن مَن؟ من حبيبتها وربيبتها “اسرائيل”؟ تريدون الرهان على أميركا لحماية بلدنا بالوعود والضمانات الأميركية؟”.
ولفت إلى أن “من يريد الرهان على الضمانات والوعود الأميركية من اللبنانيين فليضع أمامه صورة أفغانستان، أما نحن فنؤمن بشدة أن الذي يحمي لبنان هم اللبنانيون وشعب لبنان وجيش لبنان والمقاومة في لبنان فقط لا غير”.
وتابع قائلًا “من 2006 إلى اليوم من الذي حمى لبنان؟ الإدارة الاميركية؟ الغرب الذي تتمسحون على أعتابه؟ جامعة الدول العربية؟ أم أقدام هؤلاء الأشراف من أبناء مدنكم وقراكم بدمائهم؟ هم الذين حموا لبنان وسيحمونه إلى الأبد”.
سماحته أكد أن “البلد الذي يعيش على مساعدات لا يستطيع أن يكون حرًا ولا مستقلًا ولا سيدًا، هذا البلد عبد.. السياسات الاقتصادية والمالية التي رأيناها طوال 40 سنة أي حكومة جديدة إذا أرادت اتباع نفس السياسة يعني أننا ذاهبون إلى المهوار”، مضيفًا “إذا كانوا يريدون جلب قروض للإكمال بهذه السياسة فنحن أول من سيقف في وجههم.. الصح تقوية الاقتصاد والانتاج والزراعة، يجب أن نتحول إلى اقتصاد منتج، واللبنانيون لا تنقصهم لا عقول ولا إرادة ولا شجاعة ولا إمكانات”.
وذكّر بأن 15 آب 2013 كان ذكرى انفجار الرويس الذي أدى إلى سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى، وقال “الذين أرسلوا إلينا السيارات المفخخة ذهبنا إلى عقر دارهم”.
ستخرج أميركا وأعوانها كما في المعارك السابقة مهزومة ومذلولة
وفي نهاية كلمته، أشار سماحته إلى أن العباس(ع) في الساعة الأخيرة من العاشر من محرم كما الإمام الحسين(ع) فيه ميزة، خرج إلى الجمع وهو عطشان، وأحبته وأهله استشهدوا يحمل معه سيفًا وراية وقربة.. سيفا للقتال للدفاع عن دينه وإسلامه وإمامه وعرضه وراية للخلود لأن أبا الفضل العباس يعلم أن هذه الراية سوف تأتي أجيال من أهل العزم والبصائر لتبقى راية الحسين(ع) بيد العباس(ع) مرفوعة بوجه كل يزيد، وقربة للماء لتكون عنونا يذكر الناس بعطش الحسين وزينب(ع) والأيتام، وتذكّر الناس بالمظلومية ورمزًا للإيثار العباسي الذي رفض أن يشرب الماء وأخوه عطشان.
وأضاف أن “العباس(ع) عندما وقف بوجه كل هؤلاء لم يترتجف قلبه أبدًا ولم يحدث لديه خوف أو وهن، بل بيقين حازم وقف العباس وتقدم وقاتل ولم يكن يخيفه كل ما أمامه، هذه هي مدرسة العباس(ع)”.
ولفت إلى أن هذه المقاومة كالعباس(ع) وكالحسين(ع) في حرب تموز وقفت 33 يومًا بمواجهة كل مؤامرات الدنيا، بمواجهة كل هذا الجيش الذي تدعمه جيوش الدنيا، لم يهتز لها قلب ولم تخف ولم تجبن ولم تهن وتقدمت بيقين الواثق أن النصر من الله تعالى وصنعت الانتصار بعون الله.
وتابع قائلًا “القلوب التي لم ترتجف في حرب تموز ما زالت تملأ أجساد نسائنا ورجالنا، وهؤلاء لا يمكن أن يتزعزعوا ولا يزعزعهم لا خوف ولا جوع ولا عطش ولا حصار ولا إرهاب إعلامي ولا شائعات.. هؤلاء الجرحى هم لسان حال عشرات الآلاف من المجاهدين المقاومين ومئات الآلاف من جمهور هذه المقاومة في لبنان الذين ما تركوا الحسين(ع) يوم العاشر، وكان نداؤهم لو أنا نعلم أنا نقتل ثم نحرق ثم ننشر في الهواء يفعل بنا ذلك ألف مرة ما تركناك يا حسين(ع)”.
وختم قائلًا “ببصيرتكم وعزمكم وإيمانكم وتوكلكم ووفائكم هذه المعركة القائمة اليوم سنتمكن من الخروج منهما منتصرين، وستخرج أميركا وأعوانها كما في المعارك السابقة مهزومة ومذلولة”.