لم يترك سجل الولايات المتحدة الإجرامي اي أثر على إدارة واشنطن الحالية لسياستها في الخارج، ففي الذكرى السنوية الـ50 لنشر “أوراق البنتاغون”، التي توثّق الانتهاكات الأميركية في فيتنام، تواصل الإدارات المتعاقبة تكرار الأخطاء نفسها دون أخذ العبر من الخسائر التي تلقتها.
وفي هذا السياق، تحدث المؤرخ الأميركي أندرو باسيفيتش في مقالة نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” عن “أوراق البنتاغون” التي هي عبارة عن تقرير حكومي أميركي وثَّق انتهاكات السياسة الأميركية حيال فيتنام، مشيرا إلى أن هذه الوثائق “تكشف عن تبنّي المسؤولين الأميركيين الكبار مواقف لا تستند إلى معطيات دقيقة، وتجاهلهم ذلك تحت غطاء السرية”.
وذكر أنَّ “سيناريوهات وردية رُسمت لحرب فيتنام، في حين وثَّقت “أوراق البنتاغون” كيف قُمعت الأصوات التي كانت تشكِّك في جدوى هذه الحرب”، معتبرا أنَّ “الذكرى السنوية الـ50 لنشر الوثائق تشكل مناسبةً للتأمل في عدم تأثيرها على السياسة الأميركية فيما بعد”.
ولفت باسيفيتش إلى أنَّ “العبرة الأساسية من حرب فيتنام كانت عدم الدخول في فيتنام جديدة، إلا أنَّ الأوهام والتضليل حول دور القوة العسكرية لا زالت مستمرة”، موضحا أنَّه “لا تزال هناك قناعة مترسخة داخل دوائر الأمن القومي الأميركي تعتبر أنَّ القوة العسكرية هي الحل المناسب”.
الكاتب قال إنَّ “الخطط التي وضعها الجنرالات الأميركيون الكبار لحرب فيتنام لم تحقِّق أيًّا من النتائج الموعودة على الرغم من مقتل حوالي 58 ألف أميركي وعدد أكبر بكثير من الفيتناميين”، مضيفًا أنَّ ذلك “دفع بوزير الدفاع (الحرب) الأميركي وقتها روبرت مكنمارا إلى إعطاء التفويض بنشر “أوراق البنتاغون””.
وبيَّن أنَّ ما كُشف “لم يُنهِ السياسة الأميركية القائمة على البحث عن صيغةٍ لترجمة القوة العسكرية إلى نتائج سياسية إيجابية تصب لصالح واشنطن”.
وأضاف الكاتب أنَّ “الولايات المتحدة كانت تقصف لاوس وكامبوديا بشكلٍ غير مشروع تزامنًا مع نشر مقتطفاتٍ من “أوراق البنتاغون” في وسائل الإعلام الأميركية، وبالتالي كانت تشنّ حربًا لم تحظ بتفويضٍ من الكونغرس ولم يعرف الشعب الأميركي عنها الكثير”.
وتابع أنَّ “أحداثا مماثلة حصلت فيما بعد وحتى بعد سقوط حكومة جنوب فيتنام”، مذكرًا بـ”الدعم الأميركي “السري” لصدام حسين خلال فترة الحرب المفروضة على إيران، وبما قام به الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلنتون في الصومال الذي أدى إلى معركة مقديشو في تشرين الأول/أكتوبر عام 1993″.
وأشار الكاتب إلى “تلاعب إدارة جورج بوش الابن (الرئيس الأميركي الأسبق) بالمعلومات الاستخباراتية لتبرير غزو العراق خلال العام 2003، بالإضافة إلى سياسة “القتل المستهدف” التي تبناها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما”.
وشبَّه الكاتب “اغتيال قائد فيلق القدس اللواء الشهيد قاسم سليماني بقرار إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي عام 1963 تصفية رئيس جنوب فيتنام وقتها نغو دينه ديم”، لافتا إلى “أن الوثائق حول الحرب في أفغانستان تُبيِّن كيف جرى تكرار الأخطاء نفسها التي ارتُكبت حيال فيتنام”.
وقال إنَّ “ما كانت قد نشرته صحيفة “واشنطن بوست” عن عدم قول المسؤولين الأميركيين الكبار الحقيقة حول الحرب في أفغانستان طوال فترة 18 عامًا، حينها رسموا سيناريوهات وردية كانوا يدركون أنها غير واقعية، وقاموا بإخفاء معلوماتٍ واضحةٍ تؤكد أنَّ الانتصار في هذه الحرب أصبح مستحيلاً”.
وأردف الكاتب أنَّ “سلطة الرئيس الأميركي في القضايا العسكرية لا تزال غير مُقيَّدة إلى حدٍ كبيرٍ تمامًا كما كان الوضع عليه عندما نشرت “أوراق البنتاغون””، معتبرا أنَّه “ليس أمام المواطنين الأميركيين سوى الأمل في أن يكون جو بايدن (الرئيس الأميركي الحالي) وفريقه قد تعلموا العبر من الماضي”.