تشهد الهند ارتفاعًا غير مسبوق في الإصابات، حيث يسجل البلد الآسيوي أكثر من 300 ألف إصابة يوميًا منذ 22 شهر نيسان/أبريل الجاري، ممّا تسبّب في إجهاد النظام الصحي في البلاد، ونقص حاد في أسرة المستشفيات وإمدادات الأكسجين والأدوية.
وكانت الهند، حتى بداية شهر آذار/مارس الماضي، تعيش وضعًا أقرب إلى الجيد مع وباء “كورونا”، لكن عددًا من الوقائع خلال الأسابيع القليلة الماضية ساهم بشكل كبير في انتشار الفيروس على نحو غير مسبوق، إذ سجلت الهند ارتفاعًا قياسيًا جديدًا تجاوز حاجز الـ 400 ألف إصابة بفيروس كورونا خلال الـ24 ساعة الماضية، كما سجلت 3500 ألف حالة وفاة جديدة.
وتواجه الهند أزمة عميقة إذ تواجه المستشفيات ومشارح حفظ الجثث ضغطًا شديدًا، فضلًا عن عجز في إمدادات الأدوية والأكسجين وفرض قيود مشددة على الانتقالات في أكبر المدن.
السلطات الهندية قالت إن جميع مراكز التطعيم في مدينة مومباي التجارية أغلقت أبوابها لثلاثة أيام بدءًا من اليوم الجمعة، بسبب نقص اللقاحات، في حين سجلت البلاد زيادة قياسية يومية جديدة في الإصابات بكوفيد-19.
ولا تملك الهند، أكبر منتج للقاحات في العالم، مخزونات كافية لمواجهة الموجة الثانية الفتاكة من الجائحة، على الرغم من أن حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي تعتزم تطعيم جميع البالغين بدءًا من الأول من أيار/مايو.
ومنذ كانون الثاني/يناير لم يتم تطعيم سوى 9% فحسب بجرعة واحدة من اللقاحات من سكان الهند البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة.
وبدأت مساعدات عالمية تصل إلى الهند التي تجد صعوبة في التصدي لما وصفته بأنه “كارثة إنسانية”.
ووصلت أول رحلة أميركية تحمل اسطوانات ومنظمات أكسجين وأدوات للتشخيص السريع وكمامات (إن95) وأجهزة لقياس الأكسجين إلى العاصمة الهندية دلهي أمس الجمعة.
وكتب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على تويتر “مثلما هبت الهند لمساعدتنا في وقت مبكر من الجائحة، فإن الولايات المتحدة ملتزمة بالعمل على نحو عاجل لتقديم مساعدة إلى الهند وقت حاجتها”.
وحطّت طائرة الشحن العسكرية “سوبر غالاكسي” التي تحتوي على أكثر من 400 قارورة أكسيجين بالإضافة إلى معدّات استشفائية أخرى وقرابة مليون من معدات الفحص السريع لكشف الإصابة بكوفيد-19، في مطار نيودلهي الدولي.
من جهتها، أعلنت اليابان أمس الجمعة، أنها أيضًا ستساهم في الجهود الدولية لمساعدة الهند، وستُرسل 300 جهاز توليد أكسجين و300 جهاز تنفس.
وصرّح وزير الخارجية الياباني في بيان له أن “بلاده تقف إلى جانب الهند، صديقتنا وشريكتنا، في جهودها لمكافحة وباء كوفيد-19 بفضل هذه المساعدة العاجلة الإضافية”.
وفي تصريح له، قال وزير الخارجية الهندي هارش فاردهان شرينغلا للصحافة يوم الخميس إن “أكثر من 40 دولة تعهّدت بإرسال مساعدة طبية حيوية خصوصاً الأكسيجين”.
وفي المجمل، تشمل المساعدات المعلنة أكثر من 550 مرفقًا لإنتاج الأكسجين وأكثر من 4000 جهاز لتوليد أكسجين و 10 آلاف قارورة أكسيجين بالإضافة إلى 17 صهريج تبريد.
وأضاف أنه تم إرسال مئات آلاف الجرعات من اللقاحات المضادة لكورونا أيضاً ومكوّنات أساسية في تصنيع اللقاحات والأدوية، ولفت شرينغلا إلى “أن الوضع غير مسبوق”.
وأحصت الهند حوالى 18,5 مليون إصابة بكوفيد-19 منذ بدء تفشي الوباء، بينها أكثر من 6 ملايين في شهر نيسان/أبريل الحالي وحده.
وتوفي أكثر من 200 ألف شخص لكن يعتقد خبراء كثرٌ أن الأعداد الحقيقية أكبر بكثير من الأعداد المعلنة.
منظمة الصحة العالمية كانت قد أكدت أن “تدافع الناس في الهند إلى المستشفيات من دون داعٍ، تسبب في تفاقم الأزمة، وهي في تزايد والحالات في ارتفاع جنوني، بسبب التجمعات الكبيرة وظهور سلالات شديدة العدوى وانخفاض معدلات التطعيم”.
وفي مناطق كثيرة خارج نيودلهي وماهاراشترا، تعاني المستشفيات نقصًا في الأسرّة والأكسيجين والأدوية، ما يُرغم عائلات المصابين على محاولة الحصول عليها بكل لوسائل لإنقاذ أقاربهم.
وفي السياق ذاته، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في تحقيق مطول لمراسليها في الهند أن الأطباء والجمهور ووسائل الإعلام في الهند يحددون النسخة المتحورة من فيروس كورونا التي يطلق عليها اسم “متحور مزدوج” – وهي أكثر عدوى وأكثر مقاومة للقاحات – كتفسير لتزايد ارتفاع حالات الإصابة بالمرض.
ويشير هؤلاء إلى أدلة غير مؤكدة على وجود عدوى حتى بين الذين تم تطعيمهم. لكن العلماء يقولون إن البيانات ضئيلة للغاية، وأشاروا إلى أسباب أخرى محتملة وراء الموجة الثانية للوباء في البلاد.
ومن الأحداث التي ساهمت بهذا الانتشار الكارثي للوباء:
*النهر المقدس: فقد احتفل الهنود الهندوس بمهرجان ديني استمر عدة أسابيع بدءًا من 11 آذار/ مارس، إذ تجمع أكثر من 3 ملايين شخص على ضفاف نهر الغانغ.
وطلبت الحكومات الإقليمية في جميع أنحاء البلاد من الذين شاركوا في هذه الاحتفالية عزل أنفسهم وإجراء اختبارات كورونا، إلّا أن مناشداتها لم تلق الاستجابة المطلوبة من السكان.
*حشود انتخابية: اجتذبت التجمعات الانتخابية في الهند حشودًا كبيرة، إذ كان التباعد الاجتماعي غائبًا.
وشهدت بعض الولايات الهندية انتخابات في آذار/ مارس ونيسان/ أبريل، وكان رئيس الوزراء ناريندرا مودي يقود حملات حزبه من خلال تجمعات اجتذبت أعدادًا كبيرة من المؤيدين.
ودفع ارتفاع حالات الإصابة بمرض “كوفيد 19” المحكمة العليا إلى إلقاء اللوم على لجنة الانتخابات في الهند، لسماحها بالاستمرار في الاقتراع خلال فترة تفشي الوباء.