هل سيُنهي بايدن عهد التدخل العسكري الأميركي في الخارج؟

فرصة تاريخية أمام الولايات المتحدة لمراجعة الانتشار العسكري الموسع للقوات الأميركية في الخارج، خصوصًا أن السياسة الخارجية تحولت في السنوات الأخيرة إلى الطابع العسكري وبات هناك قرابة 3 قواعد عسكرية أميركية في الخارج مقابل كل سفارة وقنصلية وبعثة.

وفي هذا السياق، تحدث المؤرخ الأميركي أندرو باسيفيتش والأستاذ الجامعي دايفيد فاين في مقالة نشرها موقع “ريسبونسيبل ستايتكراف” (Responsible Statecraft) عن القواعد العسكرية الأميركية في الخارج، مشيريْن إلى أن “هناك قرابة ثلاثة قواعد عسكرية أميركية في الخارج مقابل كل سفارة وقنصلية وبعثة، ما يعني وجود حوالي ٨٠٠ قاعدة عسكرية مقابل ٢٧٧ مقرًا دبلوماسيًا”.

واعتبرا أن “هذا التفاوت يشير إلى مدى الطابع العسكري للسياسة الخارجية الأميركية”، وذكّرا بـ”إعلان إدارة الرئيس جو بايدن الشهر الماضي أن البنتاغون سيجري عملية مراجعة للتأكد من انسجام انتشار القوات الأميركية في الخارج مع الأولويات على صعيد السياسة الخارجية والأمن القومي”.

وأضاف الكاتبان أن “عملية المراجعة هذه تشكل فرصة تاريخية لإغلاق مئات القواعد العسكرية “غير الضرورية” في الخارج وتعزيز الأمن القومي والدولي في الوقت نفسه”.

وأشارا إلى ما قاله رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي مارك ميلي خلال شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، إذ اعترف أن الكثير من القواعد العسكرية في الخارج تعود إلى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية”، مضيفيْن أن “الولايات المتحدة حافظت على الآلاف من هذه القواعد منها 119 موقعا عسكريا أميركيا في المانيا واليابان”.

الكاتبان لفتا إلى “وجود 80 موقعا عسكريا أميركيا في كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى قواعد أخرى في مختلف انحاء العالم من استراليا إلى كينيا إلى قطر”، وأفادا أن “عدد القواعد العسكرية الأميركية في الخارج هو الأكبر في التاريخ، إذ إن الصين تمتلك في المقابل قاعدة عسكرية واحدة في جيبوتي”.

وقالا إن “رسالة وجهها تحالف “OBRACC” الذي يضمّ عددًا من الخبراء والمشرعين الاميركيين السابقين والمحاربين القدامى وغيرهم، إلى إدارة بايدن تطالب ببدء إغلاق قواعد عسكرية أميركية في الخارج من أجل تعزيز الأمن القومي والعالمي”، وأضافا أن “الموقعين على الرسالة اتفقوا على تسعة أسباب أساسية للبدء بهذه الخطوة”.

وتابع الكاتبان أن “السبب الأول هو تكلفة هذه القواعد التي وصلت إلى قرابة 51.5 مليار دولار عام 2017، اي ما يساوي تقريبًا ضعفي ميزانية وزارة الخارجية الأميركية”، مشيرين إلى أن “هذه التكلفة تصل إلى ما يزيد عن 150٠ مليار دولار إذا اضيفت تكلفة نشر الجنود في القواعد”.

وفيما يتعلق بالسبب الثاني، ذكر الكاتبان أن “القواعد العسكرية ساهمت بتبني سياسة خارجية قائمة على التدخل، وأن وجود هذا الكم من المقرات في الخارج يسهل شن الحروب”، مؤكدين أنه “جرى استخدام القواعد العسكرية في الخارج من أجل شن الحروب والهجمات 25 مرة على الأقل منذ عام 1980، فيما جرى استهداف 15 بلدًا على الأقل في منطقة الشرق الأوسط وحدها خلال هذه الفترة، وأدى كل ذلك إلى مقتل وجرح وتشريد عشرات الملايين من الشعوب”.

أما السبب الثالث، فقد أوضح الكاتبان انه “يتمثل بكون القواعد العسكرية في الخارج قد عفا عليها الزمن تكنولوجيًا”، معتبرين أن “الصواريخ البالستية الدقيقة جعلت من المقرات العسكرية الخارجية صيدًا سهلاً للأعداء”.

وتابع الكاتبان أن “السبب الرابع هو أن القواعد العسكرية في الخارج تقوض الاستقرار وتزيد من احتمالات اندلاع الحرب”، مشيرين إلى “وجود مئات القواعد في محيط دول مثل روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية، ما قد يشجع قادة هذه الدول على تكثيف انفاقها ونشاطها العسكري”.

وحول السبب الخامس، قال الكاتبان إن “الموقعين على الرسالة اجمعوا على أن وجود القواعد العسكرية في الشرق الأوسط اجج الراديكالية والدعاية المعادية لأميركا وسمح لتنظيمات مثل “القاعدة” بتجنيد المزيد من الاتباع، فضلاً عن أنه ساهم في حدوث هجمات مروعة مثل هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001″.

ولفت الكاتبان إلى إن “السبب السادس هو أن القواعد العسكرية الأميركية موجودة في 40 بلدًا على الأقل يقودها حكام ديكتاتوريون وأنظمة غير ديمقراطية، مثلا في البحرين والسعودية والنيجر وتركيا”، مشيرين إلى أن “القواعد الموجودة في أراضٍ أميركية مستعمرة مثل “بورتوريكو” وغوام”، هي السبب الأساس وراء عدم نيل هذه المناطق استقلالها الكامل وحرمان سكانها من حقوقهم كمواطنين أميركيين”.

وفيما يتعلق بالسبب السابع، ذكر الكاتبان إن “القواعد العسكرية تؤجج العداء ضد القوات الأميركية، بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى التلوث البيئي”، في إشارة إلى السبب الثامن.

السبب التاسع، بحسب الكاتبيْن، تمثل بأن “الموقعين على الرسالة اجمعوا على أن نشر القوات الأميركية في الخارج يسبب انفصال العناصر العسكريين الاميركيين عن اسرهم، بينما انتقال الاسر بالكامل (مع العناصر العسكريين) إلى الخارج يعطل حياة افراد هذه الأسر”.

وأشارا إلى أن “اغلاق القواعد في الخارج هو خطوة سهلة سياسيًا ولا تحتاج إلى موافقة الكونغرس”، ودعَوَا “المشرعين الاميركيين إلى دعم اغلاق القواعد الخارجية”.

وختما مشددين على “ضرورة أن يتبنّى بايدن استراتيجية خفض الوجود العسكري الأميركي في الخارج وإعادة القوات إلى موطنها وبناء تحالفات الولايات المتحدة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *