اليمنيون على طريق تحرير مأرب: الأهمية الاستراتيجية

عندما يؤكّد الناطق باسم حركة “أنصار الله” محمد عبد السلام: “أنّ ما تشهده محافظة مأرب من عمليات عسكرية ضد قوى العدوان والمرتزقة جزء من معركة تحرير الوطن”، علينا أن نأخذ الكلام بعين الاعتبار. فإن ما مرّ على اليمن من جرائم بسبب العدوان الثلاثي الإماراتي – الأميركي – السعودي عليه يعتبر من أخطر جرائم العصر التي يشهدها شعب في العالم. وبالتالي، فإن تحرير مأرب له مدلولات هامة في خضم الصراع الطويل والذي أخذ شكل عدوان جائر على اليمن في السنوات الست الأخيرة.

لنذكر قليلًا في البداية بعض المعطيات الهامة. يعتبر اليمن “الحزين” اليوم قطعة أرض تطوف على بحر من البترول والغاز ويحوي بين طياته أهمّ مناجم الذهب في العالم. وهذا ما يجعله مطمعًا كبيرًا لأيّة قوة استعمارية أو استكبارية في العالم. وبحسب التقرير الإستراتيجي اليمني 2006 والذي نشر على موقع وزارة النفط والمعادن اليمنية، فإنّ الطاقة الإنتاجية لقطاع النفط حتى العام 2006 تتوزع في ثلاث قطاعات رئيسية هي:

1- قطاع المسيلة حضرموت ويحتل المركز الأول بين القطاعات النفطية في الجمهورية اليمنية حيث بلغت طاقته الإنتاجية السنوية عام 2006 حوالي 51.7 مليون برميل تمثل 39% من إجمالي الإنتاج النفطي.

2- قطاع مأرب الجوف: بإنتاج سنوي وصل عام 2006 لحوالي 25.1 مليون برميل يوميًا وبنسبة 19% من إجمالي الإنتاج.
3- قطاع جنة بنسبة إنتاج 12%، ثم تأتي القطاعات الأخرى.
4- تمثل القطاعات الثلاثة 70% من إجمالي الإنتاج النفطي اليمني، هذا عدا عن أن حضرموت تختزن ثاني أكبر خزان مائي طبيعي في الجزيرة العربية.

وبحسب إحصائية رسمية فإن المخزون النفطي في اليمن يقدر بنحو 11.950 مليار برميل، منها 4.788 مليارات برميل نفط قابل للاستخراج بالطرق الأولية والحالية. ويصل إجمالي النفط المنتج حتى كانون الأول/ ديسمبر/ 2018، إلى حوالي 2.9 مليار برميل، بينما يصل إجمالي المخزون الغازي إلى نحو 18.283 تريليون قدم مكعبة. وتمتلك شركة صافر الحكومية القطاع النفطي 18 والذي يعد أكبر الحقول النفطية في اليمن، وتعمل حكومة التحالف على إعادة الإنتاج من هذا الحقل الذي يشمل مأرب والجوف بكامل طاقته منذ العام الماضي دون جدوى حتى الآن، مع الاكتفاء بإنتاج وتصدير ما يقرب من 15 ألف برميل في اليوم من قطاع يتجاوز إنتاجه نحو 100 ألف برميل يوميًا.

ولذا من المنطقي أن تكون الخطوة القادمة بعد مأرب، تحرير محافظة شبوة والتي تسلم المجلس الانتقالي السيطرة عليها بعد خروج القوات الإماراتية، واذا ما فعلها الجيش و”أنصار الله” فستصبح بذلك جميع مناطق اليمن الغنية بالنفط والغاز تحت السيطرة الوطنية اليمنية.

كانت السعودية خلال السنوات الماضية تحاول الضغط على حكومة هادي من أجل الإشراف على الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط اليمني ووضع القطاع بشقيه النفطي وخط أنابيب النفط السعودية المارة في اليمن تحت سيطرتها، وهذا ما كانت المملكة تأمل بالتوصل إليه من خلال إعادة عبد ربه منصور هادي إلى اليمن. كما كانت تطمح إلى تنفيذ برنامجها في تنمية وإعادة إعمار اليمن. فبحسب موقع الـ BBC، وعدت السعودية بمنح عقود الحكومة اليمنية لشركات أجنبية محددة، لم يسمها الموقع، وهذا بالتأكيد، ما لن تصل إليه الرياض ما إن تصبح مأرب وبعدها شبوة في يد “أنصار الله” والجيش اليمني.

من المنطقي أن يستمر اليمنيون بتحرير المزيد من الأراضي من سلطة “التحالف” وصولًا إلى محافظة شبوة، والتي يوجد فيها معمل تسييل الغاز، ومصفاة بترول، في حين أن مصفاة البترول الأخرى موجودة في عدن. ووصول اليمنيين إلى محافظة شبوة يمكنه أن يؤمن احتياجات اليمن من الغاز والبترول وإعادة تشغيل معامل الكهرباء، مما سيضمن تحسنًا جزئيًا في أوضاع المستشفيات التي تعاني من انقطاع الكهرباء، وبالطبع سينعكس ذلك على القطاع الإنتاجي المحلي في اليمن.

يقع اليمن على أهم موانئ على البحر الأحمر ومنها ميناء الحديدة، الذي شهد معارك ضارية قبل تحريره من قوى “داعش” و”القاعدة” وغيرهما في الجنوب. والميناء الهام الثاني هو ميناء عدن، الذي يقع في أهم منطقة استراتيجية على مضيق باب المندب، ويشرف على بحر عمان، الذي يفتح على بحر العرب. أي أن اليمن عدا عن أنه خزان من الثروات الباطنية، فهو ممر حيوي هام لخطوط النفط السعودية إلى الإمارات ويحتضن موانئ استراتيجية هامة، أهمها ميناء عدن، وهو الميناء الذي كانت تدار عبره ثاني أهم ترانزيت للبضائع في الخمسينيات بعد ميناء نيويورك. وكان يدار الميناء حتى العام 2012 من قبل شركة موانئ دبي، وبعد انتهاء عقدها لم تجدده الحكومة اليمنية آنذاك لأن الشركة لم تنفذ البنود المتعلقة بالمشاريع الاستثمارية، فانتقلت الشركة لتعمل عبر موانئ أريتيريا بالقرب من القواعد العسكرية الإسرائيلية هناك. وهذا يشرح أسباب دخول الإمارات في الحرب على اليمن، خاصة وأنّ الإمارات تحاول وضع يدها، إضافة إلى ميناء عدن، على منابع النفط في حضرموت وشبوة واللتين تشكلان بمجموعهما 80% من احتياطي النفط في اليمن، وذلك بحسب التقرير الذي نشره مركز دراسات الشرق الأوسط CNMS.

ابتدأ العدوان على أنصار الله والجيش الشعبي اليمني من قبل في 26 آذار مار 2015، بعد الانتصارات التي حققتها المجموعات الوطنية في اليمن ضد هجومات تنظيم “القاعدة” و”داعش”، وانطلاق عملية تحرير اليمن من الإرهابيين، مما كان يشير الى خروج اليمن عن السيطرة السعودية والوهابية. واليوم بعد دخول اليمن في مرحلة ما بعد مأرب، فإن ذلك لن يكون كما قبل مأرب، خاصة وأن طلائع الانتصار قد بانت فيها مع تحرير الأسرى السياسيين هناك.

ومن هنا يمكن فهم الأهمية الإستراتيجية والعسكرية لتحرير مأرب، والتي يمكن أن يتحول الانتصار فيها ليكون بداية انتصارات كبرى ووقف العدوان ابتداء من اليمن وصولاً إلى المنطقة العربية كلها، وخاصة الدول التي انتشرت فيها قوى “داعش” و”القاعدة”. ومن الممكن أن يكون انتصار مأرب بدايات لحلول في الدول العربية وحتى في سوريا وليبيا.

من الواضح والجلي، أن القط لا يوزع جبناً! وبالتالي فإن ما فعله الأميركي منذ بداية شهر شباط/ فبراير وهو رفع اسم “أنصار الله” عن لائحة الإرهاب ومن ثم الطلب من السعوديين وقف الحرب على اليمن وبالتالي مطالبة “أنصار الله” بوقف الحرب في مأرب يجب الوقوف عنده مطولًا. لأن الهدف من وقف حرب اليمن عند حدود مأرب من أجل الوصول إلى اتفاق دولي يرضي أمريكا ومصالحها في اليمن. فأمريكا بالتأكيد لا ترغب بوصول قوات “أنصار الله” والجيش اليمني إلى عدن وبالتالي إلى مضيق باب المندب.

واليوم وبقراءة واضحة دون مواربة، فإن التصريح الأميركي بوقف الدعم العسكري للسعودية، والطلب بوقف الحرب وهو ما لم تفعله واشنطن سابقًا، هو اعتراف صريح بأن الحرب على اليمن هي حرب أميركية، وبالتالي أحد المطالب الأميركية المتعلقة باليمن تهدف إلى وقف التهديد للسعودية وخاصة بعد وصول الطائرات اليمنية المسيرة والصواريخ اليمنية لتهدد الداخل السعودي وخاصة بعد قصف مطاري جدة والرياض.

وهذا تهديد واضح بأن الدفاعات اليمنية بات بإمكانها أن تتحول إلى هجوم يهدد كيان المملكة السعودية. وأهم نتائج هذا التهديد تحجيم دور محمد بن سلمان، وخاصة بعد الامتثال لفتح ملفات التحقيق بمقتل الصحفي السعودي جمال الخاشقجي في الكونغرس الأميركي.

خلال العام الماضي استطاع الكيان الصهيوني وعبر اتفاقيات “التطبيع” أن يجد له موطئ قدم على طول الممرات المائية الهامة من المحيط إلى الخليج، ومن البحر المتوسط شمالًا وحتى بحر العرب جنوبًا. ومن الواضح أن السيطرة على الممر المائي الهام بين الشمال والجنوب ألا وهو البحر الأحمر، باتت أمرًا مستحيلًا بسبب الصمود الأسطوري وبكل معنى الكلمة للمناضلين في اليمن بقيادة “أنصار الله”. فلو أحكمت أمريكا أو ربيبتها “اسرائيل” أو حتى أذنابهما في السعودية والإمارات على اليمن، لأحكمت “اسرائيل” قبضتها على البحر الأحمر من جميع الجهات، من قناة السويس وخليجي العقبة وإيلات حتى مضيق باب المندب. وسيكتب التاريخ أن هزيمة السعودية في اليمن كتبت نصرًا عربيًا في دمشق وبغداد ولمحور مقاوم لم يكن أحد في العالم ليصدق عظمة نتائج صموده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *