يُحكى كثيرًا عن عقبات خارجيّة تحول دون تشكيل الحُكومة، وعن تسويات إقليميّة – دوليّة قيد التحضير، من شأن إنجازها أن يفتح الباب أمام عمليّة التأليف. وعلى خطّ مُواز، يتردّد أنّ العقبات هي كذلك داخليّة، ومرتبطة بشكل أساسي بحجم الحُكومة المَنشودة. وليس بسرّ أنّ كلاً من أمين عام “حزب الله” السيّد حسن نصر الله ورئيس “التيّار الوطني الحُرّ” النائب جبران باسيل، دعيا بشكل أو بآخر، إلى توسيع الحُكومة، في ظلّ تلميحات بأنّ هذه الخُطوة قد تحلّ جزءًا كبيرًا من العقبات القائمة. فما الفارق بين حُكومة من 18 وزيرًا، وحكومة تضمّ عددًا أكبر من الوزراء، أكانت من 20 أو من 22 أو حتى من 24 وزيرًا، وربما أكثر؟.
الفارق على مُستوى عدد الوزراء في أيّ حكومة في لبنان، يتمحور حول التوزيعين الطائفي والمذهبي في الشكل، وحول التوازنات السياسيّة في المَضمون. ومن المَعروف أنّه يتمّ تقسيم عدد الوزراء مُناصفة بين الطائفتين المسيحيّة والإسلاميّة، علمًا أنّ الحصّة الأكبر من الوزراء هي لكلّ من الشيعة والسنة والموارنة (يحصل كل منهم على نفس العدد في أي حكومة) بينما تنال باقي المذاهب عددًا أقل من الوزراء يختلف تبعًا لحجم الحُكومة بطبيعة الحال. وبالتالي، إنّ إصرار رئيس الحكومة المُكلف سعد الحريري على حكومة من 18 وزيرًا، يَعني عمليًا حُصول الطائفة الإسلامية على 9 وزراء (4 سنة، و4 شيعة، و1 درزي)، والطائفة المسيحيّة على 9 وزراء بطبيعة الحال (4 موارنة، 3 روم أرثوذكس (أو 2 أرثوذكس و1 أقليّات) و1 كاثوليك و1 أرمني). وهنا المُشكلة، حيث أنّ الدروز يُطالبون بأن تكون حصّتهم من وزيرين، كما هي الحال في حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة حسّان دياب، وعندها ترتفع حصّة الكاثوليك تلقائيًا إلى وزيرين أيضًا، لأنّه عرفيًا يتم منح الروم الكاثوليك نفس عدد الوزراء، كما هي الحال أيضًا في حكومة دياب.
لكنّ رفع عدد الوزراء من 18 إلى 20، أي إلى نفس عدد حكومة دياب، يعني رفع حصّة الدروز إلى وزيرين، مع منح حقّ تسمية الوزير الثاني لصالح “الحزب الديمقراطي اللبناني”، لأنّ قوى “8 آذار” السابقة ترفض منح “الحزب التقدمي الإشتراكي” حقّ تسمية وزيرينإثنين. وهو يعني أيضًارفع حصّة الروم الكاثوليك إلى وزيرين أيضًا. وإذا كان “فريق الرئيس–التيّار الوطني الحُرّ” يرفض أن تكون حصّته من 5 وزراء فقط، إضافة إلى الوزير الأرمني، من أصل 9 وزراء مسيحيّين في حكومة من 18 وزيرًا، فهو بالتأكيد سيرفض أن تكون حصّته مُقتصرة على نصف عدد الوزراء المسيحيّين في حكومة من 20 وزيرًا. وهذا يعني أنّ الخلل في التوازنات السياسيّة الذي يُحاول الحريري الهروب منه، إضافة إلى رفضه منح فريق “الرئيس–التيّار” الثلث زائد واحد، سيكون أكثر حُضورًا وبروزًا في حكومة من 20 وزيرًا.
وفي حال رفع العدد الإجمالي إلى 22 وزيرًا، فإنّ المُشكلة الدرزيّة ستُحل أيضًا، لجهة تضمين الحُكومة وزيرين درزيّين، لكن الوزير المُسلم الحادي عشر لن يكون عندها لا سنيا ولا شيعيًا، بل ربما من الأقليّة العلويّة مثلاً، لمنع الإخلال بالتوازن المذهبي بين السُنة والشيعة، وهذا يعني أنّ نُفوذ الحريري في الحكومة سيضعف أكثر، حتى قبل إحتساب توزيع الحصة المسيحيّة!.
وفي حال رفع عدد الحكومة إلى 24 وزيرًا، فعندها سينال الدروز وزيرين، بالتزامن مع رفع عدد كلّ من الوزراء الشيعة والسنّة إلى خمسة وزراء لكلّ منهما. لكن بما أنّ كل طائفة ستنال عندها 12 وزيرًا، فهذا يعني أنّه عند توزيع حصّة الوزراء المسيحيّين، سيتمّ منح الموارنة خمسة وزراء، بينما ستتوزّع المقاعد السبعة الباقية على كل من الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك والأرمن. وبالتالي، سنبقى أمام نفس مُشكلة التوازنات السياسيّة، لأنّ الحريري سيحصل على وزير سنّي واحد إضافي، بينما سيحصل خُصومه على وزيرين أحدهما شيعي والآخر درزي، وهولن يستطيع الحُصول على حق تسمية الوزيرين المسيحيّين الإضافيّين اللذين سيذهبا عندها إلى كلّ من “التيّار الوطني الحُر” أو “الطاشناق”،و”تيّار المردة”!.
وحتى لو جرى الذهاب إلى خيار حكومة من 30 وزيرًا، التي توفّر بحسب التقسيمات الطائفية المُعتمدة، 6 وزراء للشيعة و6 وزراء للسنة و3 وزراء للدروز، فإنّ هذا الأمر لن يحلّ شيئًا، لأنّ فريق “الرئيس–التيّار” سينال عندها حتمًا “الثلث زائد واحد”، أي 11 وزيرًا من أصل 15 وزيرًا مسيحيًا، الأمر الذي يرفضه الحريري الذي يُصرّ على حكومة مُصغّرة، لإقفال الطريق على هذا السيناريو.
وفي الخُلاصة، العقبات الداخليّة ليست ما إذاكانت هذه الطائفة أو تلك، ستنال وزيرًا بالزائد أو بالناقص، أو إذا كان هذا المذهب سيتمثّل بهذا الحجم أو ذاك، بل هو يرتبط بمن ستكون له الكلمة الطولى على طاولة مجلس الوزراء. بمعنى آخر، من سيُقرّر ما هي الأولويّات، وما هي السياسات التي ستُعتمد، ومن سيحسمالقراراتوعمليّات التصويت على طاولة الحُكومة، ومن ستعود له السُلطة التنفيذيّة ككلّ في حال تعثّر إجراء الإنتخابات النيابيّة والرئاسيّة في موعديهما، من دون تمديد ولاية الرئيس!.
ناجي س. البستانيالنشرة