مئة سنة من العمر! فهل بلغ لبنان سن الرشد السياسي أم ما زال بحاجة لوصاية ؟… بقلم الشيخ بلال سعيد شعبان

100 سنة على إعلان دولة لبنان الكبير ولبنان لا يستطيع أن يشكل حكومة ولا أن ينتخب رئيساً دون مساعدة إقليمية أو دولية وتدخل خارجي.
جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وكأنها زيارة لإحدى مستعمراته في الشرق ” لبنان”، وهي زيارة الأب المؤدب وليس الأم الحنون التي تسعى لوصفة خلاص للأزمة اللبنانية على الطريقة الفرنسية على قاعدة “وداوني بالتي كانت هي الداء”…..
يبدو أن فرنسا اكتشفت ربما بعد ١٠٠ سنة أنها أخطأت في الخلطة الكيميائية لتركيب لبنان فدعت إلى عقد جديد …
مئة سنة من اللاإستقرار والخوف الداخلي المتبادل بين الناس لأنهم جعلوهم أطيافا مختلفين، فعشنا أهوال الحروب واللااستقرار من ثوره 1958 الى الحرب الاهلية 1975 إلى الاجتياحات الصهيونية المتتالية إلى مئات الثورات والاحتجاجات المناطقية والمحلية كل ذلك لأن المحتل الفرنسي للبنان والمنطقة أرسى نظاما غير قابل للاستمرار وبعيدا كل البعد عن العدالة الاجتماعية والشراكة الوطنية.
وكان الثابت الأوحد في سياسته أن نبقى خدماً لمشروعه الاستعماري، ندور في فلكه وسوقاً استهلاكية لمنتجاته. فجلّ حُكامنا هم بمثابة قائممقام عن المحتل، يحكم باسمه ويحقق مصالحه….
فلبنان الدولة “كارثة”، والحكومات “محاصصة”، والوظائف “محسوبيات”. وهذا طبيعي لأن المحتل الفرنسي أرادنا طوائف لا “مواطنين”. ونحن الشعوب اللبنانية… الشعب المسلم …والشعب المسيحي… والشعب السني… والشيعي… والماروني… والدرزي … والأرمني … الخ، ارتضينا ذلك التقسيم وحولناه إلى قاعدة، وسميناه دولة، وزعمنا أنه توافق. فالشعب شعوب، والدولة دول، والمحاصصة أساس، والفساد قانون، والسلب مقونن شرط أن يكون بالتساوي بين أمراء الطوائف!
ولبنان، بهذه الصفات، لا يمكنه أن يعبر بمفرده، أي استحقاق.
عبر التاريخ، كان كل استحقاق في لبنان، رئاسي أو حكومي، يحتاج إلى ولادة قيصرية تستمر لأشهر وربما سنوات. فانتخاب الرئيس في الستينات كان يتم بتوافق أو محاصصة مصرية سعودية وتوقيع أمريكي.
بعد ذلك أصبح بتوافق سوري سعودي وبختم أمريكي أوروبي.. اليوم، وبعد فشل الوكيل، عاد المستعمر الأصيل ” فرنسا” الذي ابتدع التجزئة وفرض سايكس بيكو … ليمارس مهامه في فرض مشروعه وعدم السماح بتسرب لبنان ليكون خارج معسكره.
أبشع ما في زيارة ماكرون ممارسته دور “الاستاذ” الذي يؤنب ويوبخ طلابه الذين تخلفوا عن تأدية واجباتهم الدراسية (Devoir) ثم يتوعدهم ويحدد لهم مهلة لكتابة الوظيفة التي فرضها.
تحدث ماكرون في شؤون البلد بأدق تفاصيله: فأنذر واشترط وهدد وتصرف على أساس أنه الحاكم بأمره!
ثم لا نسمع كلمة واحدة من دعاة السيادة، وكأنهم طلاب أمام أستاذ غاضب! نحن نعرف المنظومات السياسية في لبنان والمنطقة، فأغلبهم ينتمي إلى الطبقة الفاسدة … ولكننا تأكدنا اليوم أنهم بلا كرامة أيضا؟
نعم! يجلس معظم سياسيينا أمام الرئيس الفرنسي بكل انكسار، وهو يحاضر في العلاقات الإنسانية والعلاقات الشعبية والاصلاح المجتمعي، مفعماً بنشوة تجواله في بيروت المدمرة وشكايات الناس له في مشهد لم يكن ليتمكن من القيام به في بلده. لأنه لم يؤمّن الاصلاح المجتمعي فيه. ففي فرنسا، خرجت مسيرات السترات الصفراء بعشرات الآلاف إعتراضا على سياساته. فكيف سيقدم من فشل في بلده- وفاقد الشيء لا يعطيه- الحلول للبنان؟

المطلوب اليوم ان يكون هناك عقد اجتماعي جديد يحافظ على لبنان بتنوعه الديني والفكري والمذهبي ولا يبث الخوف المتبادل بين الناس. وهذا العقد الاجتماعي هو النظام الذي يقوم على تأمين الاحتياجات الانسانية، القائم على العدل، بعيداً عن الامتيازات والمحسوبيات الطائفية. يقدم الأجدر والمستحقين والمتمكنين، ولا يقدم المفسدين والطائفيين والسارقين…
دولة لبنان الكبير، التي صنعتها فرنسا وسايكس بيكو، هجّرت معظم شبابنا الذين خرجوا إلى غير رجعة. وتحول لبنان من درة الشرق الى بلد غير قابل للحياة. مؤلم أن يصبح لبنان بلداً يعيش على المُساعَدات! لا سامَحَ الله حُكَّام لُبنان! كنا أغنى البلدان بكفاياتنا .. ولكن بفسادكم، يا حكامنا، أصبَحنا أفقَر البُلدان وفقدنا حتى الكفاف.

أخيراً، المحتلّ هو المحتلّ. لم يتغيّر مع الأيام. وماكرون ابن تلك الدولة الاستعمارية، وهو صورة معدلة مزادة عمن سبقه. وكما قال الشاعر رحمه الله “والذئب ذئب وابن الذئب غدار ” ولكن … لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدوّ الغنم!
هي الطبقة السياسية التي استباحت لبنان وفتحته على المجهول. فلم تحصنه. وجرأت الدول علينا. ولو كان الرئيس الفرنسي صادقاً في كلامه وأراد فعلاً التخلي عن دور المستعمر والمحتلّ لبلدان العالم الثالث، لاعتذر عن الحقبة الاستعمارية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولقدم حرية المناضل جورج ابراهيم عبد الله المعتقل في فرنسا منذ أكثر من 36 عاما “تعسفيا” كدليل على محبته للبنان وتصحيح أدائه السياسي.
ولكن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *