تناول الكاتب البريطاني دافيد هيرست في مقالة نشرها موقع “ميدل إيست آي” أسباب وتداعيات إقالة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لابن عمّه قائد العمليات المشتركة في اليمن فهد بن تركي بن عبد العزيز.
وإذ اعتبر أن ابن سلمان “مصاب بالذعر”، رأى أن إقالة فهد تأتي ضمن سلسلة اعتقالات وإقالات بدأها ولي العهد منذ وصوله لولاية العهد في 2017.
تابع الكاتب: “بدأت الحملات باعتقال العلماء المسلمين، ثم احتجاز 300 شخص، سواء من رجال الأعمال أو أفراد العائلة الملكية في فندق ريتز كارلتون، والحملة ضد النساء الناشطات وضد المحامين المتخصصين في قضايا حقوق الإنسان، واعتقال كبار الشخصيات في هيئة البيعة وثلاثمائة من موظفي الحكومة، ثم في الأسبوع الماضي إقالة الأمير فهد بن تركي، القائد العام لقوات التحالف السعودي ونجله”.
وإذ لفت الكاتب إلى أن “عمليات التطهير أضحت سمة دائمة من سمات حكم الأمير المصاب بالذعر”، قال إن إبن سلمان “رغم السياسات الحازمة التي اتخذها إلا أنه أوصل السعودية إلى أن تكون بلدا ضعيفا اقتصاديا وعسكريا”.
وأضاف هيرست:”أضحت صناعة القرار السياسي في مهب الريح حتى أن إمام الحرم المكي عبد الرحمن السديس وعظ الناس في خطبة الجمعة بكلام فسره المراقبون على أنه تمهيد لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل””.
الكاتب رأى أن “ثمة منهجية في جنون المراسيم التي تصدر في الليل”، مرجحا أن يكون لدى ولي العهد من الأسباب ما يجعله يعتقد بأن هناك من يضمر له ضررا، حسب تعبيره.
وفي التركيز على “السديريين” ممن يخشى ابن سلمان أن يضروه، قال الكاتب:”ركز ابن سلمان اهتمامه بشكل خاص على أولئك المنافسين الذين يشكلون تهديدا حقيقيا لسلطانه فيما لو وقع انقلاب داخل القصر يستهدف الإطاحة به. والفرعان الأكثر إزعاجا بالنسبة له هم أبناء السديرية السبعة أي أبناء إخوان والده الملك سلمان الأشقاء (أبناء الملك عبد العزيز من زوجته حصة السديري) وأبناء الملك عبد الله الذين يقبع ثلاثة منهم الآن رهن الاعتقال”.
أما فهد بن تركي بحسب الكاتب فهو آخر أبناء السديرية السبعة ممن يحملون رتبة عسكرية بارزة، وتم فصله من عمله، والاثنان الآخران هما شقيق سلمان الأمير أحمد وابن أخيه محمد بن نايف وكلاهما الآن رهن الاعتقال بعدما نالتهما حملة التطهير وكانا أبرز المستهدفين بها”.
وقال الكاتب “بشكل عام لا يكاد يبقى من عشيرة السديريين سوى ظلهم، بعدما كان هذا الفرع من العائلة الملكية في عهد الملك فهد يهيمن على كل المواقع العسكرية والأمنية”.
عشيرة عبد الله بحسب الكاتب ليست أحسن حالا، إذ “يكاد تركي بن عبد الله يكون المتهم الوحيد من كبار الشخصيات التي احتجزت في فندق ريتز كارلتون الذي ما زال رهن الاعتقال بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أعوام، كما أعيد اعتقال شقيقيه فيصل ومشعل حسبما تشير بعض المصادر، وما زال تركي بن عبد الله يحتفظ ببعض النفوذ ولعل ذلك ما يفسر الحملات التي أطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بإطلاق سراحه”.
تداعيات العدوان على اليمن
ووفق هيرست، فإن “لدى محمد بن سلمان سببا آخر يجعله يخشى من فهد بن تركي، فقد كان جنديا محترفا وقائدا للقوات البرية يتمتع بالشعبية واشتهر عنه التواضع ولربما عبر عن امتعاض الجيش بسبب الطريقة التي أدار بها وزير الدفاع وهو نفسه ولي العهد الحملة الحربية ضد اليمن”.
وفي هذا السياق، قال هيرست: “بعد مرور خمسة أعوام على الحرب ما زال مشروع ولي العهد عالقا في مستنقع اليمن ويكلف المملكة مليار دولار شهريا. ما زال الحوثيون في صنعاء، وما زالوا قادرين على إطلاق الصواريخ التي بإمكانها الوصول إلى الرياض ومكة وأماكن شاسعة من الأراضي السعودية، وفي تلك الأثناء تعرض جنوب اليمن للتقسيم على أيدي قوات موالية لأبو ظبي”.
وذكّر الكاتب بما هو معروف عن اصطدام فهد بابن سلمان بسبب استيلاء الإمارات على جزيرة سوقطرة الاستراتيجية، وسقوط عدن في أيدي قوات موالية للإمارات، وأضاف: “لو كان ثمة حاجة إلى دليل يثبت أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد لديه نفوذ على وزير الدفاع السعودي أكبر بكثير مما لدى كبار الجنرالات في الجيش السعودي فلا يوجد إشارة أقوى من إقالة فهد”.
ورأى هيرست أن “حملات التطهير ترسل الرسالة الخطأ إلى المنطقة”، موضحا أن “ولي العهد يحتاج لتقديم صورة للمملكة وهي في حالة استقرار تحت سيطرته، في وقت تتعرض فيه لضغط من قبل شركائها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره ومستشاره الخاص جاريد كوشنر حتى تطبع علاقاتها مع “إسرائيل””.
وأضاف: “يريد محمد بن سلمان تجنب إعطاء انطباع بالضعف والفوضى لأنه لو سادت الفوضى فإن الصفقة التي توقعها “إسرائيل” معه وحده (علما بأنه كان قد التقى برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شخصيا عدة مرات حسب ما يكشف هيرست) لن تساوي الورق الذي كتبت عليه لأنها لن تكون قد حازت على مباركة بقية العشيرة الملكية”.
وأضاف هيرست أنه: “لا بد أن نتنياهو يعلم أنه فيما لو تم إسقاط محمد بن سلمان فسوف تسقط معه جميع جهود “إسرائيل” لكسب المملكة إلى صفها بشأن القضية الفلسطينية، وستعود السياسة السعودية تجاه “إسرائيل” إلى الوضع القائم القديم الملتزم بمبادرة السلام العربية لعام 2002 التي كانت منتجا سعوديا وإنجازا للملك عبد الله بدأ به حينما كان وليا للعهد”.
وتابع هيرست إنه “لا يوجد فرق كبير بين أن يمثل فهد بالفعل تهديدا حقيقيا، أو أن يكون الجنرال مجرد ضحية لهجمة أخرى من هجمات الذعر الليلية لولي العهد. المهم في الأمر أن ما فعله ولي العهد يرسل إشارة تنبئ بانعدام الأمن الدائم على أعلى المستويات داخل العائلة الملكية.
وختم الكاتب: “انعدام الأمن الدائم يعكسه سلوك محمد بن سلمان ذاته، إذ يعمل طوال الليل، يمكر ويرتاب ويضرب، دون أدنى مراعاة للعواقب المحتملة، ليس باستطاعته النوم بسلام وتلك هي مشكلته أما مشكلة المملكة فهي أنها لن تعرف الاستقرار في عهده”.