سراء جمال الشهاري
بدت واضحةً محاولات النظام السعودي تحسين صورته المشوهة بسفك دماء اليمنيين عندما استضاف مؤتمر المانحين لهذا العام مطلع الشهر الجاري.
تتأرجح السعودية اليوم بين مواقف متناقضة، فقد تعهدت في المؤتمر بتقديم منحة بقيمة 500 مليون دولار للشعب اليمني، بينما دفعت ما يزيد عن ثلاثة أضعاف المنحة في صفقة سلاح أمريكية – سعودية في مايو المنصرم. سلاحٌ لم تستخدمه السعودية إلا على أطفال اليمن ونسائه، ودمرت عبره كل مقومات حياة المواطن اليمني. وما جريمة استهداف منطقة بيت عذران السكنية بصنعاء بعد منتصف الليلٍ بغارةٍ أيقظت سكان تلك الأحياء على نزيف دم طفلين ووالدهما، ودمار منزلهم، إلا شاهدٌ على بشاعة ما يرتكبه العدوان الأمريكي السعودي يوميًا بحق اليمن وأهله.
ولتتعاظم مأساة شعبٍ اجتمعت عليه ظلامية العدوان الأمريكي السعودي، وتواطؤٌ أممي فاضح، وتفشي وباء ضاقت به الدول الكبرى ذرعًا، قطعت الأمم المتحدة المشتقات النفطية عن اليمن بعد أسبوعٍ واحدٍ من مؤتمر المانحين.
رئيس دائرة التعاون الدولي للمجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الانسانية والتعاون الدولي في اليمن الأستاذ مانع العسل يؤكد أن “ما رأيناه في مؤتمر المانحين المنعقد بالرياض هو سقوط أممي بمواقف مخجلة، فقد رأينا المسؤولين الأمميين يتحدثون عن أسوأ أزمة إنسانية وعن ملايين المتضررين وعن أطفال يعانون من سوء التغذية وسوء التغذية الحاد، إلا أنهم لم يشيروا إلى الفاعل والمتسبب بهذه الأزمة والجرائم، بل شاهد الشعب اليمني مسؤولي الأمم المتحدة يشكرون قاتلهم مما خيب الآمال”.
ويشير العسل في حوار خاص مع موقع “العهد” الاخباري الى أن “مؤتمر المانحين في الرياض فشل فشلاً ذريعًا، فالشعب اليمني الذي قُتِلَ أطفاله ونساؤه والأبرياء فيه، قد أصبح أوعى من ذي قبل ولم تعد تنطلي عليه حيل ومكائد المعتدين على سيادة بلاده، ومن دمروا بنيته التحتية في شتى المجالات وحاربوه في لقمة عيشه بهدف تركيعه، كما فشل المؤتمر في جلب الحد الأدنى من المساعدات مقارنةً بالأعوام الماضية ومقارنةً بما حددت الأمم المتحدة من احتياج”.
الأمم المتحدة تعلن اغلاق غالبية مشاريع الاغاثة في اليمن
تحدث المسؤولون الأمميون في مؤتمر المانحين أن اليمن في سباق مع الزمن لمنع كارثة انسانية كبرى، وأوضحوا أن النظام الصحي في حالة انهيار وأن 24 مليون انسانٍ في اليمن في أمس الحاجة إلى مساعدةٍ لانقاذ أرواحهم، كما أن مليون طفلٍ يمني يعانون من سوء التغذية الحاد الذي قد يعيق نموهم ويؤثر عليهم طوال حياتهم.
وقبيل انعقاد مؤتمر المانحين بعشرين يومًا أعلنت الأمم المتحدة إغلاق ثلثي البرامج الإغاثية في اليمن، بحجة توقف التمويل.
يعلّق العسل في هذا الاطار بالقول إن “الإدارة الأمريكية أعلنت وروجت وصرحت منذ وقت مبكر أنها ستخفض المساعدات الإنسانية لليمن، وبالفعل كثيرٌ من المساعدات انخفضت فعلاً، وأعلنت الأمم المتحدة أنه من بين 41 برنامجًا رئيسيًا للأمم المتحدة في اليمن سيتم اغلاق 30 برنامجًا في الأسابيع القليلة المقبلة، في الوقت الذي يجب أن تزيد فيه المساعدات الانسانية نظرًا لاستنفار العالم لمواجهة جائحة كورونا، ومعروفٌ أن من أهم الإجراءات الاحترازية لمواجهة الوباء هو المكوث في المنزل، مما يتطلب زيادة كمية السلال الغذائية للمواطنين. لكن الذي حصل هو العكس، فمنذ شهر ابريل خفَّض برنامج الغذاء العالمي النصف من المساعدات التي يقدمها، كما تم تعليق صرف حوافز عشرة آلاف عاملٍ صحي، بعد أسبوعٍ واحد من اعلان أول حالة إصابة بفيروس كورونا في اليمن”.
وبشأن جائحة كورونا، والتي كانت العنوان الأبرز لاستدرار الأموال في المؤتمر يقول العسل: “لقد سئم الشعب اليمني وشعوب العالم من ترديد السعودية ودول العدوان في هكذا مؤتمرات أنها تقدم مبالغ بأرقام فلكية، ويدّعون أنهم يقدمونها مساعدة للشعب اليمني، في الوقت الذي لا نلمس لها فيه أي أثر إيجابي في تخفيف الأزمة الانسانية، وإنما تتفاقم الأزمة من سنة إلى أخرى وتزداد سوءًا، وبالتالي فقد وجدوا في جائحة كورونا مادة دسمة لاستعطاف بقية المانحين باستجلاب أموال باسم مساعدات للشعب اليمني، والتي أغلبها تذهب للأسف الشديد نفقات تشغيلية وأجورًا لصالح المنظمات”.
ويتساءل العسل: “ما هي الأسس والمرجعيات التي بموجبها تم تحديد الاحتياج بأقل من السنوات الماضية على الرغم من تفاقم الأزمة وحدوث جائحة كورونا التي يفترض أنها تزيد من الاحتياج؟”.
المساعدات الأممية انسانية أم سياسية؟
يوضح العسل أن المساعدات الأممية لطالما ترافقت مع املاءات وشروط تمس كرامة وسيادة الشعب اليمني “لقد عانينا طوال الفترات الماضية من محاولاتِ تعديل المشاريع التي تصل من هذه المنح بالشكل الذي يتوافق مع أولويات الاحتياج ودينِ وثقافة المجتمع، سعيًا منا لتخفيف معاناة
الشعب اليمني وللحد من الضرر الذي لحق به جراء العدوان والحصار. إلا أننا نواجه دائمًا بموانع كبيرة توضع أمامنا وهي مطالبة المنظمات الأممية بالخضوع لشروط المانحين، وبالذات المانحين الذين هم من ضمن تحالف العدوان الذين غالبًا ما تهدف شروطهم إلى تحقيق أهداف سياسية، بعيدًا عن الجوانب الانسانية ودون مراعاة لمعاناة المتضررين، مما يعني أن هذه المساعدات وإن وصلت عبر المنظمات الأممية فإنها لا تتمتع بالاستقلالية، وهذا لقصور في أداء الأمم المتحدة في اليمن التي تَقبَلُ وضع مثل هذه الشروط”.
ويضيف العسل “من يحدد صرف المنح هم دول التحالف والمنظمات الأممية، لذلك لا نرى أي نتائج ايجابية أو ثمرة لتلك المشاريع، ما يحدث في مديرية الدريهمي مثالٌ لتلك المشاريع، فهذه المديرية والتي تعاني من حصار خانق اضطر بعض سكانها إلى أكل أوراق الشجر، هؤلاء يفترض أن الأولوية عندهم لمشاريع الغذاء والماء والدواء والمأوى، ولكن من الغريب المستنكر أن تقدم المنظمات لهم مشاريع تعليم الكوافير أو الحناء أو البخور أو أنشطة ما يسمى بالدعم النفسي أو أنشطة تدريبية أخرى. ولذلك نجد مشاريع وأنشطة لا تنطبق مع احتياجات المجتمع المستهدف، ومثلما أشرت سابقًا فإن شروط المانح بالنسبة للمنظمات الأممية والدولية تكون أولوية”.
ويستنكر العسل عدم شفافية الأمم المتحدة في تحديد حجم المبالغ الحقيقية التي تصل لليمن، مؤكدًا في حديثه لموقع “العهد” الاخباري أن “الأمم المتحدة لا تتسم بالشفافية في ذلك، لأنها تعي أنها لو تعاملت بشفافية في هذا الموضوع، فسيُصدم المجتمع اليمني والدولي من حجم المساعدات الحقيقي الذي يصل لليمنيين مقارنةً بما يهدر من هذه الأموال”.
وفي ختام الحوار، يدعو العسل الأمم المتحدة والمانحين: “أن لا تكون المنح مشروطة، وأن تكون وفقًا لمعايير إنسانية تهدف إلى انقاذ الأرواح بعيدًا عن تسييس العمل الانساني، وأن تكون المبالغ التي ستصل المتضررين واضحة للجميع”.
وتبقى نتائج مؤتمر المانحين كما يشير العسل: “المبالغ التي تعهد بها المانحون ما تزال في اطار التعهدات، ولم يفِ المانحون بها حتى اللحظة، لنستطيع أن نحدد أنها مساعدات إنسانية أم مساعدات سياسية”.
يعدّ الشعب اليمني مؤتمر المانحين جريمة مغطاة بعنوان الانسانية لا تقل وحشية عن جرائم النار والبارود، هي منهجية واحدة لاركاع شعبٍ لم يخضع لسطوة الحرب، فأرادوا اخضاعه باغاثات المَذلة.