لا تزال ارتدادات مقتل المواطن من أصل إفريقي جورج فلويد على يد شرطي أمريكي محطّ متابعة في الصحف العالمية ولا سيّما الصادرة في الولايات المتحدة. الكاتب في صحيفة واشنطن بوست” سيرجيو بيكانا رأى أن أصحاب البشرة السمراء يواجهون صعوبات أكثر بكثير من أصحاب البشرة البيضاء وفق الإحصائيات.
وبحسب الكاتب، تبدأ الصعوبات التي يواجهها الأمريكيون من أصول إفريقية قبل الولادة.. نسب الوفيات لدى الرضع من هؤلاء هي ضعف نسبة وفيات هذه الفئة لدى الأميركيين من ذوي البشرة البيضاء.
ولفت إلى أن النساء الأميركيات صاحبات البشرة السمراء أكثر عرضة بكثير لعدم تلقي العناية في فترة ما قبل الولادة، ونسبة الوفيات المرتبطة بالحمل عند هؤلاء هي ثلاثة أضعاف نسبة النساء صاحبات البشرة البيضاء.
ونبّه الكاتب الى أن الأميركيين من أصول إفريقية يعانون من نسب عالية في المشاكل الصحية مثل الضغط المرتفع وداء السكري والربو وأمراض القلب مقارنة مع أصحاب البشرة البيضاء، متحدّثًا عن أن الأبحاث تفيد بأن ظروف مكان العمل والتعلم هي عوامل أساسية في الوضع الصحي، وأن العنصرية أيضا يمكن أن تؤثر سلبا على هذا الوضع.
وأضاف أن نسبة الأطفال من أصحاب البشرة السمراء الذين يعيشون تحت خط الفقر تفوق نسبة الأطفال أصحاب البشرة البيضاء بثلاثة أضعاف تقريبا، لافتا إلى أن البطالة هي مشكلة إضافية يعاني منها بشكل أكبر أصحاب البشرة السوداء.
الكاتب تناول دراسات تفيد بأن المدارس في أحياء أصحاب البشرة البيضاء تلقت تمويلا أكثر بكثير من المدارس التي هي “لغير هؤلاء وذلك خلال العام الدراسي 2015-2016، وتابع الأطفال أصحاب البشرة السمراء هم أكثر عرضة للاعتقال، مشيرا إلى أن نسبة المسجونين بين “السود” تفوق نسبة المسجونين لدى فئة البيض بأكثر من خمسة أضعاف، كما قال إن أصحاب البشرة الداكنة يشكلون نسبة ثلث المسجونين في أميركا على الرغم من أنهم يشكلون نسبة 12 بالمئة فقط من المجتمع الأميركي.
أما بالنسبة للقتل على أيدي الشرطة، فلفت الكاتب إلى أن نسبة الأميركيين من أصحاب البشرة السمراء الذين يقتلون على أيدي الشرطة هي أكثر من ضعف النسبة لدى أصحاب البشرة البيضاء.
وبرأي الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست”، الأرقام تفيد بأن ثمة أميركتين، واحدة لأصحاب البشرة السمراء، وأخرى لأصحاب البشرة البيضاء.
الحكومة الأميركية أكبر مزوّد للعنف في العالم اليوم
بموازاة ذلك، رأى المؤرخ الأميركي المعروف آندرو باسيفيتش في مقالة نشرها موقع توم ديسباتش أن التظاهرات المنددة بالعنصرية في الولايات المتحدة بعد مقتل جورج فلويد ليست كافية أبدا لمعالجة الوضع، فهناك مشكلتان على الأقل لا تقلان خطورة عن العنصرية الأولى الماديات والثانية النزعة العسكرية.
وفي معرض حديثه، استشهد الكاتب بخطبة كان قد ألقاها الزعيم السياسي الأمريكي الراحل (من أصول إفريقية) مارتن لوثر كينغ في إحدى الكنائس في مدينة نيويورك في شهر نيسان/أبريل عام 1967.
ولفت الكاتب إلى أن خطبة كينغ لم تقتصر على موضوع العنصرية، إذ ركز على حرب فيتنام التي وصفها بالحرب المجنونة.
وأشار الكاتب إلى أن كينغ دعا في خطبته تلك إلى “ثورة قيم” في الولايات المتحدة تحوّل البلد من مجتمع يرتكز على المادية إلى مجتمع يرتكز على الإنسان، كما أكد حينها أن هكذا “ثورة” هي السبيل الوحيد للتغلب على ثلاثية العنصرية والمادية والنزعة العسكرية.
واعتبر الكاتب أن كلام كينغ في تلك المرحلة ينطبق على الوضع القائم اليوم، مشيرا إلى أن المتظاهرين والصحفيين في الولايات المتحدة يعبّرون عن عزمهم القضاء على العنصرية في حين يتجاهلون عموما مشكلتي الماديات والنزعة العسكرية.
كما استغرب الكاتب عدم المطالبة بتقليص تمويل الجيش الأميركي كما يطالَب بتقليص تمويل الشرطة الأميركية، واستغرب كذلك كيف أن المتظاهرين لم ينزلوا إلى الشارع للاحتجاج على الحروب التي شنتها الولايات المتحدة عقب هجمات الحادي عشر من أيلول بالزخم نفسه الذي نزلوا به رفضا للعنصرية بعد مقتل فلويد.
وفي حين قال الكاتب إن موضوع العنصرية قد يلعب دورا كبيرا في تحديد الفائز في الإنتخابات الرئاسية الأميركية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر القادم، شدد على أن النزعة العسكرية وميزانية “البنتاغون” وانتشار القواعد العسكرية الأميركية حول العالم لن تشكل ملفات أساسية في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبالتالي لن يُمسّ بالنزعة العسكرية.
كما أشار الكاتب إلى وصف كينغ الحكومة الأميركية بأنها “أكبر مزوّد للعنف في العالم اليوم”، وشدد على أن هذا التوصيف لا يزال ينطبق على الحكومة الأميركية حتى يومنا هذا.
وفي الختام، قال الكاتب إن الولايات المتحدة ليست دولة الفلاسفة أو الشعراء أو الحرفيين، بل هي اليوم دولة المستهلكين، وذلك انسجاما مع كلام كينغ حول الماديات، كما أضاف أن سمة الولايات المتحدة وأكبر مساهماتها في التاريخ الحديث هو الماديات، وليس الالتزام بالحرية أو الديمقراطية.