قالت صحيفة “إندبندنت” في تحقيق عن المرتزقة في ليبيا أعدته بيل ترو ورجائي برهان إن ليبيا تحولت بحسب دبلوماسي غربي “إلى سوريا جديدة ولكن هذه المرة على أبواب أوروبا”. وأشار التقرير إلى الطريقة التي انهارت فيها قوات أمير الحرب خليفة حفتر وتراجعت عن حصار طرابلس.
وجاء في التقرير أن مقاتلي حكومة الوفاق الوطني كانوا يخشون من دقة القناصة التابعين لشركة المرتزقة الروسية “فاغنر” المقربة من الكرملين. وقالت إن مجموعة من المقاتلين التابعين لقوات الحكومة كانوا يخططون للهرب عندما طلب منهم الزحف نحو ترهونة خشية أن يواجهوا مرتزقة فاغنر. وتحولت ترهونة إلى قاعدة إمدادات لقوات حفتر في جنوب طرابلس إلا أن صور المرتزقة الروس وهو ينسحبون أدت إلى انهيار حملة حفتر في غرب ليبيا مما قاد إلى نهاية حربه في الغرب الليبي وتكهنات حول صفقة بين روسيا وتركيا لتجنب مواجهة دموية في ليبيا كما في سوريا.
وكانت ترهونة مفتاح هزيمة حفتر فلو استعادتها قوات الحكومة فسيخسر آخر قاعدة له في الغرب. ونقلت الصحيفة عن مقاتل في قوات الحكومة أنه ومجموعة من زملائه كانوا يخططون للهرب: “كنا خائفين من الروس ودقة تصويبهم” و”كان هدفنا البقاء على قيد الحياة”. ولكنهم عندما وصلوا ترهونة وجدوا أن المرتزقة قد رحلوا و”كانت هذه بداية انهيار بيت الورق لحفتر” كما قال مسؤول في حكومة الوفاق الوطني. وأضاف أن سقوط المدينة كان السبب الرئيسي لانسحاب قوات حفتر من أماكن أخرى.
وينفي “الجيش الوطني الليبي” وهو اسم قوات حفتر وجود قوات أجنبية في صفوفه. وقال قادة إنها مجرد “دعاية من الإرهابيين”، رغم تحقيق قامت به الأمم المتحدة وكشف عن وجود حوالي 1.200 من المرتزقة الروس تابعين لشركة التعهدات الأمنية فاغنر لمساعدة حفتر ضد قوات حكومة الوفاق الوطني. ولا يعرف سبب انسحاب المرتزقة. وقال مقاتل سوري: “في ضوء أثرهم على معنويات جنود حفتر، فقد جعلنا الانسحاب نشعر أن هناك صفقة”، و”كل المقاومة التي واجهتنا على الجبهات اختفت”. وكانت محاولة حفتر الكارثية السيطرة على طرابلس صورة عن الدور الذي لعب فيه المرتزقة دورا في الهزائم والانتصارات في الفصل الأخير من الحرب الأهلية في ليبيا. وقام الرعاة الأثرياء بنشر المرتزقة في الحرب التي كانت مجرد مناوشات بين فصائل مسلحة، وتحولت إلى حرب بالوكالة.
وفي التحقيق الذي أجرته الصحيفة على مدار شهر قالت إن عمليات تجنيد المرتزقة تمتد من موسكو إلى دمشق وإدلب وإسطنبول.
وكشفت اللقاءات مع دبلوماسيين عن الحاجة التي تدفع السوريين من جانبي الحرب في بلادهم للقتال في ليبيا، وباتوا يقاتلون بعضهم البعض ولكن في حرب ليست حربهم. وتشير الصحيفة إلى بداية المحاولة الكارثية لحفتر في نيسان/إبريل 2019 حيث كانت الأمم المتحدة تحضر لمؤتمر تجمع فيه الأطراف بمدينة غدامس الصحراوية لكنه بدلا من الجلوس على طاولة المحادثات أرسل مقاتليه المدعومين من الروس والطيران الإماراتي للسيطرة على طرابلس باسم مكافحة الإسلاميين والإرهابيين. ولكن الحرب في ليبيا تحولت إلى نزاعات متعددة وصار من الصعب معرفة طبيعة وعدد المقاتلين الأجانب، في وقت حذرت فيه مبعوثة الأمم المتحدة الشهر الماضي مجلس الأمن من “تدفق ضخم للسلاح والمعدات والمرتزقة” إلى ليبيا، كل هذا رغم حظر تصدير السلاح إلى هذا البلد.
وبالنسبة لشركات مثل فاغنر فإن ليبيا أصبحت مصدرا للمال بدون حدود. وبدأ حفتر الحرب قويا من خلال الطائرات المسيرة الصينية الصنع “وينغ لونغ 2” والمقاتلات العسكرية وأنظمة الصواريخ الروسية بانتسير التي يعتقد دبلوماسيون أن الإمارات وفرتها له. وساعده على الأرض مرتزقة روس و2000 سوري تم تجنيدهم من مناطق الحكومة وألف مرتزق من السودان. إلا أن ميزان الحرب انقلب بدخول تركيا الحرب ومصادقة البرلمان التركي على الدعم العسكري لحكومة الوفاق التي يترأسها فائز السراج. وقال أوديد بيروكوفيتز، من “ماكس سكيورتي”: “واحد من الأشياء التي فعلتها تركيا بتدخلها الرسمي هو تحديث الأسلحة، وكانوا كمن سرع الجيل الثاني في ليبيا”. فقد أرسلت بالإضافة لأعداد من قواتها طائرتها المسيرة بيرقدار تي بي 2 ونظام كوركت الدفاعي الجوي وثلاث فرقاطات، حيث خلقت سياجا جويا لحماية العاصمة ومصراتة. وقامت أنقرة في الوقت نفسه بتجنيد 3.000 سوري من المناطق التي تديرها والجماعات التابعة لها في شمال- غرب سوريا. وتقول الصحيفة نقلا عن مقاتلين إن الرقم قد يكون أعلى بسبب زيادة التجنيد في الأشهر الماضية. ولم يكن انتشار فيروس كورونا عائقا في نشر وتدفق المقاتلين، وقالت مصادر على الحدود السورية- التركية إن المئات من المقاتلين السوريين اجتازوا الحدود التركية استعدادا للانتشار في ليبيا.
أرسلت تركيا بالإضافة لأعداد من قواتها طائرتها المسيرة بيرقدار تي بي 2 ونظام كوركت الدفاعي الجوي وثلاث فرقاطات، حيث خلقت سياجا جويا لحماية العاصمة ومصراتة
وعلى جانب حفتر تأكدت الصحيفة من زيادة عدد المرتزقة الذين تم تجنيدهم من مناطق النظام حتى منتصف حزيران/يونيو. ونقلت الصحيفة عن سكان في الجنوب الليبي رؤيتهم لمرتزقة سودانيين على شاحنات صغيرة مروا من مرزوق في طريقهم للجبهات مع حفتر. وقال رجل اسمه محمد: “هناك حركة منتظمة لأن الحدود شبه مفتوحة تقريبا ونشاهد سيارة أو سيارتين تعبران الحدود أسبوعيا”.
وقالت الصحيفة إن بعض المقاتلين السوريين وافقوا على الذهاب إلى ليبيا إما لأن المال جيد أو لأنها فرصة للهروب إلى أوروبا. وتنقل عن شخص اسمه محمد تقول إنه انضم إلى الجيش الوطني السوري وتم تجنيده للحرب في ليبيا مشيرا إلى أن تصرفات بعض السوريين لم تعجب الفرق التي كانوا يقاتلون فيها. وقال أبو محمد: “هنا في ليبيا يعاملوننا وكأننا كيس مال ويكرهونا ونريد العودة لبلادنا”.
وتقول إن بعض الفرق استفادت ماليا من ليبيا مثل كتيبة السلطان مراد التي أرسلت مقاتلين لها لفترات إلى ليبيا حيث وعد المقاتل بـ 2000 دولار شهريا. وعادة ما تأخذ الرحلة من شمال سوريا إلى ليبيا أسبوعا حيث يجتاز المقاتلون كلس إلى غازي عينتاب ومنها إلى إسطنبول وليبيا. ويقول مقاتل مع قوات الحكومة إن السوريين الذين جاءوا شعروا بالخيبة ولم تعجبهم الأموال التي تلقوها. وقال عمر إن 200 دولار اقتطعت من راتبه الشهري لكتيبته “والوضع في ليبيا مثل سوريا نقاتل بدون خطة”. وقال إن بعض السوريين كانوا في حالة نفسية سيئة وأرادوا العودة إلى بلادهم وإلا فعلوا ما لا تحمد عقباه. ويقول دبلوماسي إن التذمر وصل إلى سوريا حيث قلت رغبة المقاتلين الذين تحمسوا للقتال في ليبيا، خاصة أن حكومة الوفاق وعدت بـ 9000 مقاتل. ورغم مصاعب التجنيد إلا أن حفتر اكتشف خسارته للحرب، خاصة أن قوات الوفاق كانت تستعيد مدنا ومناطق.
ومن هنا بدأ داعمو حفتر يبحثون عن مقاتلين في سوريا. وافتتحت الإدارة في منطقة شرق ليبيا سفارة في دمشق حيث أعلنت عن عزمها مواجهة تركيا بدعم من بشار الأسد. وفي الوقت الذي كانت فيه جهود التجنيد بالشمال على قدم وساق أرسل الكرملين أشخاصا يعملون في شركات تعهد أمني إلى درعا ودوما والسويداء وإقناع المقاتلين بالدفاع عن حفتر. ويعتقد محققو الأمم المتحدة أن 33 رحلة لشركة طيران شام وصلت من دمشق إلى بنغازي في الفترة ما بين 1 كانون الثاني/يناير – 10 آذار/مارس تحمل مقاتلين سوريين. وكشف نفس التحقيق أن رجالا روس أرسلوا بداية هذا العام إلى دوما وعرضوا 800 دولار شهريا لكل مقاتل مع وعود بالزيادة إلى ألف دولار ثم انتقلوا إلى جيوب في السويداء التي تعيش فيها طائفة درزية ثم حرفوا نظرهم إلى درعا قريبا من الحدود مع الأردن، حيث استهدفوا مقاتلين سابقين.
وكان من السهل إقناعهم حيث كان المقاتل منهم يحصل على 30 دولارا في الشهر، وكانوا يتعرضون لمضايقات النظام وأجهزته الأمنية التي كانت تضع قيودا على حركتهم. وقال الناشط عمران مسالمة من درعا إن رجال فاغنر لم يعدوا بـ 1.200 لكل مقاتل ولكن وقف المضايقات. و”قيل لهم إن المهمة هي تأمين حقول النفط ومنشآت الروس ولو وافقوا فستتوقف المضايقات”. و”عندما وصلوا معسكرات التدريب في حمص قيل إنهم سيقاتلون حفتر في طرابلس وعاد معظمهم إلى قراهم”. وتمت محاولة أخرى لجلب مقاتلين في نيسان/إبريل بالقنيطرة.
وقالت الزابيث تورسكوف من معهد أبحاث السياسة إن من قبل المشاركة جاء لأن عائلته جائعة و”لم يكن أمامهم خيار”. وتواصلت محاولات التجنيد في جنوب حماة ودير الزور وحمص حتى بعد خسارة حفتر قاعدة الوطية في حزيران/يونيو ونظاما دفاعيا جويا قيمته بالملايين. وقالت مصادر إن الروس وجدوا صعوبة في إقناع أحد في جنوب حماة، وأشاروا إلى 11 رحلة جوية لطيران شام من القاعدة الجوية الروسية في اللاذقية إلى شرق ليبيا. وأشارت الصحيفة إلى أن الخلافات ظلت مستمرة في القواعد العسكرية التابعة لحفتر الذي لم يكن يستمع للنصيحة خاصة من المستشارين الأجانب. وقال مسؤول إن الجنرال وطاقمه لم يكونوا يعرفون بقواعد الحرب الحديثة. ولهذا السبب زادت الخلافات مع مرتزقة فاغنر.
يفغيني بريغوجين (طباخ بوتين) ومالك فاغنر هو من يمول المرتزقة. واتهم أردوغان أبو ظبي بتمويل العملية. واتهم محققو الأمم المتحدة الإمارات بتوفير الدعم المادي لحفتر
ظهر المرتزقة الروس في ليبيا أول مرة عام 2018 حيث كانوا يصلحون العربات. ومعظمهم فاغنر التي يطلق عليها “بلاكووتر روسيا”. ويقول نيل هور إن فاغنر هو اسم جامع يشير لعدد من الشركات الأمنية الخاصة والتي ظهرت في السنوات الأخيرة ولها علاقات مع وزارة الدفاع الروسية. وظهرت فاغنر عام 2014 أثناء الحرب في أوكرانيا ثم نشر مقاتلوها في سوريا. وتعرضت لضربة في شباط/فبراير 2018 عندما دخلت في معركة مع الجنود الأمريكيين في شرق سوريا وقتل عدد من مقاتليها. ويقول محققو الأمم المتحدة إن هناك عددا من الشركات الصغيرة مثل فاغنر تعمل في ليبيا. وتقول الصحيفة إن المرتزقة الروس ظهروا أولا في غرب ليبيا في أيلول/سبتمبر 2019 وهناك إمكانية لنشر قوات روسية مع حفتر للعب دور استشاري. ووجد تحقيق لبي بي سي أن أول مرتزق روسي مات في ليبيا كان رجلا عمره 27 عاما حيث دفن في بلدته تحت حراسة عسكرية وذلك في شباط/فبراير من هذا العام. ونفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاتهامات بأن بلاده تؤجج الحرب في ليبيا. وقال ردا على سؤال إن فاغنر لا تمثل روسيا لو كانت تعمل في الحقيقة مع حفتر.
والسؤال الكبير هو من يدفع رواتب المرتزقة الروس، حيث قدر تحقيق للأمم المتحدة أن رواتب المرتزقة لثلاثة أشهر تصل إلى 175 مليون دولار. وهناك من يقول إن يفغيني بريغوجين (طباخ بوتين) ومالك فاغنر هو من يمول المرتزقة. أما الرئيس أردوغان فقد اتهم أبو ظبي بتمويل العملية. واتهم محققو الأمم المتحدة الإمارات بتوفير الدعم المادي لحفتر. وقالت لجنة خبراء عام 2017 إن الإمارات أرسلت طائرات مسيرة وعربات مصفحة ومروحيات عسكرية. ونفت أبو ظبي العلاقة مع حفتر وقالت إنها تدعم حلا سياسيا للأزمة الليبية. ولكنها تورطت العام الماضي في محاولة فاشلة لتجنيد مرتزقة غربيين لدعم حفتر. وقال تحقيق للأمم المتحدة إن الجنرال دفع أموالا طائلة لفريق مكون من 20 مرتزقا ومبلغا يصل إلى 120.000 دولار لكل مرتزق لبناء قوة هجوم بحرية تهدف إلى منع وصول شحنات السلاح التركية إلى طرابلس. ووصل الفريق العام الماضي ثم فروا بالقارب إلى مالطة. وتنفي شركتان في الإمارات جندتهم أي دور بالعملية الفاشلة. وتشير الصحيفة إلى ما توصل إليه الداعمون لحفتر وهي أن السيطرة على طرابلس ليست بالأمر السهل و”وضع مزيج من المتعهدين الأمنيين لن يقود حفتر إلى النصر” كما يقول المحلل الأمني هوير.