بغضّ النظر عن كل ما قيل ويُقال بشٍأن خلفيّات تصريحات السفيرة الأميركيّة الجديدة لدى بيروت، دوروثي شيا، القاسية بشأن “حزب الله”، وكذلك بشأن قرار قاضي الأمور المُستعجلة، محمد مازح، بمنعها من التصريح وبمنع وسائل الإعلام من إستصراحها، فإنّ هذا الكباش لا يخرج عن قرارات بالغة الأهمّية إتخذتها واشنطن وتعمل على تنفيذها بغير هوادة، وعن قرارات مُقابلة إتخذها “حزب الله” لمُواجهتها ولمُحاولة التفلّت منها. فما هي هذه القرارات؟.
بالنسبة إلى القرارات ضُدّ “حزب الله” والتي تعمل الإدارة الأميركيّة، بكامل فروعها وهيئاتها على تنفيذها، فأبرزها:
أوّلاً: إخراج مُمثّلي “حزب الله” من السُلطة التنفيذيّة، والسعي لإضعاف نُفوذه في الدولة اللبنانيّة ككلّ، وهذه المُحاولة تمّت في الماضي القريب عشيّة تشكيل حُكومة الدُكتور حسّان دياب، وهي ستتكرّر بضغط أكبر، عند إستبدال هذه الأخيرة في المُستقبل.
ثانيًا: العمل على تغيير قواعد اللعبة في الجنوب اللبناني، من خلال السعي لتعديل مهمّات القوات الدولية العاملة في لبنان، بحيث تُصبح أكثر فعّاليّة وجدّية في تنفيذ القرار 1701 وغيره من القرارات.
ثالثًا: ربط المُساعدات الدَولية للبنان بسلسلة من الشروط السياسيّة، وبمطالب إصلاحات تؤثّر ميدانيًا على “الحزب”، منها مثلاً إغلاق تام للمعابر غير الشرعيّة على الحُدود مع سوريا، ومنها وقف التهريب على أنواعه عبر مُختلف المعابر الجويّة والبحريّة والبرّية.
رابعًا: تطبيق سياسة مُتشدّدة تهدف إلى خنق “حزب الله” ماليًا، عبر توسيع الجهات المُتضرّرة من”قانون قيصر” في سوريا والذي يستهدف في جزء منه “الحزب”، وكذلك عبرتوسيع دائرةالمُلاحقات التي تطال رجال الأعمال والمُتموّلين اللبنانيّين في الخارج الذين يُحوّلون أموالًا ويُقدّمون مساعدات لمؤسّسات تابعة لمحور “المُقاومة والمُمانعة”.
خامسًا: تغيير واضح في اللهجة الدبلوماسيّة الأميركيّة، حيث أنّ سفيرة واشنطن الجديدة لدى بيروت، تعتمد سياسة إعلاميّة هُجومية ومن دون قفازات بوجه “الحزب”، وتُحمّله مسؤولية ما وصلت إليه الأمور في لبنان من إنهيار، وتُحاول إثارة النقمة الشعبيّة عليه، إلخ. ويبدو أنّ هذه السياسة ستستمرّ في المرحلة المُقبلة، بقرار مركزي، وليس بسبب إختلاف في شخصيّة وطباع رئيسة البعثة الدبلوماسيّة في لبنان.
في المُقابل، يجهد “حزب الله” لمُواجهة التصعيد الأميركي بوجهه، عبر التصدّي لكل ملفّ على حدة، وعبر السعي للإلتفاف على الضُغوط المُتصاعدة. وفي هذا السياق، أبرز القرارات التي يعمل “الحزب” على تنفيذها من جهته:
أوّلاً: يتمسّك “حزب الله” بالمُشاركة في السُلطة التنفيذيّة، علمًا أنّه لا تغيير حُكومي على أجندة “الحزب” حاليًا، لكن حتى لو أدّت الظروف والتطوّرات إلى تغيير الحُكومة الحالية، تحت وقع الأزمة المعيشيّة والحياتيّة المُستفحلة، فإنّه لن يخرج من أيّ حُكومة مُقبلة، وهو سيتمثّل إمّا مُباشرة أو بشكل غير مُباشر–كما هي الحال حاليًا.
ثانيًا: يرفض “الحزب” أيّ تعديل لمهمّات القوّات الدَوليّة العاملة في الجنوب، وهو يعمل على التجديد لهذه القوّات وفق الإتفاقات السابقة دون أيّ تغيير. كما أنّه جاهز عبر “الأهالي” لمنع هذه القوّات من القيام بعمليّات دهم وتفتيش لا يُوافق عليها، أو تُعرّض بنيته العسكريّة واللوجستيّة للإنكشاف.
ثالثًا: يترك “الحزب” هامش حركة للحكومة للتفاوض مع المُجتمع الدَولي، ولا يُمانع ضبط بعض عمليّات التهريب الهامشيّة، لكنّه يرفض كليًا أيّ تغيير بالوقائع القائمة منذ عُقود، لجهة السماح له بالتنقل من لبنان وإليه، وبتمرير الأسلحة والذخائر والدعم اللوجستي على أنواعه.
رابعًا: يُركّز “حزب الله” في إعتراضات المُتظاهرين المَحسوبين عليه، على حاكم مصرف لبنان وعلى المصارف.من جهة أخرى، لم يتردّد أمين عام “الحزب” السيّد حسن نصر الله في الحثّ علنًا على مُواجهة “قانون قيصر” وارتداداته. ولا يتأخّر “الحزب” في الدفاع عن رجال الأعمال والمُتموّلين المُعاقبين من قبل واشنطن، عبر نفي علاقتهم بالحزب ظاهرًا، وعبر التفاوض للإفراج عنهم سرًّا وبشكل غير مُباشر، كلّما سنحت الفرصة لأيّ تسويات ومُساومات لإطلاق معتقلين ومحتجزين أميركيّين من جهة وإيرانييّن أو محسوبين على “محور المقاومة والمُمانعة” من جهة أخرى(1).
خامسًا: الرد على تصاريح السفيرة الأميركيّة بحقّ “حزب الله”، جاء بشكل رسالة قضائيّة تصعيديّة، علمًا أنّ هذه الرسالة التي لا تتجاوز مفاعيلها الإعتراض الإعلامي، ستليها رسائل أخرى في حال إستمرّت الدبلوماسيّة الأميركية في تصعيدها، قد تأخذ شكل تظاهرات حول السفارة في عوكر، وشكل حملة إعلاميّة على الإدارة الأميركية وعلى مشاريعها الإقليميّة، إلخ.
في الخُلاصة، المعركة بين واشنطن وطهران مَفتوحة، وهي ستزداد حدّة خلال الأسابيع والأشهر القليلة المُقبلة الفاصلة عن موعد الإنتخابات الأميركيّة. ولبنان و”حزب الله” هو في خضمّ هذا الكباش، مُسيّرًا وليس مُخيّرًا!.
(1)تمثّلت آخر هذه الصفقات في إطلاق الجندي السابق في القوّات البحرية الأميركيّة مايكل وايت في مُقابل الإفراج عن الطبيب الإيراني مجيد الطاهري.النشرة