تونس – روعة قاسم
يبدو أن التونسيين يقتربون شيئا فشيئا من النصر على فيروس كورونا، بعد أن أكدت وزارة الصحة عدم تسجيل أية إصابات جديدة خلال الأيام الثلاثة الماضية، وهذا بحدّ ذاته إنجازٌ هامّ في وقت لا يزال العديد من الدول تسجل ارتفاعا مهولا في أعداد الوفيات والاصابات.
المخاوف اليوم تتزايد من إمكانية حدوث موجة ثانية من الفيروس خاصة مع بدء تنفيذ الحجر الصحي الموجه وتخفيف إجراءات العزل الشامل مع ما شهده من فوضى لدى الكثيرين وعدم التزامهم بالإجراءات الصحية المناسبة.
ويؤكد المسؤولون السياسيون والصحيون أن العودة الى العزل الكامل أمر مطروح اذا تمّ تسجيل حالات جديدة من الإصابات بكورونا.
هذه الأخبار المفرحة القادمة من تونس لم تغطِ “قتامة” المشهد السياسي وعودة الصراعات مجددًا، على غرار ما شهدته البلاد خلال الأعوام الماضية من محاور وانقسامات.
هذه المرة يبدو أن الصراع يتمحور حول أطراف رئيسية فاعلة اليوم في المشهد السياسي هي رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس الحكومة الياس الفخفاخ، ولكلّ منهم صلاحياته واستراتيجيته ورؤيته الخاصة للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تونس وطرق التعامل مع أزمات البلاد.
وقد خفّفت جائحة “كورونا” طيلة الأسابيع الماضية من وطأة هذه الانقسامات والتجاذبات السياسية التي عرفتها البلاد مع تشكيل حكومة الفخفاخ، لكن دعوة حركة النهضة الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تتمتع بحزام سياسي، وكذلك تصريح رئيس الجمهورية حول ما أسماه بـ”البؤس السياسي” في تونس، وانتقاده لما تعيشه البلاد من حياة سياسية، كل ذلك فتح الباب واسعا أمام عودة الاحترابات السياسية من جديد.
رئيس الجمهورية لفت في خطابه الى معضلة تُغيّر التحالفات بين لحظة وأخرى بين الأطراف -دون أن يسميها او يقدم تفاصيل أكثر حولها، مؤكدًا أن البعض لم يحترم سيادة الشعب التونسي وخياراته، وذلك في إشارة الى الكتل النيابية التي دخلت في صراعات ومناكفات كبيرة تحت قبة البرلمان رغم جائحة كورونا.
كثيرا ما تشهد البلاد ظاهرة “السياحة الحزبية”، وهي انتقال النائب من حزب الى آخر بحسب مصلحته السياسية وتبعا لطبيعة التحالفات بين الكتل النيابية والتي تتغير يوما بعد يوم.
وبحسب الكثيرين، فإن هذه الظاهرة وجب مواجهتها لأنها تعيق العمل البرلماني والسياسي، وتؤدي الى شروخ كبيرة في كبرى الأحزاب في البرلمان مع ما يستتبعه ذلك من عدم القدرة على تمرير مشاريع القوانين الضرورية وتعطيل عمل البرلمان.
كما ان حركة النهضة، وهي الحائزة على المرتبة الأولى في عدد مقاعد البرلمان -والتي وافقت على تمرير حكومة الياس الفخفاخ على مضض ، يبدو انها أرادت الرجوع الى المربع الأول بعد ان طالبت بتشكيل حكومة جديدة على أساس الوحدة الوطنية، مؤكدة أن البلاد ما بعد كورونا تتطلّب وجود حزام سياسي للحكومة القادمة من أجل انجاز الإصلاحات الضرورية.
يُشار الى أن الحركة شهدت العديد من الاستقالات في صفوفها في الآونة الأخيرة على خلفية المواقف من التصويت لحكومة الفخفاخ آنذاك او التحالف مع أطراف أخرى تنتمي لعائلات سياسية مختلفة مثل التيار الدستوري.
ويتوقع الكثيرون أن تحتدم هذه الصراعات داخل الحركة وذلك مع اقتراب موعد مؤتمرها الحادي عشر.
والسؤال المُلحّ اليوم هو هل تتحمل البلاد هزّة سياسية جديدة خاصة مع الوضع الاقتصادي الهشّ ومع استمرار خطر الإرهاب التكفيري الذي لا يدخر أية فرصة لاستهداف الجيش والأمن الوطنيين؟