دراسة إسرائيلية تحذر من وقوع اضطرابات في مصر والأردن نتيجة كورونا

تحذر جهات مهنية في وزارة الخارجية الإسرائيلية من تعرضها لأزمة اقتصادية عميقة، وفقدان الاستقرار في مصر والأردن نتيجة جائحة كورونا، وفي المقابل تشير لفرص دبلوماسية جديدة دون أن تتطرق لتبعاتها على العلاقات مع الشعب الفلسطيني وواقع الاحتلال.

ويرى المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار” أن الأفق السياسي والاقتصادي في إسرائيل للسنوات المقبلة متعلق بمدى تفشي الجائحة والثمن المترتب عليها على مستوى الوفيات، والمدة الزمنية التي ستبقى فيها في ظل حالة طوارئ. وتستذكر أنه بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية في مارس/ آذار الماضي بدأ الوباء بالتفشي في إسرائيل، مما حدا بحكومة الاحتلال إلى تسريع إجراءات الوقاية والحجر الصحي، وإغلاق المصالح الاقتصادية.

تحذر الخارجية الإسرائيلية من فقدان الاستقرار في مصر والأردن نتيجة جائحة كورونا

** السيناريو الاقتصادي
تعتبر أزمة كورونا، من الجانب الاقتصادي، عبئاً ثقيلا على الاقتصاد الإسرائيلي رغم عدم وجود تصور واحد لتداعياتها اقتصاديا، فهناك من يعتقد أن إسرائيل سوف تعيد حيويتها الاقتصادية في نهاية عام 2021، والأكثر تفاؤلا يقول إن ذلك سيتم في نهاية العام الحالي.

لكن “مدار” يرى أن الأزمة الاقتصادية سوف ترافق إسرائيل في السنوات القادمة، في ظل معدلات بطالة غير مسبوقة، مما سيشكل عبئا اقتصاديا واجتماعيا عليها، فضلا عن أن المصالح الصغيرة والمستقلة منها سوف تحتاج إلى وقت كي تتعافى.

ويعتقد سيفر بلوتسكر، محرر الملحق الاقتصادي في صحيفة يديعوت أحرونوت، أن إسرائيل ستعاني من أسوأ ركود اقتصادي في تاريخها هذا العام، بحيث سيقفز معدل البطالة مع انتهاء أزمة كورونا إلى 12% بحسب تقدير صندوق النقد الدولي، بينما يقدر بنك إسرائيل بأن نسبة البطالة ستستقر عند 6% بعد أن توقفت قبل الأزمة عند 4%، فيما يتوقع انخفاضا بنسبة 5.3% في الناتج المحلي الإجمالي. ويتوقع بلوتسكر صورة قاتمة للاقتصاد الإسرائيلي بسبب أزمة كورونا، مستذكراً أنه في الأزمة المالية العالمية عام 2008، لم ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي، ولم يكن الاقتصاد في حالة ركود ولا حتى بشكل تقني، مما يعني أن الاقتصاد الإسرائيلي سيكون في الربعين المقبلين في حالة من النمو السلبي. وعلى ضوء هذه التوجسات والمخاوف الاقتصادية، هناك توجه قوي تقوده وزارة المالية يضغط باتجاه فتح مرافق حيوية في الاقتصاد، وبالذات تلك التي تشكل عائدات ضريبية كبيرة لخزينة الدولة.
وجاءت الأزمة الاقتصادية، التي ولّدها وباء كورونا، لتراكم بداية أزمة اقتصادية كانت إسرائيل قد دخلتها خلال 2019، حيث ارتفع العجز في ميزانيتها، بسبب سياسات وزير المالية الحالي موشيه كحلون، وبسبب غياب حكومة ثابتة لمدة عام كامل.

ويحاول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تعويض السكان عن الضرر الذي أصابهم من جراء سياسة الإغلاق وارتفاع معدلات البطالة. ويشير “مدار” هنا إلى أن الحالة الاقتصادية كانت أحد أسباب قوة نتنياهو في العقد الأخير، فقد تحسن اقتصاد إسرائيل في العقد الأخير، ولذلك سيحاول نتنياهو تعويض السكان بنوع من المساعدات والتسهيلات المالية، لا سيّما وأن قواعده الانتخابية وقواعد الأحزاب الدينية المتزمتة تنتمي إلى الشرائح الضعيفة.

** السيناريو السياسي
منذ انتهاء الانتخابات في الشهر الماضي، وتكليف رئيس “أزرق أبيض” بيني غانتس بتأليف الحكومة، استغل نتنياهو أزمة كورونا أحسن استغلال سياسيا.

ويتبنى “مدار” موقف محللين إسرائيليين كثر، يرون أن نتنياهو تصرف وكأنه هو صاحب التكليف بتأليف الحكومة، وكان يعرض على غانتس تارة إقامة حكومة طوارئ، وتارة أخرى إقامة حكومة وحدة وطنية.

بينما لم يبادر غانتس وهو المكلف بإقامة الحكومة لأي خطوة لاستغلال الأزمة من خلال اقتراح إقامة حكومة وحدة وطنية هو يرأسها، لا سيّما وأنه حصل على توصية 61 عضو كنيست، غير أن نتنياهو وضعه كل الوقت في مربع رد الفعل على اقتراحاته، وخاصة بعد سقوط خيار إقامة ما يعرف باسم “حكومة أقلية” تدعمها القائمة المشتركة من الخارج، وتفكك تحالف “أزرق أبيض”.

وساهمت خطابات نتنياهو المتلفزة شبه اليومية في زيادة خوف الناس من تبعات الأزمة وانتشار الوباء، عارضا إقامة حكومة طوارئ برئاسته كالخيار الأنسب للتغلب على هذه الأزمة التي وصفها بأنها عدو الأمة. وقد اغتنم نتنياهو هذه الفرصة لتسويق نفسه، لا سيّما بعد أن كلّف رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، بيني غانتس بتأليف الحكومة.

** تسييس كورونا
واعتبر رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان أنه تم تسييس أزمة كورونا من أجل المصالح السياسية لنتنياهو، مكررا اتهاماته لوزير الصحة بالفشل المتراكم.

ونجح نتنياهو بشكل غير مباشر، وبسبب الأزمة، في تفكيك تحالف “أزرق أبيض” إلى ثلاثة أحزاب. وهكذا انتهى التحالف الذي صارع عاما كاملا ليكون بديلا عن حكومة يرأسها نتنياهو.

ويبدي “مدار” استغرابا من أن غانتس ليس فقط لم يذهب إلى خيار المناورة البرلمانية التي راهن عليها أقطاب في حزب “أزرق أبيض” وتمثلت في انتخاب رئيس جديد للكنيست من الحزب نفسه، بل رشح نفسه لهذا المنصب، وكذلك امتنع حتى الآن من تعديل قانون أساس الحكومة لمنع عضو كنيست متهم بقضايا جنائية من تشكيل الحكومة.
و برأيه يراهن نتنياهو بعد تفكيك تحالف “أزرق أبيض”، وانضمام حزب غيشر برئاسة ليفي- أبكسيس إلى كتلة اليمين لترتفع إلى 59 مقعدا، على وضع شروطه على الحكومة المقبلة، فهو الآن في موقع القوة، وغانتس في موقع الضعف، ونتنياهو يحتاج إلى عضوي كنيست فقط كي يشكل حكومة بدون غانتس، ولكنه بالتأكيد يفضل حكومة مع غانتس، وهو الذي كان ينادي بحكومة طوارئ في ظل أزمة كورونا.

غير أن نتنياهو يريد حكومة بشروطه والتي تتمثل في النقاط التالية : أولاً، الحفاظ على التغيير الذي يقوم به اليمين في المؤسسة القضائية. ثانياً: تشريع قانون يضمن بقاء نتنياهو في السلطة بعد إجراء التناوب، حيث إن القانون ينص على استقالة وزير إذا تم تقديم لائحة اتهام ضده. ثالثاً: قد يسعى نتنياهو إلى إلغاء التناوب أصلا، فهو يريد البقاء في السلطة. رابعاً: يريد نتنياهو تحجيم تمثيل حزب “أزرق أبيض” في الحكومة.

** وزارة الخارجية: شرق أوسط جديد بعد كورونا
على صعيد آخر ذكرت صحيفة “إسرائيل اليوم” أن شعبة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الإسرائيلية، أعدت وثيقة داخلية رسمت فيها مستقبلاً كئيباً للعالم كنتيجة لأزمة كورونا.

ومع ذلك، أشارت الوثيقة إلى أن إسرائيل تحديداً يمكن أن تعزز أكثر مكانتها وعلاقاتها السياسية والاقتصادية كنتيجة للأزمة. وأضافت الصحيفة أن الوثيقة وضعها أكثر من 20 دبلوماسياً وخبيراً في وزارة الخارجية الشهر الماضي، وأُرسلت إلى أطراف كثيرة لدراستها في الأقسام المتعددة للوزارة، وأدخلت عليها تنقيحات وتحسينات.

وتولى رئاسة المشروع أورون أنوليك، رئيس شعبة التخطيط السياسي. وفي حديث مع “إسرائيل اليوم”، شدد أنوليك على أن المقصود ليس نهائيا، لأن توقعات الأزمة لا تزال في ذروتها: “الأمور تتغير كل يوم، ومن المهم القول إننا لا نعرف قط المستقبل. هذه الورقة لا تزال تتغير كل يوم، وهي فقط تعكس تقديراتنا حيال واقع لم يشهد العالم مثله. وفيها تساؤلات أكثر من إجابات”.

ووفقاً للصحيفة الإسرائيلية، ففي مركز الوثيقة هناك تقدير بأن القرية العالمية المفتوحة والتجارة الحرة بصورة مطلقة لن تبقيا كذلك بعد كورونا، فالعالم يسير نحو أزمة اقتصادية تذكّر في حجمها بالانهيار الكبير عام 1929. وتعلل رؤيتها بالقول إن الناتج المحلي الصافي العالمي انخفض بـ12% ومن المتوقع استمرار هذا الانخفاض، مع معدلات بطالة هائلة في الولايات المتحدة وفي أماكن أُخرى.

** مورد الغاز
ومن المتوقع أن تؤدي الأزمة الاقتصادية العالمية، من بين أمور أخرى، إلى انخفاض الطلب على الغاز، وبذلك المسّ بفرع تصدير مركزي كانت إسرائيل تنوي الاعتماد عليه في السنوات المقبلة.

ومن المتوقع أن تترافق الأزمة الاقتصادية مع منافسة قوية بين الدول، وخصوصاً على الموارد في المجال الصحي. والطلب العالمي الهائل على المستلزمات الطبية، كما تجلى منذ نشوب الأزمة، من المتوقع أيضاً أن يستمر، وأن يزيد في التوترات الدولية.

من المتوقع أن تؤدي الأزمة الاقتصادية العالمية، إلى انخفاض الطلب على الغاز، وبذلك المسّ بفرع تصدير مركزي كانت إسرائيل تنوي الاعتماد عليه في السنوات المقبلة.

ويعتقد مسؤولون في وزارة خارجية الاحتلال أن تشابك هذه التوترات مع الأزمة الاقتصادية وشلل عالم الطيران، سيؤدي إلى قواعد لعبة جديدة بشأن كل ما له علاقة بالتجارة العالمية.

وبحسب الوثيقة، فالتجارة الحرة كما هي معروفة اليوم ستتغير نحو سياسة انطواء الدول. ومن المتوقع أن تعود الدول إلى بناء سلاسل إنتاج وإمداد محلية، وخصوصاً في مجالات حساسة للأمن القومي رغم ارتفاع التكلفة الاقتصادية الناجمة عن ذلك.

** صعود الصين
ويرون في خارجية الاحتلال في أزمة كورونا كمسرّع لعملية صعود الصين كقوة دولية عظمى كونها أول من تعافى منها، مما يمنحها موقعاً متفوقاً مقارنة بالولايات المتحدة.

كذلك، المساعدة الدولية التي تقدمها الصين إلى الدول المصابة، وغياب الرغبة الأمريكية في أداء دور الشرطي الدولي، يحسّن من مكانتها.

ويحذر مسؤولو الخارجية من أن هذا التغيير في موازين علاقات القوى بين الولايات المتحدة والصين، من المتوقع أن يزيد أكثر التوترات الكبيرة الموجودة بينهما حالياً.

خارجية الاحتلال ترى في أزمة كورونا مسرّعا لعملية صعود الصين كقوة دولية عظمى كونها أول من تعافى منها، مما يمنحها موقعاً متفوقاً مقارنة بالولايات المتحدة.

وتشير الوثيقة إلى أنه في فترة استقطاب سياسي قوي في الولايات المتحدة، فإن الحاجة إلى الدفاع في مواجهة الصين هي الموضوع الوحيد الذي تُجمع عليه أجزاء المنظومة السياسية الأمريكية كلها. وتشدد الوثيقة على أنه يتعين على إسرائيل الاستمرار في السياسة المعتمدة حالياً، من خلال المحافظة على العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة كمصلحة عليا، واستغلال الفرص الاقتصادية وغيرها مع الصين.

وتضيف الوثيقة أن هناك مكاناً آخر يمكن أن تؤدي أزمة كورونا إلى نشوء اضطرابات فيه هو الشرق الأوسط. وتحذر الوثيقة من أن “دولتي السلام” (الأردن ومصر) اللتين تعانيان وضعاً اقتصادياً صعباً، يمكن أن يصيبهما عدم استقرار.

بالإضافة إلى ذلك، يثار التخوف من أن إيران التي تحطم أزمة كورونا بقايا اقتصادها، يمكن أن تقفز إلى تطوير سلاح نووي، للمحافظة على بقاء النظام. كذلك يثار التخوف من أن تدفع الأزمة العالمية إلى نمو “تنظيمات إرهابية متطرفة، مثل داعش والقاعدة”.
وبالنسبة إلى عدم الاستقرار العالمي، تتوقع وزارة الخارجية زيادة عالمية على الطلب على منتوجات الهايتك، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالإدارة عن بعد، والمشاهدة عن بعد.

وفي هذا المجال تفتح الأزمة أمام إسرائيل الكثير من الفرص، بسبب صناعة التكنولوجيا المتقدمة والمتطورة جداً والمبتكرة التي لديها. يضاف إلى ذلك تشير الوثيقة هذه لمرونة السوق الإسرائيلية وقدرتها على تكييف نفسها مع أوضاع جديدة، والاستخدام الذي سبق أن جرى في إسرائيل للداتا الكبيرة والمؤهلات الإسرائيلية لاستخدام التكنولوجيا لمحاربة الفيروس، من دون انتهاك كبير لحقوق الفرد. وكل ذلك يمكن أن يحوّل إسرائيل إلى مركز جذب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *