إتهامات أميركيّة-صينيّة مُتبادلة… هذا هو من نَشَر كورونا!

كثيرة هي النظريّات عن سبب إنتشار وباء ​كورونا​ في ​العالم​، منها ما هو علميّ وطبّيّ، ومنها ما ينطلق من فرضيّة المُؤامرة، وتحديدًا من الصراعات السياسيّة والإقتصاديّة. وسنتوقّف عندخلفيّات الإتهامات الأميركيّة و​الصين​يّة المُتبادلة في هذا السياق(1)، مع إستعراض مجموعة من الحجج لكل من الطرفين، كما وردت في بعض النظريّات التي تُحمّل واشنطن مسؤوليّة نشر الوباء تارة، وبكين تارة أخرى، والأخطر التي تعتبر هذا الوباء سلاحًا بيولوجيًا–كيميائيًا جرى نشره بشكل مُتعمّد في سياق الصراع على زعامة العالم من الناحيتين الإقتصاديّة والماليّة بالدرجة الأولى، وتاليًا من الناحية السياسيّة!.

بحسب النظريّات التي ألقت اللوم على الصين فهي ركّزت على حقيقة عدم تفشّي كورونا في العاصمة الصينيّة بكين، ولا في عاصمتها الإقتصاديّة شنغهاي، علمًا أنّ الأخيرة تبعُد عن مركز إنطلاق الوباء في “ووهان” 629 كيلومترًا فقط، في حين تبعد بكين عنه 1052 كيلومترًا فقط. وفي المُقابل، وصل الوباء بسُهولة إلى مناطق بعيدة جدًا، على غرار ميلانو في إيطاليا والتي تبعد 8700 كلم. عن “ووهان”، ونيويورك في الولايات المتحدة الأميركيّة والتي تبعد 12000 كلم. ولندن في بريطانيا التي تبعد بدورها 8880 كلم. وإلى باريس في فرنسا التي تبعد 8900 كلم. وغيرها الكثير. والسؤال الذي تطرحه هذه النظريّات هو: لماذا وصل وباء كورونا إلى مُختلف أصقاع العالم، لكنّه لم يصل إلى العاصمة الصينيّة بكين التي يعيش فيها كل القادة الصينيّين السياسيّين والعسكريّين، والتي إستمرّت فيها الحياة بشكل طبيعي، ولماذا لم يصل الوباء إلى العاصمة الإقتصاديّة للصين، أي شنغهاي، حيث يعيش أغنياء الصين ومسؤولو الصناعة الصينيّة العملاقة؟! أكثر من ذلك–ودائمًا بحسب النظريّات التي تتهم الصين، يُوجد تساؤل كبير عن سبب إنهيار قيمة أسهم المؤسّسات في مُختلف دول العالم بنحو النصف في بعض الأحيان، في مُقابل عدم تأثّر الأسهم الصينيّة سوى بجزء محدود جدًا! كما يُوجد تساؤل كبير آخر لا يقلّ أهميّة، يتمحور حول سرّ تمكّن الصين من السيطرة على إنتشار الوباء في أراضيها، وعلى حصر الوفيّات التي يُسبّبها(2)، وهي التي كان يُفترض ألا تكون مُستعدّة على الإطلاق له، في حين وقفت السُلطات الطبّية والإستشفائيّة عاجزة أمامه في أغلبيّة دول العالم–حتى بعد الإستعداد نسبيًا لمُواجهته ولمنع تفشّيه؟!.

في المُقابل، وبحسب النظريّات التي ألقت مسؤولية إنتشار الوباء في العالم على الولايات المتحدة الأميركيّة، بهدف ضرب الإقتصاد الصيني، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، أي قبل أن يجتاح الوباء عن غير قصد مُختلف دول العالم، بما فيها أميركا نفسها، فهي تنطلق من واقع الحرب الإقتصاديّة والتجاريّة المَفتوحة التي تشنّها واشنطن على بكين منذ سنوات عدّة(3). والسبب أنّ أميركا تعتبر أنّ الصين سبّبت لها خسائر بقيمة عشرات التريليونات من الدولارات، من خلال التعدّي على حُقوق الملكيّة الفكريّة الأميركيّة، بحسب ما جاء في أحد تصاريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصيًا. يُذكر أنّ الصين تقوم بتسجيل نحو نصف مليون براءة إختراع في السنة، وهي فعليًا لا تبتكر أشياء ومُنتجات جديدة، إنّما تُعدّلها ومُنتجات مَوجودة في الأسواق في مُختلف الميادين، وتقوم بإعادة تصنيعها وبيعها بمُواصفات أفضل وبأسعار زهيدة جدًا!والخطر الصيني على أميركا يتزايد على مُستوى التكنولوجيا الرقميّة، علمًا أنّ نسبة إستخدام الصينيّين لشبكة الإنترنت الحالية تبلغ نحو 25 % في مُقابل نحو 10 % فقط للأميركيّين. وعلى الرغم من ذلك تستخدم الصين إنترنت داخليّة باللغة الصينيّة، وهي تُحضّر لإطلاقها عالميًا في المُستقبل، كشبكة تعمل بمُطلق أي لغة عالميّة كلغّة أصليّة، وليس كلغّة مُترجمة من نُصوص إنكليزيّة–كما هي الحال راهنًا. وبحسب نظريّات المُؤامرة التي تُهاجم واشنطن، فإنّ أميركا التي تخشى روسيا كقوّة عسكريّة عُظمى، لا تشعر بأيّ تهديد إقتصادي من جانب موسكو، بينما تختلف الحال مع الصين التي هي قُوّة عُظمى عسكريًا، والأخطر أنّها قُوّة عُظمى منافسة لأميركا ولسواها من الدُول، إقتصاديًا وتقنيًا وتكنولوجيًا، إلخ. وبحسب نظريّات المُؤامرة نفسها، إنّ الولايات المتحدة الأميركيّة التي تواصل مساعيها العسكريّة وضُغوطها السياسيّة والإقتصاديّة للسيطرة على موارد النفط في العالم، لا تقوم بذلك من مُنطلق حاجتها إليه–كما كانت الحال عليها في السابق قبل إكتشاف النفط الصخري الأميركي والشروع في إستخراجه، وإنّما لإستخدام النفط كسلاح بوجه مُنافسيها الإقتصاديّين، حيث تريد واشنطن مثلاً إقفال موارد النفط على بكين، لخنق الإقتصاد الصيني، ولمنع الصين من أن تُصبح القُوّة الإقتصاديّة الأولى في العالم.

في الختام، قد يكون وباء كورونا مُفتعلاً، وقد لا يكون، وهو ربّما تسرّب عمدًا أو عن طريق الخطأ من أحد المُختبرات، وربما أيضًا إنتقل بكل بساطة من الحيوان إلى الإنسان بشكل سخيف، بعيدًا عن نظريّات المُؤامرة… لكنّ الأكيد أنّ هذا الوباء سيترك آثارًا مُدمّرة على العالم في مرحلته الأولى، والأهمّ أنّه سيتسبّب بتغييرات جذريّة في مُختلف الدول، وبالتالي بولادة نظام عالمي جديد في مرحلته التالية، قد يُقوده القُطبان الأميركي والصيني بعد أن يتفقا على تقاسم النُفوذالإقتصادي والتكنولوجي في وقت ليس ببعيد.النشرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *