هذا ما جنته الولايات المتحدة من طموحاتها..

قال الباحث والكاتب الأميركي ستيفن وارتهايم “Stephen Wertheim” إن “غياب الخصم” عقب فترة الحرب الباردة كشف “إفلاس” طموحات واشنطن العالمية.

وفي مقالة نُشرت في مجلة “فورين أفيرز” “Foreign Affairs”، أضاف الكاتب إن واشنطن تبنت إستراتيجية تستند إلى التهديدات والوسائل العسكرية (في فترة ما بعد الحرب الباردة)، وبأنها أنشأت نظامًا يخدم مصلحة الأقلية بينما يضر بمصلحة الاكثرية على الأمد الطويل.

وتابع الكاتب أن هذا النهج الذي تبنته واشنطن هو في أحسن الاحوال “خطأ في الاولويات”، بينما في أسوأ الاحوال حوّل الولايات المتحدة إلى “لاعب مدمر” في العالم.

وأردف أن واشنطن شنت حروبًا عقيمةً في أماكن مثل افغانستان والعراق وليبيا، وهذه الحروب خلقت أعداء أكثر مما هزمت اعداء.

وقال إن هذه الحروب قوضت القوانين والمؤسسات المعنية باستقرار الوضع في العالم وأيضًا في الولايات المتحدة نفسها.

وأضاف الكاتب أن الولايات المتحدة قامت بتضخيم “التهديدات العسكرية” ومن ثم خصصت الموارد لمواجهة هذه “التهديدات”، معتبرًا أنها في الوقت نفسه لم تتخذ خطوات تصب في المصلحة العامة.

وأشار في هذا السياق إلى أن نسبة انبعاث غاز ثاني اكسيد الكربون في الولايات المتحدة منذ عام 1990 تشكل نسبة عشرين بالمئة من نسبة انبعاث هذا الغاز في العالم، لافتًا في الوقت نفسه إلى أن انبعاث هذا الغاز يعد المساهم الاول بالتغير المناخي.

وأكد الكاتب أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزز وتيرة “أجندة ما بعد الحرب الباردة” التي تبناها اسلافه، وذلك رغم ما يقال من أن ترامب يغير في السياسة الخارجية الاميركية المتبعة. وتحدث في هذا السياق عن مساعي ترامب للهيمنة العسكرية وعدم تخصيص الموارد لمعالجة موضوع التغير المناخي.

كما شدد الكاتب على أن إستراتيجية واشنطن خلال حقبة ما بعد الحرب الباردة قد فشلت، وعلى ضرورة تخلي واشنطن عن مساعيها لتحقيق التفوق العسكري.

وبينما لفت الكاتب إلى أن الكثيرين في الولايات المتحدة استخدموا مصطلح “الهيمنة الليبرالية”، اعتبر أن الاهداف الاميركية والوسائل التي اعتمدتها واشنطن دائمًا ما كانت ترتبط بالهيمنة أكثر مما كانت ترتبط بالليبرالية.

وتابع الكاتب أن صنّاع السياسة الاميركيين ومنذ حوالي ثلاثة عقود اجمعوا على فرضية تقدم بها المخططون في “البنتاغون” عام 1992، وهي أن الولايات المتحدة يجب أن تحافظ على تفوق عسكري يمكنها من ثني الحلفاء والخصوم عن “تحدي سلطة واشنطن”.

وأوضح أن “التفوق” هذا سرعان ما اصبح غاية بحد ذاتها، وهذه الاستراتيجية خلقت اعداء للولايات المتحدة، وهو ما جعل من مساعي تحقيق “التفوق” مسألة خطيرة لواشنطن.

وتحدث الكاتب عن الموضوع البيئي، مشيرًا إلى دراسة اجرتها جامعة “Brown” أفادت أن الجيش الاميركي يستهلك البترول وينتج غازات الاحتباس الحراري أكثر من أي مؤسسة اخرى في العالم.

وأضاف الكاتب أن مساعي واشنطن لتحقيق “التفوق” تؤدي إلى تآكل موقعها على الصعيد المالي، مشيرًا في هذا السياق إلى فرض العقوبات على إيران وقيام الدول الاوروبية بالبحث عن بدائل عن عملة الدولار، وقال إن ذلك ادى إلى تقليص حصة الدولار في الاحتياطات العالمي للعملة الاجنبية.

الكاتب شدد على ضرورة أن تقلص واشنطن من العامل العسكري في سياستها الخارجية، وقال إن الخطوة الاولى في هذا السياق هي وقف الحروب التي بدأت منذ هجمات الحادي عشر من ايلول. وأضاف أن على الولايات المتحدة اخراج قواتها من افغانستان في غضون فترة ما بين 12 و18 شهرًا، وعليها اخراج قواتها من العراق وسوريا بشكل اسرع حتى.

كذلك أكد ضرورة إعادة تلك القوات إلى الولايات المتحدة بدلًا من نشرها في اماكن اخرى في المنطقة.

وتحدث الكاتب أيضًا عن ضرورة قيام واشنطن برفع العقوبات المفروضة على إيران والعودة إلى الاتفاق النووي. أما في بقية المنطقة فقال إن على واشنطن أن تتبنى سياسة “لا اصدقاء دائمين ولا اعداء دائمين”، وأن تقوم بخفض مستوى العلاقات مع دول مثل السعودية وتوجه رسالة إلى هذه الدول مفادها أنها هي المسؤولة عن الدفاع عن نفسها.

كذلك تحدث عن ضرورة قيام واشنطن بإغلاق معظم قواعدها العسكرية في المنطقة.

أما بالنسبة للصين، فقال الكاتب إن الاخيرة ليست بصدد الاستعداد للهيمنة على منطقة شرق آسيا عبر القوة، وإن الجيش الصيني يركز على ملفات محلية مثل الدفاع عن الاراضي الصينية وكسب النزاعات حول مناطق وجزر حدودية وكذلك قضية تايوان.

وبناء عليه، شدد على ضرورة التخلي عن “ردود الفعل المبالغ بها” إزاء “التوسع العسكري الصيني”.

الكاتب تطرق أيضًا إلى العلاقات مع روسيا، وشدد على ضرورة تبني سياسة تحترم الموقف الروسي حيال مصالح موسكو الحيوية، مثل بقاء النظام ومنع نشوء حكومات معادية في الجوار، والمشاركة في المحادثات الاوروبية على الصعيدين الامني والدبلوماسي.

كما تابع الكاتب أن على واشنطن أن تهدئ من مخاوف روسيا من خلال الكف عن توسيع حلف الناتو ورفض طلب اوكرانيا الانضمام إلى هذا الحلف. كذلك تحدث عن ضرورة بدء واشنطن بخفض عديد قواتها في اوروبا.

وشدد الكاتب على أنه حان الوقت لوداع عصر “القطب الاحادي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *