من مناصر لإسرائيل إلى مدافع عن فلسطين.. لماذا تخشى تل أبيب جوزيف بوريل أكثر من الحكام العرب؟

أعلن الاتحاد الأوروبي رفضه لمخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن صفقة القرن الخاصة بالنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، وهو موقف يؤكد على استقلالية القرار الأوروبي في القضايا الدولية، بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد، ثم وجود شخصية قوية في بلورة المواقف وهو الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن الأوروبي المشترك جوزيف بوريل، وهو ما تخشاه إسرائيل.

أوروبا ترفض صفقة القرن
وأصدر مكتب بوريل الثلاثاء من الأسبوع الجاري بيانا يعتبر قاسي المضمون لتطلعات إسرائيل برفض مقترح “صفقة القرن”، معتبرا إياه متناقضا مع المعايير والقوانين الدولية. وأثار البيان احتجاج إسرائيل التي انتقدته ساعات بعد ذلك، بسبب ما اعتبرته “خطاب التهديد” وصدوره بعد أيام قليلة من زيارته إلى إيران.

ويؤكد مصدر دبلوماسي لجريدة “القدس العربي” حول مضمون البيان: “لا يمكن للاتحاد الأوروبي تجاهل دور الأمم المتحدة وقراراتها، والاتحاد الأوروبي يتوفر على سلطة معنوية وسياسية بحكم أنه الآن الممول الرئيسي للفلسطينيين”. ويضيف: “في الوقت ذاته، ما يجري في فلسطين هو جزء من أمن البحر الأبيض المتوسط، وندرك أنه إذا قمنا بتقديم حل واقعي ويحفظ حقوق الجميع سنرسي قاعدة سلام حقيقية في المنطقة”.

تحاول التمثيلية العليا للسياسة الخارجية سن سياسة موحدة تعطي للاتحاد الأوروبي موقفا موحدا، بالتوفيق بين مواقف الدول والقانون الدولي

ومنذ إنشائها في إطار السعي نحو تعزيز الوحدة الأوروبية، تحاول التمثيلية العليا للسياسة الخارجية والأمن الأوروبي المشترك سن سياسة موحدة تعطي للاتحاد الأوروبي موقفا موحدا، بالتوفيق بين مواقف الدول والقانون الدولي، علاوة على احترام الرأي العام الأوروبي المؤيد لحقوق الفلسطينيين.

وأحيانا يكون للتمثيلية حضور قوي في الساحة الدولية وأحيانا أخرى تتراجع كما حدث عندما تولت البريطانية كاثرين أشتون المنصب ما بين عامي 2004-2014، حيث غاب الصوت الأوروبي في الساحة الدولية وكان باهتا واكتفى الأوروبيون بتأييد قرارات البيت الأبيض في الكثير من الملفات الدولية رغم تحفظ فرنسا وألمانيا. ومن حسن حظ الاتحاد الأوروبي أنه كان في البيت الأبيض سياسي معتدل مثل باراك أوباما وليس متطرفا مثل دونالد ترامب. وقللت بريطانيا من الدور الذي اكتسبته هذه التمثيلية في الأوساط العالمية إبان حقبة ممثلها المخضرم ما بين عامي 1999-2009 الإسباني خافيير سولانا. واستعادت بريقها تدريجيا مع الإيطالية فدريكا وغريني ما بين عامي 2014-2019 التي كانت تدافع عن حقوق الفلسطينيين.

إسرائيل تخشى بوريل
وينتظر أن تشهد منعطفا مع ممثلها الحالي جوزيف بوريل القادم من تجربة إسبانية وأوروبية غنية سياسيا، فقد كان موظفا ساميا في حكومة فيلبي غونثالث إبان الثمانينيات ثم وزيرا في بداية التسعينيات وكان مرشح الحزب الاشتراكي لرئاسة الحكومة نهاية التسعينيات قبل انسحابه في ظروف غامضة، ليعود ليتولى رئاسة البرلمان الأوروبي ابتداء من عام 2005، ثم وزيرا للخارجية في حكومة بيدرو سانتيش خلال السنتين الأخيرتين، قبل توليه تمثيلية الاتحاد الأوروبي في السياسة الخارجية والأمن المشترك.

وبقدر ما يدافع بوريل عن حق إسرائيل في الوجود بل وألقى خطابا في البرلمان الإسرائيلي كرئيس للبرلمان الأوروبي عام 2005 وزارها كشاب متطوع في كيبوتز عام 1969، بقدر ما يعتبر حازما في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين في دولة مستقلة وفق قرارات الأمم المتحدة التي صدرت في الستينيات. وتكتب جريدة “بوبليكو” عنه يوم 9 يوليو الماضي: “اختيار أوروبا جوزيف بوريل والممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن الأوروبي المشترك يدفع إسرائيل إلى مهاجمته… فقد كان متعاطفا مع دولة إسرائيل في السابق ليتحول إلى مدافع عن الفلسطينيين”.

وما تخشاه إسرائيل هو إقناع بوريل للدول الأوروبية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على شاكلة ما فعلته السويد. وصرح عندما كان وزيرا للخارجية الإسبانية يوم 18 سبتمبر: “اعتراف إسبانيا بالدولة الفلسطينية مطروح على الطاولة”، والآن قد يعمل في هذا الاتجاه لا سيما بعد انسحاب بريطانيا التي كانت ممثل السياسة الأمريكية في الاتحاد الأوروبي.

في الوقت ذاته، ما تخشاه إسرائيل هو نفور القادة الأوروبيين من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، حيث لم يعد أحد يطيقه أو يريد استقباله. ولم يعد لإسرائيل مخاطبون لهم مصداقية في أعين الأوروبيين كما كان الأمر في الماضي. ويتزامن هذا مع وجود ممثل أعلى للسياسة الخارجية والأمن الأوروبي المشترك يدافع عن الفلسطينيين وهو متأكد من الدعم الفرنسي والألماني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *