رأى الصحافي في صحيفة “نيويورك تايمز” فرانك بروني أنه من غير الممكن تحمَّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب للبقاء قائدا أعلى للقوات المسلحة، مشيرًا إلى أنه يفتقر إلى الشخصية والخبرة والمصداقية ليقود البلاد إلى الحرب.
وقال بروني:”نقوم بانتخاب رؤسائنا في الأوقات السعيدة والأوقات الحزينة، وننتخبهم عندما تكون الأسواق في حالة اضطراب، وننتخبهم عندما نحاول الحفاظ على ما لدينا، أو نحاول اكتشاف ما يمكن أن يكون لدينا، لكن يجب علينا دائما أن ننتخبهم وكأننا على أبواب الحرب؛ لأن من المستحيل التوقع متى نصل إلى تلك الحال، وذلك للحاجة الماسة إلى زعيم قوي ومتزن يمكننا الوثوق به”.
بروني لفت إلى أن انتخاب دونالد ترامب جرى في نوبة من السخرية الطويلة والمبررة إلى حد كبير باعتبارها مقامرة واحتجاجا، ولم يظهر قوة في أي مجال، لكنه تمكن فقط بأن يمثل نسخة هزلية من ذلك، ولم يظهر أي شيء في طريق الشرف، لكنه كان مبدعا في إثارة الشكوك حول ما إذا بقي هناك شرف في السياسة أصلاً، ومؤيدوه يطربون لوعود الاضطراب، وليس لوعود الملاذ الآمن”.
وإذ قال الكاتب إن الولايات المتحدة هي اليوم تحت حكم قائد أعلى يفتقر للخبرة ومتهور، ويدعي المظلومية دائما في الوقت الذي ليس لمصلحتنا أن تكون هذه صفات قائدنا”، أضاف “آمل أن أكون مخطئا في تقييمي له وآمل أن تكون أسوأ حالاته تمثيلا وأن تكون أسوأ مغامراته وانفعالاته استراتيجية وأن يكون الحدس مفيدا كما هي سعة المعرفة وأن يكون بأمره اغتيال اللواء قاسم سليماني أقنع إيران بأن تعيد التفكير بدلا من أن تزيد من عدوانها”.
الكاتب أشار إلى أن “هناك أسبابًا تدعو للقلق، وحتى الذعر، ويعود ذلك لسياسته غير التقليدية، وأحيانا اللامنطقية للرئاسة، وما يترتب على ذلك”، مضيفًا”أنا خائف لأن الرؤساء يتمتعون بجودة الاستشارات التي يحصلون عليها وبجودة المستشارين الذين يقدمون تلك الاستشارات، لكن ترامب قام ترامب بحرق كثير من كبار المستشارين وكثير من النوايا الحسنة، ويعمل مع طاقم عمل مُفرَغ من الأشخاص ذوي أنصاف الخبرة”.
ولفت الكاتب إلى أن “وزير حربه الحالي مارك إسبر يفتقر إلى الخبرة والمكانة التي تميز بها سلفه جيم ماتيس الذي استقال قبل 13 شهرا عندما رفض ترامب التماساته وأصر على سحب القوات الأميركية من سوريا، وكان ذلك على الأقل هو السبب الظاهر لمغادرة ماتيس، لكن ماتيس أيضا وجد أن لدى الرئيس إمكانيات إدراكية محدودة وشخصية مريبة، بحسب ما كتب محرر مجلة “ذي أتلانتك” جيفري غولدبيرغ في مقال حول سيرة ماتيس الخريف الماضي”.
وتابع بروني:”قد لا تهم محدودية الإدراك والشخصية المريبة عندما تختار طلاء الذهب لمنتجع غولف أو ناطحة سحاب، لكنها تصبح مهمة إن كنت من يقرر تعريض حياة الأميركيين للخطر”، ولفت إلى أن ترامب وصل إلى رابع مستشار أمني، روبرت أوبراين، الذي ليست لديه مؤهلات كافية للوظيفة، وأضاف أنه خلال فترة إدارة الرئيس كلها، هناك مواقع مهمة بقيت شاغرة، أو يشغلها مسؤولون لم يصادق عليهم مجلس “الشيوخ””.
بروني تحدث عن “خلاف مع أقرب حلفاء أميركا، الذين تعبوا من مزاجية ترامب، والمنزعجين من سخريته منهم، والمتخوفين من جهله، واستنتجوا أنه إن كان ترامب هو أميركا، فلم تعد أميركا أهلا للثقة”، ولفت في هذا السياق إلى قول غريغ ميلر في صحيفة “واشنطن بوست” أن الرئيس “استخف بوكالات الاستخبارات الأميركية، وخرب العلاقات مع الشركاء الأوروبيين، وأضعف سلطة مكتب الرئيس بآلاف الأكاذيب”.
بروني أكد أنه من المستحيل الاستماع إلى تبريرات ترامب لاغتيال سليماني إلا من منظار مبالغاته وأكاذيبه السابقة، وأضاف”من المستحيل أن تثق في المعلومات التي تصدر عنه مستقبلا”.
وفي مفارقة واضحة، قال الكاتب إلى ترامب الذي كان يقاوم التورط العسكري الأميركي في الشرق الأوسط إلى درجة أنه كان يلوم الجمهوريين الذين أدخلونا العراق ولا يأبه للنصائح بالانتقام من إيران قبل الأسبوع الماضي، استهدف سليماني سالكا طريقا كان أسلافه في المكتب البيضاوي يرفضون تبنيه لأنه متطرف جدا.
وسأل بروني:”هل كان تحول ترامب المثير بسبب تطورات حديثة أم نوبة من الغرور؟ نحن دائمًا رهن للوضع النفسي للرئيس، رغبة جورج بوش الإبن في التميز عن أبيه، واستثمار باراك أوباما في هدوئه، ومسرحيات الرجولة التي تريح ترامب، قد تخنقنا”.
وتطرق الكاتب إلى رد ترامب على الصحافيين حين سألوه عن تهديده بقصف المراكز الثقافية في إيران، وقال بروني:”اليوم الذي تكون فيه قدوتنا أمثال حركة “طالبان” و”داعش” هو اليوم الذي يجب علينا فيه إلقاء تمثال الحرية في القمامة والتخلي عن نشيدنا الوطني”.
ودعا الكاتب قائلا:”نرجوك يا رب أن تجعل نظرية الرجل المجنون التي كان يتبناها الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون -التي تقول بأن هالة التهور قد تخيف الأعداء- ذات مصداقية، وإلا فلا ندري إلى أي سيجرنا هذا الرجل المجنون”.
وفي مقاله أورد بروني نقلا عن المحرر المشارك لمجلة “كومنتري” نوح روثمان قوله في وقت سابق:”لم يصرح دونالد ترامب منذ أن أمر يوم الخميس بعملية الاغتيال بتصريح إلا كان غير مساعد أو يأتي بمردود عكسي”، وأشار إلى أن روثمان محافظ، ولا يهاجم ترامب دائما، ودافع عن عملية اغتيال سليماني، وومع ذلك قال في مقال بعنوان “رجل خطير في أوقات عصيبة” إن “أفضل ما يمكن أن يقوله شخص عن تصرفات ترامب المتشنجة هي أنها لن تكون مهمة”.
وأضاف روثمان:”اللحظات العصيبة تحتاج إلى عقول واعية ومنطقية في سدة الحكم، وتصرفات الرئيس إلى الآن لا تبعث على الثقة”، وختم مقاله بالقول “إنها لا تبعث على الثقة أبدا، بل إنها تجعلك ترتجف”.