محمد ملص
منذ ما يقارب الشهرين تقريبا ومع اندلاع الحراك الشعبي، ورغم كل التحركات والاحتجاجات التي حدثت، وما واكبها من قطع للطرق والساحات، الا أن ذلك لم يوصل أبناء الشمال الى مرحلة “الذل” التي عاشوها الجمعة 10 كانون الثاني على الطرقات. تقطيع تام للمفاصل الرئيسية في طرابلس والبداوي وصولاً الى المنية، حيث سُجن المواطنون أكثر من ثلاث ساعات داخل سياراتهم، كل ذلك كرمى عيون الشيخ سعد، وبأمر مباشر من تيار “المستقبل”.
مرة جديدة، تكون فيها طرابلس صندوق بريد سياسي، تلبية لرغبات سياسية بحتة. أمس عادت أساليب اغلاق الطرقات الى الواجهة، الأمر الذي أتى سريعًا بضرورة عودة العصيان الى شوارع طرابلس والبداوي، كان ككلمة سر نفخت في أذن قطاع الطرق بضرورة تضييق الخناق على المواطنين، فعمد العديد من هؤلاء الى قطع الطرقات الداخلية لطرابلس والبداوي عند نقطة الأكومي والتي تمثل عنق الزجاجة لمحافظة عكار والمنية، دون أن يرأف هؤلاء بالمواطنين الذين علقوا لساعات محجوزين بين البداوي والمنية.
المشهد كان كارثياً، آلاف السيارات العالقة على طريق طرابلس البداوي، لا تجد مخرجاً للهروب منه، بعد أن عمد عشرات الشبان الى قطع كافة المداخل والمنافذ، دون أن تجرؤ القوى الأمنية – التي وقفت تتفرج على اذلال الناس ومعاناتهم – على القيام بواجباتها بفتح الطرقات أمام المواطنين، الذين كانوا يتمنون أن يتحمل هؤلاء مسؤوليتهم بفتح الطرق المقطوعة أمام المارة وتأمين حرية التنقل.
يوم أمس، اضطر أصحاب باصات الطلاب وخصوصًا الأطفال إلى ركن باصاتهم على جانب الطريق لايصال التلاميذ إلى بيوتهم سيرا على الأقدام تحت الأمطار دون أن يرف جفن لقطاع الطرق. كذلك فعل المواطنون والموظفون الذين اضطروا إلى قطع مسافات كبيرة سيرًا للوصول الى منازلهم، فيما اضطر آخرون الى العودة من حيث أتوا، ومنهم من قرر المجازفة واجتاز طرقات جبلية وعرة تحتاج الى أضعاف الوقت المطلوب.
لا شك، أن ما يجري في شوارع طرابلس منذ أيام، ليس وليدة صدفة، بل هو بمثابة عقاب للمدينة وأبنائها، مع العلم أن أبناء طرابلس والمنية والبداوي، كانوا قد عمدوا الى تنفيذ اعتصامات عديدة ضد التقنين الكهربائي الذي تعانيه مناطقهم، الا أنه جرى استغلال المطالب من بعض المحازبين المحسوبين على تيار “المستقبل”، فعمدوا للنزول الى الشوارع وقطع الطرقات، وهم غالباً ما يلجأون الى تلك الاساليب عقب كل ارتفاع تشهده أسهم تشكيل الحكومة.
مصادر طرابلسية أكدت لموقع “العهد” الاخباري أن “ما تشهده طرابلس بات معروف الوجهة والأسباب وهو بعيد كل البعد عما جرى منذ شهرين من حراك شعبي كان مركزه ساحة النور فقط، لكن ما يجري اليوم هو شبيه بما سمي “يوم الغضب” وما واكبه من أعمال شغب وتكسير واعتداء على الممتلكات والمحال التجارية في طرابلس ابان تكليف نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة.
ويتابع المصدر: “ما تشهده المدينة اليوم من فوضى، لم تعهدها في ظل جولات العنف العشرين بين التبانة وجبل محسن، ليس سوى ردة فعل على استبعاد الرئيس الحريري من رئاسة الحكومة، وهو بات يعرف أن ما يجري على الطرقات من قبل مناصريه هو بمثابة “انتقام في الشارع” لخلق فوضى عارمة ربما تستدعي اعادة تكليفه من جديد. ويبقى السؤال الاساسي: في حال اعادة تكليف الحريري هل ستختفي هذه المشاهد وتعود الحياة إلى المدينة تدريجيًا؟
العهد الاخباري