تونس ـ روعة قاسم
في كل مرة يزور فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تونس يُقابل باحتجاجات واسعة لاعتبارات عديدة، سابقة ولاحقة لزيارته، فهو في أذهان عدد كبير من التونسيين ذلك الذي يعتدي على سوريا وينهب نفط العراق ويستقبل على أرضه القواعد العسكرية الأمريكية. كما أنه في كل زيارة يثير غضب وحنق التونسيين بأسلوبه المستفزّ في الحديث وعجرفته، ناهيك عن تدخله دون خجل أو وجل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، وبينها ليبيا المشتعلة في الجوار والتي ساهم التدخل التركي فيها مع القوى الأطلسية و الخليجية في زيادة الأوضاع سوءًا.
وللإشارة، فإن عموم التونسيين وكذا وسائل الإعلام المحلية لم يعلموا بزيارة أردوغان إلى بلادهم إلا من وكالة الأنباء التركية وهو يغادر بلاده متجها إلى تونس، الأمر الذي خلّف حالة من الإستياء. كما أن استفزاز أردوغان للحاضرين في الندوة الصحفية التي عقدها بمعية الرئيس التونسي قيس سعيد بقصر قرطاج و تصريحاته لاحقا بأن تونس ستدعم حكومة السراج في حربها مع حفتر وتكذيب الرئاسة التونسية لما ورد على لسان الرئيس التركي، زاد من غضب التونسيين على المستعمر السابق لبلادهم خلال الحقبة العثمانية المريرة.
وقفة احتجاجية
وتشهد تونس اليوم وقفة احتجاجية أمام السفارة التركية تنديدا بتدخل أردوغان في ليبيا والعراق وسوريا وقدومه إلى تونس دون خجل للحديث عن الملف عن الليبي، وكأنه صاحب الشأن في هذا البلد المجاور الذي تربط شعبه بالشعب التونسي علاقات متينة. حتى أن البعض عاب على الرئيس قيس سعيد عدم رفضه التعاطي مع الرئيس التركي حول الشأن الليبي باعتبار أن الخوض فيه يكون مع الليبيين دون سواهم فهم أصحاب الشأن.
كما أن الوقفة ستندّد بكذب أردوغان ومحاولته توريط تونس في سياسة المحاور بعد أن صرح بأن تونس ستدعم حكومة السراح وتصطف في ليبيا مع طرف ضدّ طرف آخر، في وقت لا يبدو فيه أن أيا من الطرفين يستحق الدعم، فكلاهما يدينان بالولاء إلى الخارج، كما أن السياسة الخارجية التونسية دأبت على عدم الإنخراط في المحاور وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول باستثناء الأخطاء التي حصلت في عهد الترويكا بقيادة حركة النهضة وعهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.
الإتحاد يحسم
وفي هذا السياق، أصدر الإتحاد العام التونسي للشغل بيانًا منددًا بزيارة أردوغان وما تضمنته. وجاء في هذا البيان أن ليبيا تعيش منذ ما يزيد عن 7 سنوات على وقع حرب أهلية يتقاتل فيها الإخوة وترتع الميليشيات والدواعش وأمراء الحرب وتخطّط فيها مخابرات الدول لحرب بالوكالة للاستفراد بالسيطرة على مقدّرات الشعب الليبي وثرواته وخاصّة منها النفطية والغازية.
وبناء على ذلك، أدان الإتحاد الحرب الدائرة في ليبيا التي لم تخلّف غير الدمار والتقتيل والخراب، وندّد بالتدخّلات الأجنبية في الشأن الليبي وحذّر من دعوات الحرب التي أصبحت بعض الدول تدقّ طبولها. واعتبر حلّ الخلافات الليبية لا يكون إلاّ داخليّا وبعيدا عن تدخّل الدول الأجنبية التي لا تخدم غير مصالحها، وشدّد على أنّ السياسة الخارجية التونسية يجب أن تحتلّ فيها مصلحة البلاد المحلّ الأرفع مع احترام حقّ الأخوّة والجيرة ورفض التورّط في الأحلاف الدولية المشبوهة مهما كان غطاؤها.
ورأى الإتحاد أن دول الجوار أولى بالوساطة لوقف هذه الحرب التي وصفها بـ”القذرة”، ودعا إلى التنسيق معهم للمساعدة على إيجاد حلّ ليبي لإنهاء الاقتتال بينهم. وأهاب بالسلطات جميعا لرفع حالة اليقظة والحذر، للحيلولة دون تحويل تونس الى ممرّ للأسلحة ومعبرا للدواعش نحو ليبيا أو ملاذ لهم، وعبّر عن ثقته التامة في المؤسستين الأمنية والعسكرية التونسييتين لحماية تراب تونس وسيادتها.
بيانات مندّدة
كما طالبت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان السلطات التونسية بعدم الإنخراط في أي عمل حربي في ليبيا والنأي بتونس عن كل التوترات الدولية العنيفة. ونددت بالتدخل التركي في الشؤون الداخلية للدول وطالبتها بالكفّ عن انتهاك السيادة الليبية وكبح جماح أطماعها في ثروات الشعوب، واعتبرت أن كل تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للدول هو عمل إجرامي.
وعبرت حركة الشعب ذات التوجهات القومية العربية عن رفضها لتصريحات أردوغان حول ليبيا واعتبرت أن أي تدخل عسكري دعما للجماعات الإرهابية يمثل تهديدا لأمن تونس. وكان لهذه الحركة موقف صريح وواضح بشأن الإتفاق التركي الليبي وصمت الجهات الرسمية التونسية بشأنه وهي المرشحة أي حركة الشعب لتكون شريكا في الحكومة القادمة.
كما أصدرت حركة مشروع تونس التي يرأسها محسن مرزوق بيانا حذّرت فيه من توريط تونس في المحور التركي في الحرب في ليبيا ومن مغبة إستعمال تونس كمنصة لإعلان الحرب على الجيش الليبي المرابط حول طرابلس انطلاقا من تونس.
كذلك أصدر الحزب الدستوري الحر الذي تتزعمه النائبة عبير موسي بيانا طالب فيه رئاسة الجمهورية بتوضيحات حول هذه الزيارة الغامضة.