في تقرير لمراسلة صحيفة “إندبندنت” بيل ترو عن الوضع في غزة والحياة فيها، تحدثت فيه عن اقتراب الموعد الذي حدده تقرير للأمم المتحدة عام 2015 وتوقعت فيه عدم صلاحية القطاع للحياة بحلول عام 2022. وقالت فيه إن المنطقة لم تعد قنبلة موقوتة فحسب بل تعاني من انفجار بطيء.
وقالت إنه على بعد ساعة بالسيارة فقط من تل أبيب يقع القطاع وعرضه ثمانية أميال من الأرض الملوثة ويحاصر فيه مليوني إنسان منذ أكثر من عقد.
وقالت إن الرحلة الى غزة مثيرة للحنق: “ففي جانب من الجدار العازل هناك بارات السوشي، ومراكز التسوق والشواطئ والشوارع السريعة وفي الجانب الآخر شوارع ترابية تتلوى خلال مناطق مدمرة تشرف عليها أبراج المراقبة الإسرائيلية. وتنتهي تلك الطرق إلى بحر، متعذر البلوغ إليه أيضا”.
الحقيقة هي أن غزة أصبحت غير صالحة للعيش منذ زمن، فغزة ليست قنبلة موقوتة إنما هي انفجار يتحرك ببطء”.
وكانت الأمم المتحدة قد تنبأت قبل خمس سنوات غزة ستصبح غير صالحة للعيش مع حلول 2020 لو لم تتحسن الحياة فيها. وتم ترديد هذا التحذير إلى حد الملل بينما اقترب الموعد.
وتعلق الكاتبة “الحقيقة هي أن غزة أصبحت غير صالحة للعيش منذ زمن، فغزة ليست قنبلة موقوتة إنما هي انفجار يتحرك ببطء”.
وتحاصر قطاع غزة كل من إسرائيل ومصر منذ عام 2007، بعد ان استولت حماس على السلطة على مدى العشر سنوات الماضية. وخاض الجناح العسكري في حماس مع المجموعات المتحالفة مثل الجهاد الإسلامي ثلاث حروب مع إسرائيل وهو ما يقول الإسرائيليون إنه يبرر استمرار الحصار.
وأصبح اسم غزة مترادفا مع البؤس الذي تسبب به الحصار لدرجة أن الناس ينسون أنه مر وقت كان الإسرائيليون يذهبون بسياراتهم هناك لتناول الغداء ويسافر الغزيون لإسرائيل للعمل.
وكانت الأمور سيئة لفترة ولكنها أصبحت أسوأ على مدى العام ونصف الماضي حيث ظهر نوع جديد من الطوارئ.
فمنذ آذار (مارس) العام الماضي، قام آلاف الفلسطينيين بالتظاهر أما الجدار الفاصل مطالبين بالعودة إلى أراضي الأجداد التي أخرجوا منها بالقوة أو فروا منها خلال الصراع الذي صاحب قيام دولة إسرائيل عام 1948.
وقام الجيش الإسرائيلي بقتل 300 شخص من غزة خلال هذه المظاهرات وجرحت 35000 آخرين بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية. ويدافع الإسرائيليون، الذين يتوقع أن تقوم محكمة الجنايات الدولية بالتحقيق في أفعالهم، عن أنفسهم بالقول إن المشاركين في المظاهرات يشكلون خطرا على حياة الإسرائيليين بإلقاء متفجرات وقنابل حارقة من فوق الجدار العازل (حيث تم حرق كيلومترات من الأراضي الإسرائيلية بقنابل حارقة مربوطة ببالونات).
ومهما كان الامر فقد خسر 150 فلسطينيا أطرافا ويتوقع أن يفقد 200 آخرين أطرافا على مدى السنوات القليلة القادمة. ويقول المسؤولون في الصحة إنه ليس لديهم 68 مليون دولار يحتاجونها لمعالجة المصابين بجراح خطرة. وليس في غزة مركز للأطراف الصناعية. ولذلك فإن المصابين بإصابات بليغة يضطرون للسفر خارج غزة للعلاج، وتراجعت تصاريح العلاج في الخارج التي تصدرها إسرائيل من 92% عام 2012 إلى أقل من 60% اليوم بحسب منظمة الصحة العالمية.
وفي بداية المظاهرات منحت تصاريح لـ 18% فقط من الذين يصابون خلال تلك المظاهرات-وهو ما يحتمل انه تسبب بمزيد من عمليات قطع الأطراف.
وتسببت الإصابات التي عانى منها الفلسطينيون خلال المظاهرات إلى انهيار النظام الصحي في القطاع. وكل أسبوع هناك اعداد جديدة من المصابين يدخلون المستشفيات مما يضطرها إلى تفريغ المزيد من الأسرة في العنابر وإلغاء عمليات جراحية كانت مقررة (فهناك 9000 شخص ينتظرون أن تجرى لهم عمليات جراحية ليست طارئة). كما تستنفذ المستشفيات مخزونها من الأدوية (وتفتقر المستشفيات في غزة إلى 50% من الأدوية الضرورية التي تحتاجها). ومع أن منظمي المظاهرات قالوا إن المظاهرات ستصبح شهرية بدل أسبوعية، إلا أن الضرر قد تحقق.
هذه الأزمة الصحية يضاف إليها أنه غادر القطاع مئات العمال في القطاع الصحي بينما تم تقليص رواتب من بقي منهم إلى النصف، لأن السلطة وحماس لم تستطيعا دفع رواتبهم كاملة.
ولا تتوقف مشاكل غزة الصحية على الإصابات النابعة من تظاهرات الحدود، بل وعانى مرضى السرطان هذا العام من نقص حاد في الأدوية حيث لم يتوفر 63% من الأدوية التي يحتاجها هؤلاء المرضى. ويفاقم الأزمة عدم وجود هناك جهاز علاج اشعاعي للسرطان في غزة.
وبحسب آخر الدراسات من منظمات مثل سلطة المياه الفلسطينية ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة ايكوبيس فإن حوالي 97% من مياه غزة غير صالحة للشرب، فيما يعتبر المصدر الطبيعي الوحيد لمياه الشرب في غزة هو المياه الجوفية. ويتم استخدامها بدرجة كبيرة جدا بحيث أنها على وشك الانتهاء.
وقامت غزة حديثا ببناء ثلاث محطات تحلية صغيرة وهي ليست كافية لتوفير المياه النظيفة للقطاع. ويتم انشاء محطات تحلية أكبر ولكن تتعطل المشاريع بسبب نقص الطاقة وقطع الغيار والتمويل الكافي لإنهاء هذه المشاريع ثم تشغيلها.
وقال باحث لسلطة المياه الفلسطينية بأنه حتى لو استطاعت غزة انتاج المياه النظيفة فإن شبكة المياه وخزاناتها مليئة بالأمراض مما يعني أن الناس سيحصلون على مياه قذرة.
وحصل تحسن بسيط في مجال توفر الطاقة الكهربائية، العام الماضي، إلا أن المشاكل كبيرة: فمحطات معالجة الصرف الصحي مثلا لا تزال لا تعمل بشكل صحيح، مما يجعل نصف شواطئ غزة ملوثة وغير صالحة للاستخدام. وارتفعت البطالة بين الشباب إلى 70%، بينما لم تأخذ أزمة في الصحة النفسية حقها في البحث.
والمعجزة أن غزة لا تزال تتهادى بمساعدة من المنظمات الإنسانية. و”قال لي بعض المسؤولين في منظمة الصحة العالمية إن الشيء الوحيد الذي يمنع انتشار أوبئة في غزة هو كونها أحد أكثر مناطق العالم تغطية في اللقاحات. فلو كان هناك عدد قليل من حالات الكوليرا مثلا لتسببت بسقوط سكان غزة كقطع الدومينو”.
وتختم بالقول: “يجب عدم فهم تحمل سكان غزة المبهر لهذه الظروف الصعبة على أنه إثبات بأن غزة صالحة للعيش. فإن الوضع لا يمكن الاستمرار به ويجب إيجاد حل”.