نيويورك تايمز: الغارات على السعودية غيرت حسابات دول المنطقة.. صدمت أبو ظبي والرياض وكشفت حقيقة ترامب

قال المعلق في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان إن الهجمات الإيرانية على منشآت النفط السعودية كشفت عن مكامن الضعف في المنطقة.

وفي مقاله تحدث عن الطريقة التي تقوم بها إيران والرئيس دونالد ترامب بهز الشرق الأوسط. وانتقد الكاتب ما يراه نفاق الجمهوريين الذين جن جنون قيادتهم على خيانة الرئيس ترامب للأكراد، ولكنهم تجاهلوا خيانة الرئيس للدستور الأمريكي، فلو “كان ليندزي غراهام وشلته لديهم الرغبة للدفاع عن الديمقراطية الأمريكية بقدر حرصهم على الدفاع عن الأكراد، فعندها سأغير الموضوع”.
ويضيف: “فمن يرى أن سحب القوات الأمريكية من سوريا سيزيد من اشتعال المنطقة محق في رأيه مع أن هناك الكثير من الأمور التي تزيد من اشتعاله، والقصة الحقيقية ليست عن سحب القوات الأمريكية التي كان وجودها معطلا للجهود الإيرانية لبناء ممر بري من طهران إلى البحر المتوسط، بل الحرب السرية بينها وإسرائيل التي ستخرج للعلن جراء قرار ترامب الأخير”.

ويتحدث الكاتب عن الأرضية التي قادت إلى إعادة حلفاء أمريكا في المنطقة للنظر في أولوياتهم. ففي الساعات الأولى من صباح 14 أيلول/ سبتمبر، أطلق سلاح الجو الإيراني 20 طائرة مسيرة وصاروخا باتجاه واحد من حقول النفط السعودية ومنشأة أخرى لتكريره. وحلقت الطائرات والصواريخ على علو منخفض وبقوة بحيث لم يستطع لا الرادار الأمريكي ولا السعودي اكتشافها.

ولا يرى الكاتب مبالغة في وصف بعض الإستراتيجيين الإسرائيليين العملية بأنها “بيرل هاربر” الشرق الأوسط. فأيا كان الشخص الذي جاء بهذه الفكرة حصل على زيادة في الراتب، ولم يكن هذا العمل الجريء ليحدث بطريقة كهذه لأنه أدى إلى حالة من الهلع في العواصم العربية وإسرائيل وأدى إلى ارتفاع صوت تسمعه دائما عندما تخطئ الطريق من المساعد الآلي “حسبة جديدة، حسبة جديدة، حسبة جديدة”. فكل دولة في الشرق الأوسط تقوم بإعادة النظر في إستراتيجيتها الأمنية بدءا من إسرائيل.

وبحسب صحيفة “هآرتس”، “تم استخدام 20 صاروخا وطائرة مسيرة في الهجوم”، و”يظهر حطام الطائرات المسيرة الذي اكتشفه السعوديون أن الإيرانيين يصنعون ويديرون طائرة مسيرة متقدمة، بمحركات نفاثة وقدرات صلبة، وهم ليسوا أقل من إسرائيل في هذا المجال. وضرب 17 موقعا بطريقة مباشرة جراء هذا القصف. وبالنظر إلى حطام 20 مقذوفة وجدت، تكشف عن نسبة 85% نجاح، مما يشير لقدرات عالية ومصداقية في التكنولوجيا التي استخدمت”.

كما أن الصور التي نشرت بعد العملية تظهر أيضا “الدقة التي تم تحقيقها في الهجوم، فكل حاوية نفط كروية في الصورة ضربت في الوسط. وتكشف الصور أن دقة الهجوم هي بمدى متر واحد. وأظهر الإيرانيون أو جماعاتهم الوكيلة أنهم يستطيعون ضرب أهداف مباشرة وبدقة عالية من على بعد مئات الكيلومترات. وعلينا قبول الحقيقة وهي أن هذه (المنشآت) عرضة للغارات”.
والنتيجة من هذا الهجوم كما تقول الصحيفة: “يجب وقف العمليات في مفاعل ديمونة لأنه ليس بعيدا عن الخطر، والضرر الذي سيحدث منه يتفوق على المنافع منه”.
ويعلق فريدمان أن هذا الحديث من إسرائيل جاء رغم كونها لم تكن هدفا للهجمات، وهو عمل جيد قامت به إيران. ولو تحولنا إلى العالم العربي فسنرى أن السعودية والإمارات عانتا من صدمة مزدوجة من الهجوم الإيراني. فقد كشف عن دقة إيران في التهديف ونزعة ترامب الانعزالية.
ويعلق فريدمان ساخرا: “كان حمّاما باردا تلقاه السعوديون الذين اتصلوا بواشنطن لمناقشة ما تخطط له الولايات المتحدة من رد إستراتيجي، ليكتشفوا أن الرئيس ترامب كان مشغولا بالبحث عن رقم الهاتف النقال للرئيس الإيراني حسن روحاني، والبحث إن كان الأخير مستعدا لعقد صفقة معه كتلك التي عقدها مع ديكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ- أون: أعطني مصافحة وصورة وعندها يمكن أن نتعاون”. ولو ترجمنا مواقف الرئيس إلى العربية، فقد كان ترامب يقول لقادة دول الخليج: “نسيت أن أخبركم أنني مهتم فقط ببيعكم أسلحتنا لا استخدامها للدفاع عنكم، ولكن لا تنسوا النزول في فندقي المرة التالية التي ستحلون فيها ضيوفا على واشنطن، ومكاتب الحجز مفتوحة”.

وفهم السعوديون والإماراتيون الرسالة، وانشغلوا مثل ترامب بالبحث عن رقم هاتف الزعيم الإيراني وهاتف أمير قطر أيضا، المؤيد لإيران، فقد حان الوقت لتصحيح الأمر مع كل الجيران.

ويقول فريدمان إن هذا الوضع قاد إلى تمزق تحالف أمريكا – السنة العرب – إسرائيل المعادي لإيران، وأصبحت فيه إسرائيل وحيدة تشعر بأن عليها مواجهة إيران ووكلائها في سوريا والعراق ولبنان، لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بيبي نتنياهو شرب جرعة مزدوجة من واقع ترامب. فبعد أداء حزبه الفقير في الانتخابات الإسرائيلية فهم بيبي أن ترامب لا يحب الخاسرين. فعندما سئل عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية قال ترامب ببرود بأنه لم يتحدث مع نتنياهو، وقال: “علاقتنا هي مع إسرائيل” وفي حالة ترجمة كلامه إلى العبرية: “بيبي؟ بيبي؟ عرفت يوما محل أطعمة مشهية في ليكسنتغون وشارع 55 اسمه بيبي”.
وبعد الهجوم الإيراني على السعودية أعلن ترامب أنه “بالتأكيد يريد تجنب الحرب”، ومرة ثانية لو ترجمنا كلامه إلى العبرية: “أمريكا سعيدة بالحفاظ على العقوبات ضد إيران ولكنها لن تشارك إسرائيل أو العرب السنة لتغيير النظام هناك أو تدمير القدرات العسكرية الإيرانية”.
ويعتقد فريدمان أن نتنياهو أساء قراءة عقلية ترامب: “نحن نعوم على بحر من النفط والغاز ولن نخوض حروب الآخرين في الشرق الأوسط”. وقد فهم الإيرانيون الذين ليست لديهم سفارة في واشنطن عقلية ترامب أحسن من حلفائه بالمنطقة.

وفي الوقت الذي يمكن لدول الخليج العربية العثور على طرق لشراء الإيرانيين وكفّ أذاهم، لا تفعل إسرائيل ذلك، ولديها مشكلة حقيقية مع إيران. فالنظام الإيراني بشع، وحرمت طبقة رجال الدين الحاكمة جيلين من الشباب الإيراني من الحرية ووسائل اكتشاف إمكانياتهم، ولهذا السبب تعاني إيران من هجرة العقول وانتشار المخدرات.

وكما لاحظ كريم ساجدبور من وقفية كارنيغي، فإيران تطمح لأن تكون مثل كوريا الجنوبية ولديها الإمكانيات، إلا أن طبقة رجال الدين المتشددة تفضل حكم البلاد على طريقة كوريا الشمالية. ولهذا يحتاج الحرس الثوري لحروب مستمرة مع أمريكا وإسرائيل لتبرير القمع الداخلي. ولكن إيران تظل وريثة حضارة عظيمة، وحتى مع هجرة العقول لديها مواهب علمية.

وتحاول إيران إقامة شبه طوق حول إسرائيل بميليشيات مثل حزب الله وفي سوريا وغرب العراق مسلحة بأسلحة دقيقة. وفي عام 2006 أطلق حزب الله صواريخ محدودة المدى على شمال إسرائيل على أمل تدمير هدف واحد في إسرائيل كما فعلت حماس في غزة. ولكن إيران ومنذ عام 2016 تقوم بنقل معدات إلى حزب الله لتحويل القنابل الغبية إلى صواريخ دقيقة، مثل تلك التي خرقت المنشآت النفطية السعودية.

ولا يعرف كم عدد الصواريخ التي يملكها حزب الله، ولو كان لديه 150 صاروخا دقيقا فبإمكانه ضرب كل المنشآت الحيوية الإسرائيلية، بما فيها الموانئ والمطارات والمفاعل النووي ومصانع الكمبيوتر وشبكات الإنترنت ويمكنه شل إسرائيل.

وفي ضوء هذا أرسلت إسرائيل تحذيرين لحزب الله وإيران: الأول، أنها ستقوم بقصف “سجّادي” للأحياء في لبنان حيث تعيش عائلات حزب الله وستحولها إلى أنقاض وستجعل من اقتصاد لبنان جزءا من الأضرار الجانبية. أما التحذير الثاني فستضرب إسرائيل إيران مباشرة إما عبر صواريخ طويلة المدى أو من غواصات في الخليج، والرسالة: “في كل مرة تضرب جماعاتكم تل أبيب فسنضرب طهران، ولن نقف متفرجين ولن تكون أجنّ منا”.

وقد يبدو الشرق الأوسط هادئا في الوقت الحالي ولكنه وهم، فكل طرف فيه يعيد حساباته: الإيرانيون يشعرون بالجرأة والعرب بالخوف وإسرائيل وإيران تتجنبان ارتكاب خطأ من خلال صاروخ دقيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *