هكذا تتوزع الخريطة السياسية الإقليمية بعد انسحاب الأميركيين

لم يأت تصريح الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ بشأن مغادرة الإقليم من فراغ. سبق ومارس خطوات سياسية أوحت بأنّ واشنطن ستتخلّى عن هذه المنطقة المشتعلة. هو وعد ناخبيه ونفذ وعوده، رغم معارضة “الدولة العميقة” لهذا الخيار الترامبي. سيكون للإنسحاب تداعيات داخل ​الولايات المتحدة​ في نزاع مفتوح بين ​البيت الأبيض​ و”الصقور”، إنطلاقاً من قرار ترامب طي صفحات الحروب التقليدية التي إعتمدها الأميركيون طيلة العقود الماضية، وهذه المرة الى الأبد.

وبذلك يكسر الرئيس الأميركي التراث السياسي والعسكري للولايات المتحدة. لكن مضمون كلام ترامب يوحي للأميركيين أنه يتخذ قرار الخروج من مساحات مشتعلة إستنزفت الخزينة والجيش والطاقات الأميركية في حروب لا جدوى منها. هو رمى كرة النار في ملاعب غير الأميركيين، وسيتفرّج على حرائق موجعة من دون تدخل، كتكرار لمشهد الحرب العالمية التي أنهكت الدول الأوروبية والروس ودول الإقليم وغيرها. أتت هذه الجملة معبّرة: “على ​أوروبا​ و​روسيا​​ و​سوريا​ و​​إيران​​ و​​العراق​​ و​الأكراد​ تسوية الوضع في سوريا، وعلى الأتراك والأكراد حل الوضع فيما بينهم بعد انسحابنا”. مما يؤكد أنه يقول للأميركيين: تفرّجوا.
ستكون ​السعودية​ مضطرة الى عقد تحالف مع إحدى القوى الإقليمية: إيران، او ​تركيا​، أو ​إسرائيل​، من دون ان يتضح أفق الحلف المرتقب، أو طبيعة الصراع الذي سيستولده. في حال قرر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مصالحة ​ايران​، فسيضطر الى التنازل في ​اليمن​ والعراق و​لبنان وسوريا​. وهو امر واقع عمليا، بإستثناء مجريات الساحة اليمنية.
وفي حال تحالفت الرياض مع انقره، سيكون على أحد الزعيمين: بن سلمان أو الرئيس التركي ​رجب طيب اردوغان​ التسليم للآخر لقيادة العالم الاسلامي السنّي. لكن طموحات اردوغان تفرض طرح نفسه وبلاده في صدارة المشهد الإسلامي، خصوصا انه يتمتع بقدرات ذاتية وجغرافية وتحالفات مع ايران وروسيا تعزز من دوره.
اما الخيار الصعب الذي سيضع الرياض على فوهة البركان فهو التحالف مع تل أبيب، وهو ما لا يستسيغه السعوديون لإعتبارات دينية وسياسية، رغم محاولة الإسرائيليين جذب المملكة لتحالف متين بين تل أبيب والرياض.
لكن، هناك من يقول ان امام بن سلمان الخيار الأسهل والأسلم وهو الانكفاء داخل المملكة، والعمل على تطوير رؤيته الإقتصادية التي رفعها عنوانا للمرحلة، بعد اجراء مصالحات تاريخية مع كل دول الإقليم.
واذا كانت سوريا تترقب انسحاب الأميركيين من أراضيها للقيام بخطوات سياسية وعسكرية، فهي ستواجه عقبات التمدد التركي الذي وصل شمالا الى حدود التتريك في الثقافة والتعليم والاقتصاد. ستنتظر دمشق هرولة القوى الكردية نحوها. سترحّب، لكن هل يتفق الكرد على القيام بمصالحة شاملة مع دمشق؟ هناك فصيل كردي-إيراني يقاتل في سوريا بهدف تأسيس كردستان، لا يريد اعادة الانتظام للعلاقات مع الشام. كما ان هناك فرضية سورية تفيد بأن التفرج هو الأفضل في حرب كردية-تركية ستستنزف الفريقين طويلاً في شمال سوريا. لكن الخطر يكمن في عودة “داعش” الى تنظيم صفوفه في شرق سوريا ووسط العراق، كما يعتقد الأميركيون. بحسب الدراسات الأميركية: يوجد من ١٤ الى ١٨ الف مقاتل داعشي بين العراق وسوريا.
كل ما يهم السوريون الآن هو إدلب. سيدخل الاتراك بمعارك ضد الكرد، ويتدخل الحيش السوري لحسم معركتها في الوقت ذاته. يبدو ان القرار متخذ بإنتظار تنفيذ القرار الأميركي بالإنسحاب من سوريا.
واذا كان الروس والأتراك والايرانيون قادرون على التفاهم إقليميا، فإنّ رمي ترامب كرة النار في ملاعبهم سيخلق بلبلة واسعة. فلننتظر ماذا ستحمل معها؟ لا احد بمقدوره حسم الإتجاهات حتى الآن. لكن هناك دلائل تجعل الباحث الدولي البروفسور عماد شعيبي متفائلاً بقوله: هناك مستتبعات تنطلق من وضع “الدولة العميقة” أمام استحقاق ترك الناتو وحيداً، الى تلزيم روسيا بتركيا وتركهما يتناطحان، ولتقلّم روسيا أظافر تركيا بالمصالح والانتهاء من الحرب في سوريا تمهيداً لمنطقة مستقرة لانتاج الغاز وترك ملف “داعش” لموسكو ودمشق.النشرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *