فايننشال تايمز: حركة الإخوان تبحث عن دور وسط حملة قمع متزايدة

نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا لمراسلها أندرو إنغلاند أعده من اسطنبول تحدث فيه عن وضع جماعة الإخوان المسلمين “المحطمة التي تحاول البحث عن دور”.

ففي الوقت الذي تلقي فيه الحكومة المصرية اللوم على الجماعة وتتهمهما بالتحريض على الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها مصر إلا أن هناك قلة تعتقد أن الجماعة لديها التأثير لكي تهدد النظام.

وأشار في البداية إلى نغمة الرئيس عبد الفتاح السيسي المعروفة وهي التحذير من “حركة الإسلام السياسي التي تتطلع إلى السلطة” كما قال أثناء اجتماعه مع الرئيس دونالد ترامب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع الماضي، مضيفا “لكنني أريد التأكيد لكم خاصة في مصر أن الرأي العام يرفض ذلك النوع من الإسلام السياسي”.

ويعلق الكاتب إن الرئيس السيسي لخص في كلمتين السرد الذي أمن صعوده إلى السلطة وعلم سنواته الست في الحكم وهو أن جماعة الإخوان المسلمين تمثل التهديد الاكبر على مصر، الدولة العربية الأولى تعدادا للسكان وأنه الرجل القادر على توفير الاقتصاد.

ولم يكن هناك على ما يبدو أية علاقة بالإخوان في التظاهرات الأخيرة التي خرجت بطريقة عفوية احتجاجا على الظروف الاقتصادية والفساد الحكومي. وكان الحافز الأساسي لها هي سلسلة من أفلام الفيديو التي وضعها شخص غير معروف عمل مقاولا في الجيش وممثلا غير متفرغ اسمه محمد علي، زعم أن الجيش لم يدفع له ملايين الجنيهات لقاء تعهدات قام بها من أجل الجيش. ويبدو علي (45 عاما) شخصية مضادة لما يدعو إليه الإسلام السياسي من تقوى وزهد. وأثارت الأشرطة التي كشفت عن قصور السيسي غضب الشارع تحديدا، إلا أنه كان من المحتوم قيام السيسي باتهام الإخوان المسلمين بالتحريض باعتبارها بعبعا مفيدا للسيسي كي يبرر الإجراءات القمعية التي قام بها.

وقام النظام منذ بداية الاحتجاجات بحملة اعتقالات طالت ألفي شخص، منهم شخصيات بارزة وناشطين في مجال حقوق الإنسان. فمنذ الإطاحة بمحمد مرسي، عضو جماعة الإخوان المسلمين الذي أصبح أول رئيس مصري منتخب، صار عمل السيسي الأول هو ملاحقة الجماعة وسحقها بدون رحمة، وفي الوقت ذاته قدم نفسه للغرب على أنه حاجز ضد التطرف. وأدى هذا لإضعاف الحركة وتقسيمها، وهي الجماعة السرية التي طالما قدمت نفسها على أنها أهم حركة غير دولة مؤثرة في العالم العربي وطورت شبكة دولية لها وألهمت جماعات مثل حركة حماس الفلسطينية. وتم سجن آلاف من عناصرها في مصر وتجميد أرصدة الجماعة وإغلاق أعمالها فيما تهشمت بنيتها التنظيمية. ومع أن الحركة واجهت منذ إنشائها عام 1928 عدوانية من الحكام المستبدين الذين خافوا من تأثيرها على القطاعات المحافظة في المجتمعات الإسلامية وتهديدها على حكمهم. إلا أن الفترة المضطربة في الحكم وهبوطها السريع من السلطة أدت كما يقول وضاح خنفر، مؤسس منبر الشرق للأبحاث “حفز تفكيرا جديدا” وأدى لنقاش حول ضرورة تبني الحركات الإسلامية “مدخلا قيميا وسطيا” مثل الديمقراطية المسيحية في أوروبا بدلا من التركيز على النهج الديني.
وقال خنفر “لو جلست الآن مع أي عنصر في جماعة الإخوان المسلمين فإنهم يحاولون البحث عن مخرج، ملايين الأسئلة تتعلق بنظرية الإسلام السياسي ولكن بدون أجوبة”، وأضاف “مضى على إنشاء حسن البنا الحركة مئة عام، فهل من الصواب تبني مفهوم يطلق عليه الإسلام السياسي”. ومع سجن النظام المصري القادة المؤثرين للحركة أصبحت تعتمد على عدد من القيادات الكبيرة في العمر، مثل إبراهيم منير، نائب المرشد العام والذي يعمل من مكتب صغير في مبنى غير مستخدم بشمال- غرب لندن ومحمود حسين الأمين العام الذي بحث عن ملجأ في تركيا.

وقال منير قبل اندلاع التظاهرات الأخيرة أن جماعة الإخوان لا تزال الجماعة الوحيدة في مصر ذات القوة للمشاركة في النشاطات السياسية. إلا أن الرجل الثمانيني والذي يتحدث بصوت خافت ويعيش في المنفى بلندن منذ عام 1979 اعترف أن تركيز الحركة الآن هو “الحفاظ على الفكرة حية” و “أثبتنا أننا وقفنا بجسارة ضد هذا العدوان فقد انتصرنا” و “قد ثبتت صحة هذا فنحن لا نزال موجودين ونواجه كل التحديات ولكننا صمدنا”. وحاولت القنوات التلفازية المؤيدة للإخوان المسلمين في تركيا ومنصات التواصل الإجتماعي الدخول في الإحتجاجات الأخيرة في مصر إلا أن المحللين يشكون في قدرة الحركة المشتتة على الحشد كما كانت في عز قوتها قبل سبعة أعوام. فبعد نهاية ثلاثين عاما من حكم مبارك عام 2011 برزت الحركة كقوة رئيسية في البلاد التي بدأت تجربتها الديمقراطية.

وفازت الجماعة بمعظم مقاعد البرلمان ووصل مرسي إلى الرئاسة ولكن بهامش قليل مما منح الحركة مذاق السلطة ولأول مرة في تاريخها. ولكن رئاسته أثارت الخلاف وواجه حكمه مقاومة من مؤسسات الدولة التي تعودت على النظر للحركة كتهديد. ولكنه فشل في بناء تحالف مع قوى المعارضة الخائفة من الثورة المضادة. وكان قراره استخدام سلطاته الدستورية التي وحدت كل القوى المعادية للإسلاميين، من الشبان العلمانيين الذين كانوا في مقدمة تظاهرات عام 2011 إلى بقايا النظام السابق. ومع انقلاب السيسي الذي اختاره مرسي وزيرا للدفاع تظاهرت أعداد كبيرة ضد مرسي. وفرض السيسي نظاما قمعيا لم تشهد مصر مثله منذ جمال عبد الناصر في الخمسينات من القرن، واستهدف الإسلاميين والعلمانيين على حد سواء. وتم تصنيف حركة الإخوان بالإرهابية عام 2013 وحث السيسي ترامب على عمل نفس الشيء.

ونبذت الحركة العنف إلا أن بعض الجماعات التي انشقت عنها قامت بعمليات ضد النظام. وعندما مات مرسي في قاعة المحكمة في حزيران/يونيو لم يتجرأ عناصر الحركة بالتعبير عن تعاطفهم لأن أي تحرك سيؤدي إلى السجن.

ونبذت الحركة العنف إلا أن بعض الجماعات التي انشقت عنها قامت بعمليات ضد النظام. وعندما مات مرسي في قاعة المحكمة في حزيران/يونيو لم يتجرأ عناصر الحركة بالتعبير عن تعاطفهم لأن أي تحرك سيؤدي إلى السجن.

ويقول فيكتور ويلي، مؤلف كتاب سيصدر العام المقبل بعنوان “المحنة الثانية 1968 – 2108” إن قيادة الخارج لا سلطة لها على عناصر الحركة في الداخل. ففي الداخل تعمل الحركة كمنظمة مستقلة يديرها 11 شخصا و “ما أسمعه في مصر أنها غير مترابطة وبدون نشاطات تنظيمية أو سلسلة قيادية” و”هناك نقص في التنظيم والرؤية وبدون أجندة سياسية حقيقية”. وفي اسطنبول، حيث يعيش مئات من أعضاء الحركة ومؤيديها ووزراء في حكومة مرسي، هناك بعض الأصوات الناقدة للحركة وقيادتها المصممة على تبني الخط الدوغمائي والرافضة للتعلم من أخطائها. وقال يحيى أحمد، الوزير في حكومة مرسي “في بعض الأحيان يحاول أشخاص في الإخوان المخادعة والقول: نحن أقوياء جدا وباستطاعتنا الإنتصار، لا، كونوا واقعيين مع أنفسكم، لقد تم إضعافنا”. و “ما هي الأخطاء التي يجب علينا التحدث عنها للناس؟ ويجب أن نقول لهم ماذا حدث وما نريد عمله في المستقبل”. واقترح حامد تعلم الحركة من دروس حركة النهضة التونسية التي برزت بعد ثورة عام 2011 وقدمت تنازلات في الحكم وتعاونت مع القوى العلمانية ولم تدفع بالإجندة الإسلامية ولا تزال جزءا من المشهد السياسي التونسي. وتساءل عن موقف الإخوان حال اندلعت ثورة ثانية وهل عليهم العودة بنفس الوجوه والأساليب “بالتأكيد لا، وهذا يعني أننا لم نتعلم منها، وهذا لا علاقة له بكون الإخوان مصيبين أم مخطئين، ولكن عليك موضعة نفسك في المكان الذي تريد أن تحتله في المجتمع، فلو أردت عمل سياسة فافعل كما فعلت النهضة”.

ويقول عمرو دراج، الوزير السابق إنه “استسلم فيما يتعلق بالإخوان كمنظمة” وذلك بسبب الطريقة التي تدار فيها الحركة، وأصبح من أهم الناقدين المقيمين في اسطنبول. ويدعو لعدم الانتظار والتحضير للانتفاضة الثانية مشيرا إلى أن عدم جاهزية الحركة عام 2011 كان “خطأ كبيرا”. وتشير الصحيفة إلى مراجعات أخرى تقوم بها حركات إسلامية أخرى غير الإخوان. ويقول خنفر “كل حركة إسلامية يجلس أعضاؤها معا ويسألون هذه الأسئلة، وهذا نقاش كبير خاصة بين الشباب”،

ويحدث هذا وسط مناخ معاد، فقد وضعت انتفاضات الربيع العربي الإسلام السياسي على صدام مع أنظمة في الإقليم خاصة السعودية والإمارات. وقامت الأنظمة الملكية في الخليج بضخ مليارات الدولارات لدعم نظام السيسي. وتتعامل مع الحركات الإسلامية كتهديد على الاستقرار وحكمها. وبعد التظاهرات الأخيرة كتب أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات تغريدة قال فيها إن محاولات الإخوان تنظيم حملة ضد استقرار مصر فشلت بطريقة بائسة. وتدعم الإمارات خليفة حفتر في ليبيا الذي يقول إنه يشن حملة ضد الإسلاميين، وكذا المجلس العسكري الانتقالي في السودان خشية من استغلال الإسلاميين رحيل عمر البشير. وفي الوقت نفسه لا تزال تركيا وقطر تتعاطفان مع الحركات الإسلامية. ويقول حامد “مع كل الحلفاء الإماراتيين والسعوديين ومصر الذين تدعمهم إسرائيل وترامب يحاول كل شخص التنصل من الإخوان المسلمين”. لكن الحركة واجهت أزمات من قبل وتم سجن آلاف من أفرادها في ظل عبد الناصر في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وأفرج خليفته أنور السادات عن السجناء السياسيين وعاشت الحركة حالة من الإحياء فيما عانت في عهد مبارك من سلسلة من القمع والتسامح. وهناك من يؤمن أنه مهما حدث لبنيتها التنظيمية فتظل الفكرة قائمة والتي تحظى بدعم من القطاعات المحافظة في المجتمعات الإسلامية. ولا يستبعد عودة الإخوان للعب دور حال ساءت الأوضاع الاقتصادية لأن “الأيديولوجية تظل رسالة قوية يتردد صداها بين الكثيرين”. و”لهذا السبب تخشى الكثير من الحكومات العربية الإخوان المسلمين، فهذه الفكرة التي سيمضي عليها مئة عام لا تزال ذات أهمية، ولكنها على المستوى التنظيمي اليوم فلا أهمية لها”. ويبدو أن الحرس القديم يعول على الزمن وأنه في صالحه ولو سنحت الفرصة مرة ثانية فلن يتردد الإخوان على حد قول منير من التغير للتعامل مع التطورات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *