فضيحة الاتصالات.. الرقابة المالية وغيابها عن الدولة في لبنان

تعتبر الرقابة على المال العام من أهم التحديات الحالية والمستقبلية التي تواجه أي دولة. لذلك تسعى الدول لترشيد الموارد المالية عبر إقرار أنظمة وتشريعات تحمي أموال الدولة والشعب. من هذا المنطلق، تهدف الرقابة المالية لتحقيق الصالح العام من خلال المحافظة على الأموال العامة وذلك عبر التحقُّق من مسألتين أساسيتين: أولاً؛ أن إنفاق المال العام قد تم وفق ما هو مُقرر، وثانياً؛ أن الموارد العمومية حُصِّلت بما يكفي واستُخدمت بفعالية.

اليوم، تعتمد الدول الحديثة آليات متطورة للتنظيم الإداري والمالي، بهدف التأكد من مواءمة الإنفاق العام مع سياسات الدولة المالية والتي يجب أن تتوافق مع سياسات تنموية كُبرى تضمن الشفافية والفعالية في الإنفاق وتُحقق بالنتيجة أهداف التنمية المُستدامة. بالنتيجة، لا دولة من دون رقابة مالية. فوظيفة الرقابة أساسية لدعم نظام الدولة وتفعيل الحوكمة وقدرتها على تحقيق العدالة الإجتماعية ما يُساهم في ضمان حقوق المواطنين. وربطاً بالعلاقة بين المواطن والدولة، تُشكل الرقابة المالية أهم مرتكزات السياسة العامة للدولة وهدفاً للنظم المالية الحديثة.

استفحلت ظاهرة الفساد المالي والإداري متعددة المظاهر آخرها فضيحة وزارة الإتصالات وما تضمنته

في لبنان، لا وجود للرقابة في قاموس إدارة الدولة اللبنانية بشكل عام، ولا وجود للرقابة المالية تحديداً. تتحدث التقارير والأرقام عن شرعنة موصوفة للفساد المالي. تقارير عدة صدرت سابقاً عن البنك الدولي شكلت فضائح حول نهب المال العام. لا مجال لذكر كافة التقارير لكن يمكن الإشارة الى أشهرها والذي صدر عام 2012 ونشرته جريدة الأخبار في مقال تحت عنوان “البنك الدولي: مال الدولة سائب!”. تحدث المقال حينها عن نتائج التحقيق المعلوماتي الذي نفذته شركة “أوركيل” بالتعاون مع البنك الدولي في وزراة المال. النتائج أظهرت أن لا رقابة على المال العام في لبنان مُنذ 1994 كما أن النظام المعلوماتي المُعتمد فاقد لمعايير سلامة المعلومات وأمنها وصحتها. حينها لم تكن البلاد تعيش ثورة مكافحة الفساد كما يجري اليوم.

منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، لم يتغير شيء. على العكس استفحلت ظاهرة الفساد المالي والإداري متعددة المظاهر. آخرها فضيحة وزارة الإتصالات وما تضمنته فيما يخص مبنى تاتش والشركات الوهمية التابعة والإنفاق العبثي للمال العام. لا داعي للحديث عن صحة التفاصيل التي غصَّت بها الصحف خلال اليومين الماضيين. ولا داعي للدخول في النقاش حول مرتكزات تأسيس شركة الخليوي ومسؤوليات كلٍ من وزير الإتصالات ووزير المال، وصحة الأرقام المُتداولة. ولا داعي لسؤال الجهات الرقابية كديوان المحاسبة عن آليات التحقق من أن التصرف بالمال العام قد تم في حدود الإعتمادات المقررة ومُسند إلى ترخيص رسمي وعلى ضوء مُستندات صحيحة! أو إذا كان هناك حاجة أصلاً الى هكذا صرف وهل صُرف ضمن قاعدة الفعالية والإستخدام الأفضل للموارد؟ لكن أسئلة كثيرة يجب أن تُطرح اليوم، حول الواقع المُتردي للدولة وآليات الرقابة المُعتمدة لا سيما في ظل واقعٍ إقتصاديٍ يسوء ومحاولات حثيثة لتلميع صورة لبنان الإئتمانية.

فضيحة اليوم المتعلقة بالرقابة ليست الأولى لكنها تأتي ولبنان يعيش تحديات مفصلية. عاد الحديث عن اللاإستقرار وباتت التساؤلات تُطرح بشكلٍ متسارع. تسعى الرقابة المالية للمحافظة على فرص التنمية الإقتصادية. في لبنان لا فرص موجودة أصلاً وكذلك لا رقابة. تُكرِّس الدولة يوماً بعد يوم صورتها الهشة وهو ما يضرب مصداقيتها ويُفقدها ثقة المواطن. في لبنان يجب أن يتعايش المواطن مع سلطة فاقدة للأهلية، وطبقة حاكمة مُرفهة مالياً تُتاجر بأموال الدولة والشعب وتختلف على الحصص بينها وليس على هموم المواطن. في لبنان يجب أن يتعايش المواطن مع الشعور المتزايد باللامساواة. في لبنان مال الدولة والمواطن سائب، ولا أصول للإنفاق ولا رقابة مالية!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *