ليا القزي – صحيفة “الأخبار”
يستغل «مشروع روزانا» (أسسه رجل أوسترالي صهيوني) ضعف القطاع الصحي الفلسطيني والتضييق الذي يتعرّض له، لتسويق التطبيع مع العدو الإسرائيلي، من باب تقديم المساعدات الطبية. انضمت إلى «روزانا» شخصيات عربية – أوسترالية، بهدف جمع التبرعات لـ«روزانا» في عشاء يُنظم في 22 أيار، مع بدء ظهور ممانعة عربية له
سعي العدو الإسرائيلي إلى إيجاد مكان «طبيعي» له في منطقتنا، ليس قائماً حصراً على مجموعة من الجواسيس، ومن السياسيين الملتحقين بالمشاريع الأميركية في المنطقة. حاجة العدو كبيرة، أيضاً، إلى أفراد ومجموعات يسعون إلى «أنسنته»، وتحويل الصراع معه من خلاف عقائدي ووجودي، إلى مُجرّد «وجهة نظر». ميادين «الاختراق» عديدة: الثقافة والسياسة والفنّ… وحتى الطبّ. ففي أوستراليا، اختُرع «مشروع روزانا» الذي يُعرّف عن نفسه بأنّ هدفه «بناء الجسور لتحسين التفاهم بين «إسرائيل» وجيرانها»، من خلال توفير الخدمات الطبية للأطفال الفلسطينيين المُصابين بأمراض خطيرة «في المستشفيات الإسرائيلية» حصراً، وتدريب الأطباء الفلسطينيين في مركز هداسا الطبي (أسّسته المنظمة الصهيونية النسائية الأميركية) في القدس المحتلة. ولهذا المركز توأم اسمه هداسا – أوستراليا، يُعَرَّف عنه على موقع «مشروع روزانا» بأنّه «مركز قومي لليهود، يجمع التبرعات للمستشفى في القدس». في هذا المشروع، يُقدَّم الجزار كطبيب مُعالج لضحاياه. يتعمّد الإسرائيليون قتل المدنيين، والأطفال الفلسطينيين، ويسبّبون مآسي إنسانية لشعب بأكمله، ويعتدون على أراضٍ عربية كثيرة، ورغم ذلك يأتي من «يبتزّ» الفلسطيني بالعلاج الطبي، واضعاً إياه أمام خيارين: إما العلاج لدى عدوك، أو تخسر أولادك وروحك. من الطبيعي أن يلجأ العدّو إلى تحسين صورته، واستخدام عرب ليُسبغ شرعية على عمله. إلا أنّه لا يُمكن تبرير خيار أي عربي في التطبيع مع الإسرائيليين، وتوفير الغطاء لهم لقاء كسب رضى «الغرب» ومؤسساته.
«مشروع روزانا» يحظى بدعم علني من سفارة السلطة الفلسطينية. يُضاف إليها عدد من الشخصيات العربية التي تُشارك في مجالس إدارة «روزانا» في أوستراليا و«إسرائيل» والولايات المتحدة وكندا. يتوزع هؤلاء بين رجال أعمال وأطباء شخصيات عامة. يوم الأربعاء المقبل (22 أيار)، يُنظم «مشروع روزانا» عشاءً «يد بيد» في مدينة سيدني الأوسترالية. الدعوات تُوجّه باسم مؤسس «روزانا» رون رينكل (أوسترالي صهيوني، عاش قرابة تسع سنوات في القدس المحتلة)، وأحد المديرين في المشروع، الطبيب اللبناني جمال ريفي (شقيق الوزير السابق أشرف ريفي).
اختيار الشخصيات راعية العشاء والمشارِكة فيه، حصل «بعناية»، لتظهير «التعاون» العربي – الأوسترالي، وحصر الموضوع في جانبه «الإنساني». لكن المنظمين لا يخفون الهدف السياسي للمشروع. يقول رون رينكل عن الرسميين المشاركين إنّهم «مؤمنون بأنّ الصحة جسر مثالي لبناء تفاهم أفضل بين الإسرائيليين والفلسطينيين… وسنجمع الأموال لمشروع روزانا، وما يتفرّع عنه من برامج». سيرعى العشاء النائب الأوسترالي من أصول لبنانية جهاد ديب (من مدينة طرابلس، سافر إلى أوستراليا وهو يبلغ من العمر عاماً واحداً)، ورجل الأعمال الأوسترالي اليهودي دايفيد غونسكي. أما المتحدثون، فسيكونون الطبيب الفلسطيني أكرم عمرو، والأستاذة الجامعية الإسرائيلية الطبيبة استي غاليلي، والصحافي الأوسترالي هيو ريمينتون.
وجود مُطبِّعين عرب مع «روزانا»، لا يعني غياب الأصوات المعارضة. شخصيات لبنانية وفلسطينية في أوستراليا تحاول إقناع بقية أبناء الجاليات العربية بوجهة نظرهم. ويقول المعارضون إنّ السفير الفلسطيني في كانبيرا، عزت عبد الهادي، من أبرز الداعمين لـ«مشروع روزانا»، وإنه يضغط على المتموّلين العرب من أجل المشاركة في العشاء والتبرّع. وأصدر عبد الهادي في 7 أيار بياناً «دعائياً»، يتحدث فيه عن أهمية «مشروع روزانا»، مُعتبراً إياه مبادرة «تستحق أعلى الثناء على قدرتها الجمع بين الخبرة المهنية، وثبات الهدف الذي تكون فيه قيمة حياة الإنسان هي الأولوية… مشروع روزانا تمكّن من سدّ الفجوات العرقية والدينية». ورأى أنّ من الضروري «استمرار الدعم لمشروع روزانا… فمن الصواب أن يحصل هذا التعاون بين منظمات المجتمع المدني الأوسترالي، ونظيراتها الفلسطينية… هذا يُثبت أنّ التعاون الحقيقي لا يُمكن إلا أن يقوي القطاع الصحي الفلسطيني، كجزء من عملية بناء الدولة المستمرة». إلا أنّ عبد الهادي، كان له في اتصال مع «الأخبار»، موقفٌ مغاير. فقد أكد أنّ السلطة الفلسطينية، ووزارة الصحة المحلية، «لا علاقة لها بهذا المشروع، ولا نرعاه. البرنامج يديره جزء من الجالية اليهودية في أوستراليا». علماً أنّه على موقع المشروع الرسمي، يرد بأنّهم يدينون بالامتنان لعبد الهادي، وبأنّ المشروع يحظى «بتأييد السلطة الفلسطينية تأييداً تاماً». ينفي عبد الهادي تهمة توفير الغطاء لـ«مشروع روزانا»، واضعاً إياها في إطار «الشائعات». واللافت تأكيده أنّ «هذه المشاريع لا تخدم أهداف الشعب الفلسطيني، ونحن ضدّ أي تعاون من دون مساواة ومن دون الاعتراف بدولة فلسطينية. ولكن من الصعب أن نقول للأوستراليين إنّهم لا يقدرون على تقديم خدمات. الوضع حساس»!
علاقة عبد الهادي بالمسؤولين الإسرائيليين في أوستراليا، ليست خافية على أحد. فهو شارك قبل أيام، مع نظيره الإسرائيلي مارك سوفر، في منتدى حواري نُظم في كنيس إيمانويل في نيو ساوث ويلز الأوسترالية. وعبّر في اللقاء عن «رغبته في الانخراط أكثر مع الجالية اليهودية لأنني أعتقد أنّ من المهم للغاية أن نفهمها. وأشجّع المجتمع الفلسطيني أيضاً على الانخراط مع الجالية اليهودية، ومحاولة تغيير الصور النمطية عن بعضهما البعض».
«عتب» المعارضين العرب في أوستراليا لا يقتصر على السفير. جزء من مسؤولية التطبيع، تُحمّل أيضاً للطبيب اللبناني جمال ريفي، عضو مجلس الإدارة في «روزانا – أوستراليا». يبدأ ابن مدينة طرابلس حديثه لـ«الأخبار» بالقول إنّه يعلم «أنّ البعض سيتهمني بالتطبيع، ويُمكن أن يؤثر ذلك سلباً عليّ وعلى عائلتي، ولكن سأساعد المحتاجين بصرف النظر عن بعض الآراء». هو مقتنع بمشاركته في «مشروع روزانا»، ولا سيما بعد تعرفه إلى أعضاء فيه، واكتشافه أنّه «عمل إنساني ليستفيد منه المريض الفلسطيني. هذا الأخير لا يدخل إلى مستشفى هداسا إلا بعد موافقة من السلطة الفلسطينية وحماس. الموضوع طبي وإنساني، لا أكثر ولا أقل». لم يكتفِ ريفي «بالتطبيع الصحي» مع «إسرائيل» من خلال عمله مع «روزانا»، فهو «توّج» تعاونه بـ«زيارة قمت بها للقدس الشريف واجتمعت مع العائلات في القرى الفلسطينية». هل تقول إنّك زرت أراضي محتلة؟ يُجيب ريفي بأنّه كان من بين 50 شخصاً «ذهبنا للعمرة من أوستراليا إلى السعودية، وبعدها انتقلنا إلى الأردن ثم دخلنا إلى القدس. الزيارات لإقامة الصلاة تدعم الفلسطينيين». هو نفسه خطاب التطبيع الذي يترافق دائماً مع نغمة «فصل السياسة عن الفن/ الثقافة/ الدين…»، بهدف تسخيف أهوال الاحتلال، خاصة أنّ «إسرائيل»، تستفيد من كلّ «خرقٍ» مع العرب من أجل توظيفه في السياسة.
خلال حديثه عن طريقة عمل «روزانا»، وتنسيقها انتقال المرضى من فلسطين إلى الأراضي المحتلة، وتدريب الأطباء الفلسطينيين «بقلب إسرائيل، قبل أن يذهبوا إلى غزة»، يستخدم ريفي تعبير «الجالية اليهودية»، مُتجنباً الحديث عن إسرائيليين. هل هذا مقصود للتمويه؟ «نتعامل داخل المستشفيات مع فلسطينيين وعرب. والناس معنا، مسلمون ويهود ومسيحيون». القيّمون على «روزانا» يسعون إلى خداع الرأي العام من خلال تظهير الهوية الدينية لعملهم، ما يُساعدهم في تسويق نفسهم، وإضعاف الانتقادات العربية لعملهم.
يُروج ريفي، و«رفاقه» العرب في أوستراليا، لمنظمة تتلاقى أهدافها مع الصهاينة، عوض أن يلجأوا إلى دعم المستشفيات والشعب الفلسطيني مباشرةً، حتى لا يبقى تابعاً للخدمات الإسرائيلية. يردّ الطبيب اللبناني بأنّهم في «مشروع روزانا» «يطوّرون الجهاز الطبي الفلسطيني على مرحلتين: دفع سنة كاملة للتلاميذ الفلسطينيين، وتدريب الاختصاصيين الفلسطينيين في هداسا». يستفيض كثيراً في الحديث، ولكنه لا يجد حجّة لتبرير ما يقوم به سوى القول إنّ «المُنظّرين بالحديث عن تطبيع، يجلسون في بيوتهم لا يعلمون بمعاناة المريض الفلسطيني». لا يبدو أنّ أخبار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وأراضٍ سورية ولبنانية، والاعتداءات المتكررة، تصل إلى الطبيب اللبناني، وهو «جالس» في أوستراليا مع أصدقاء «إسرائيل».
مؤسس «روزانا» يُبرّر العدوان على لبنان
أطلق مركز هداسا – أوستراليا الطبي «مشروع روزانا» في الـ2013، وهو مستوحى من قصة طفلة فلسطينية سقطت من المبنى حيث تسكن مع عائلتها بالقرب من رام الله، فنقلتها والدتها بواسطة الإسعاف الفلسطيني – الإسرائيلي إلى مركز هداسا الطبي في القدس المحتلة. مؤسس المشروع هو رون رينكل، الذي عاش تسع سنوات في القدس المحتلة. هو مؤسس AUSimed، التي تُسهّل الأبحاث الطبية بين «إسرائيل» وأوستراليا، والرئيس السابق لـAustralia Arava، المبادرة التي تهدف إلى تشجيع الناس على التواصل بين تجمع Arava المركزي في «إسرائيل» والجالية اليهودية في أوستراليا. عام 2006، وبينما كانت «إسرائيل» تشنّ حرباً على لبنان، نشر رينكل مقالاً يصف فيه حزب الله وحماس بأنّهما يخوضان الحرب بوصفهما «وكيلين عنيفين لسياسة إيران المتطرفة، ولتنفيذ سياسة سوريا الانتهازية». وقال إنّ مئات الآلاف من الإسرائيليين في الملاجئ، «بينما تتساقط عليهم صواريخ الكاتيوشا التي تُطلق من الحدود اللبنانية – الإسرائيلية». واستكمل رينكل مقالته التحريضية ضد حزب الله، مُحملاً إياه مسؤولية بناء قواته العسكرية بين التجمعات المدنية، وشنّ حرب على الأراضي المحتلة، من دون أن يذكر المجازر التي ارتكبها العدو في لبنان، واحتلاله لأراضيه. ونقل رينكل وجهة النظر الإسرائيلية، بالقول أن لا فرق بين حزب الله والدولة اللبنانية، «فلا يُمكن لبنانَ أن يظل يختبئ خلف خداعه الساخر».
عريضة عربية معارِضة لـ«روزانا»
بدأ مؤسس «أوستراليون من أجل فلسطين» ناصر ماشني حملة جمع تواقيع اعتراضاً على «مشروع روزانا» ولمقاطعة عشائها في 22 أيار، ودعوة العرب إلى عدم التبرع له. تضمّ العريضة أربعة بنود، يشرح فيها ماشني أسباب الاعتراض، فيبدأ بغياب المساواة في الخدمات الصحية بين الضفة الغربية وغزة من جهة، والأراضي المحتلة عام 1948 من جهةٍ أخرى. «منذ أيلول/ سبتمبر 2000، قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من ألفي طفل فلسطيني (أعمارهم من 17 سنة وما دون)، بمعدل طفل واحد كلّ ثلاثة أيام، ولكن هذا الإحصاء المروّع لم يُذكر في مشروع روزانا»، كما ورد في العريضة. وكتب ماشني أيضاً أنّ «البناء غير القانوني للمستوطنات الإسرائيلية، يجعل الحياة أقلّ أماناً للأطفال، ويقوض الاستقلال الاقتصادي للأسر الفلسطينية. هذا أيضاً لم يرد ذكره في مشروع روزانا». ويوضح أنّه «لا نُعارض تقديم المساعدة الشعبية من المواطنين الإسرائيليين والمنظمات غير الحكومية، للفلسطينيين، ولكن لا يجب أن يحصل ذلك من خلال تطبيع الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي، وفي ظلّ الحصار المميت للضفة الغربية وغزة».
انطلاقاً من هذه الأسباب، ولأنّ «مشروع روزانا متكيف مع التطبيع»، يدعو ماشني جميع الفلسطينيين والإسرائيليين وجميع مؤيدي حقوق الإنسان في أوستراليا، إلى «تقييم التداعيات الطويلة الأمد المترتبة عن دعم مشاريع تطبيع الاحتلال الإسرائيلي». وهو يتمنى في المقابل «دعم المشاريع والمساعدات التي تُمكّن الفلسطينيين، من دون سيطرة «إسرائيل» عليهم». ووقّع على العريضة عدد من الفلسطينيين – الأوستراليين، وأرسلوها إلى السفير الفلسطيني في أوستراليا والعرب الداعمين لمشروع «روزانا» والمتبرعين المحتملين له.