زيارة بابا الفاتيكان للمغرب.. رحلة مثقلة بتداعيات الإسلاموفوبيا

على وقع تداعيات مؤلمة لظاهرة الإسلاموفوبيا وتنامي كراهية المسلمين في الغرب، تستعد العاصمة المغربية الرباط لاستقبال بابا الفاتيكان فرانسيس في زيارة هي الأولى من نوعها التي يجريها رأس الكنيسة الكاثوليكية الحالي للمغرب.

الزيارة التي تبدأ السبت وتستمر يومين، تأتي في سياق مشحون بين العالمين الإسلامي والغربي بعد تزايد الاعتداءات على المساجد والمسلمين في دول غربية، والتي وصلت ذروتها بالهجوم الدموي الذي استهدف منتصف مارس الجاري مسجدين في مدينة “كرايست تشيرش” النيوزيلندية؛ وأسفر عن مقتل 50 مصليا، وإصابة 50 آخرين.

ودعا باحثان في الفكر الإسلامي في حديثين منفصلين لوكالة “الأناضول” إلى استثمار زيارة البابا للمغرب لترسيخ مبدأ التعايش بين الأديان وقبول الآخر، وتخفيف الاحتقان وتقليل حدة الإسلاموفوبيا في أوروبا، عبر إطلاق “مشروع فعلي” للحوار الإسلامي المسيحي.

ويعيش بالمغرب أقلية مسيحية (نحو 30 ألفا)، غالبيتهم من المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، في الوقت الذي يقدر عدد الكنائس في البلاد بـ 44 كنيسة، ساهم هؤلاء المهاجرون في إحيائها بعد التراجع الكبير لأعداد المسيحيين منذ نهاية الاستعمار الفرنسي والإسباني للبلاد.

يشار إلى أن بابا الفاتيكان السابق يوحنا بولوس الثاني (1978 – 2005) سبق وزار الأراضي المغربية صيف 1985، والتقى حينها الملك الراحل الحسن الثاني.

**برنامج مكثف

ويتضمن برنامج زيارة البابا فرانسيس للمغرب عقد مباحثات مع الملك محمد السادس، يتوقع أن تناقش عدة قضايا من ضمنها تعزيز الحوار والتعايش بين العالمين الإسلامي والمسيحي وكيفية مواجهة خطاب الكراهية والتحريض ضد الجانبين.

كما يتضمن اليوم الثاني من برنامج الزيارة إحياء البابا فرانسيس لقداس في كاتدرائية الرباط، بحضور مئات المسيحيين، بالإضافة إلى أنشطة أخرى بينها زيارة معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، ثم لقاءه مع المهاجرين في مقر كاريتاس الأبرشية، وذلك حسب ما أعلن عنه الفاتيكان في بيان رسمي، اطلعت عليه “الأناضول”.

**ظروف صعبة

متحدثاً عن سياق زيارة بابا الفاتيكان، يرى إدريس الكنبوري، الباحث في الفكر الإسلامي وعلم الأديان، أن الزيارة تأتي في ظروف صعبة يواجهها المسلمون في أوروبا بسبب انتشار موجات التطرف والإرهاب سواء باسم الإسلام أو باسم المسيحية.

وأضاف الكنبوري في حديث لـ “الأناضول” أن “الرمزية التي يتمتع بها البابا فرانسيس في العالم المسيحي وسلطته الروحية تمكنه من أن يلعب دورا في تخفيف الاحتقان في أوروبا والتخفيف من حدة الإسلاموفوبيا”.

وشدد الباحث المغربي على أن الإسلاموفوبيا لها دوافع “دينية في الغالب بسبب المواقف التاريخية للكنيسة الكاثوليكية من المسلمين”، لافتا إلى أن البابا يمكن أن يستغل الزيارة لبلد عربي له طابع خاص في إلقاء خطاب “حاسم ضد الكراهية وأن يطلق مشروعا فعليا للحوار الإسلامي المسيحي”، حسب تعبيره.

وشدد على أن “الإسلاموفوبيا نتاج تراكمات تاريخية وليس وليدة اليوم وإن كان الاسم جديدا”، مبرزا أن الظاهرة “قديمة ترجع إلى الثقافة المسيحية وتصورات الكنيسة الكاثوليكية”.

ودلل الكنبوري على ذلك بقوله إن “أكبر موجة للإسلاموفوبيا بوصفها كراهية الإسلام والمسلمين هي ما حصل في الحروب الصليبية”، مضيفاً “كما كان إجلاء المسلمين من الأندلس في نهاية القرن الخامس عشر تتويجا لها، ولذلك لا يمكن إبعاد مسؤولية الكنيسة الكاثوليكية عن صناعة الظاهرة تاريخيا”.

وأكد المتحدث ذاته، أهمية اعتذار البابا للمسلمين عن الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش كما فعل الفاتيكان مع اليهود، مشددا على ضرورة الاعتذار بوصفه “البداية الفعلية للمصالحة بين الإسلام والمسيحية”.

ومحاكم التفتيش هي أسوأ الحقب دموية بحق المسلمين، حيث أجبرت من بقي من المسلمين واليهود في إسبانيا على تغيير الدين واعتناق الكاثوليكية، أو التعرض للقتل وفي أفضل الأحوال الطرد الجماعي.

**فرصة لتعميق التعايش

من جهته، قال عبد الوهاب رفيقي، الباحث المغربي في الفكر الإسلامي وقضايا التطرف والإرهاب، إن زيارة البابا فرانسيس للمغرب يجب أن تشكل فرصة لتحقيق مزيد من التعايش وتعميق الأواصر والعلاقات بين مختلف قيادات الأديان الكبرى التي يقتسم أتباعها غالبية العالم كالمسيحية والإسلام.

وأضاف رفيقي في حديث لـ”الأناضول” أن “الزيارة خطوة كبيرة يجب استثمارها لتعميق العلاقات”، مؤكدا أن الأمتين الإسلامية والمسيحية تعيشان ظاهرتين مختلفتين، حددهما في “ظاهرة الإرهاب الذي يمارسه البعض باسم الإسلام وظاهرة الإرهاب اليميني باسم المسيحية وما يرافقها من فوبيا ضد الإسلام والمسلمين في البلاد الغربية”، داعياً إلى ضرورة استثمار الزيارة للحديث عن منطق التعايش والقبول بالآخر.

وشدد على ضرورة عدم الاكتفاء برمزية زيارة بابا الفاتيكان للمغرب، داعيا إلى استثمارها “للحديث بشكل أعمق بما يمكن أن يحقق التعايش على الأرض والميدان”.

وأوضح أنه يجب استثمار الزيارة في “تحويل الشعارات والبيانات والخطابات إلى واقع ممارس، وتجاوز الصعوبات الكامنة في أن الحديث يدور عن دينين عاشا مرحلة تاريخية كبيرة من الصراع والحروب راح ضحيتها آلاف القتلى من الجانبين”، حسب تعبيره.

وأفاد رفيقي بأن السياق المعاصر الذي نعيشه اليوم بين الإسلام والمسيحية “يتطلب من الجانبين اجتهادا في المجال الديني لتطهيره وتنقيحه من كل ما يمكن أن يفسد هذا التعايش المنشود”، مؤكدا أن هذا المسعى يحتاج إلى “جرأة في التعامل مع الموروث سواء كان إسلاميا أو مسيحيا”.

ولم يقف الباحث المغربي عند هذا الحد، بل ذهب إلى القول إن اللحظة “لا تحتاج إلى تقارب بين الأديان كما كان في السابق بقدر ما نحن في حاجة إلى الحديث عن التعددية واحترام الآخر مهما كانت معتقداته واختياراته الدينية”.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *