قيل الكثير قبل زيارة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الى لبنان، وسيقال الكثير بعدها دون شك، ولكن ما قاله الوزير الاميركي شخصياً فاق كل التوقعات، واوضح بما لا يقبل الشك أنّ اكثر من 90 في المئة من زيارته كانت محدّدة ومحصورة بموضوع واحد: “حزب الله”.
ليس خفياً أنّ الاميركيين يتحكّمون بتزويد لبنان بالاسلحة نوعاً وكميّة، ولكن ما أعلنه بومبيو يوم الجمعة الفائت، كشف السلاح الاميركي الذي سيُستخدم في لبنان ضدّ حزب الله. تقوم سياسة الادارة الاميركيّة الحاليّة على مبدأ يحمله معه الرئيس الاميركي دونالد ترامب أينما حلّ، ومفاده انه في ظل تعذّر اقحام الجيش الاميركي بحروب خارجيّة بعد ان ذاق الاميركيّون لوعة الخسائر البشريّة، فإنّ افضل سلاح فاعل هو المال وللمصادفة، فإنّه الامر الوحيد الذي يرتاح ترامب في التعامل معه.
العقوبات الاميركيّة على ايران و”حزب الله”، لن تتوقّف في ظل عهد ترامب، لا بل من المتوقّع ان تستمرّ في التصاعد طالما أنّ الاخير يراهن على جدوى هذا الاسلوب حتى ولو لاقى معارضة دوليّة. ولكن الادارة الاميركيّة تعلم جيداً انه في ما خصّ لبنان، فإن “حزب الله” هو جزء منه، ولا يمكن القضاء عليه من الخارج، لذا كان لا بدّ من تحريك الامور في الداخل، لأنّ الصراع الداخلي قادر على إضعاف الحزب اذا لم يكن من الممكن القضاء عليه، وهو أمر يريح ترامب ويضعه في مستوى متقدّم بالنسبة الى أسلافه من الرؤساء الاميركيين.
من هنا كان هجوم بومبيو المركّز على الحزب، ودعوته الصريحة للبنانيين لـ”الانتفاضة” عليه وانهاء ما اعتبره “سيطرة” للحزب على هذا البلد. إنّما، إزاء هذا التوجّه، هناك محاذير كثيرة تعلم واشنطن وغيرها من الدول انه لا يمكن تجاهلها والا أدّت الى “خراب لبنان”. الأول إبقاء اسرائيل بعيدة عن أيّ استهداف للحزب، لان من شأن ذلك أن يدفع بقسم كبير من اللبنانيين الى الالتفاف حول حزب الله ودعم مواجهته لاسرائيل بشتى الوسائل، وان يضعف موقف معارضيه الذين سيجدون انفسهم ملزمين بتخفيف اللهجة تجاهه وتصاعدها في وجه اسرائيل.
اما الأمر الثاني فيكمن في إدراك أميركا أنه لا يمكن تغيير الاوضاع في لبنان عبر اعتماد القوّة، لأنّ ذلك سيؤدي الى عودة الحرب اللبنانيّة والدخول في متاهة لن يكون من السهل الانتهاء منها، وقد تشعل المنطقة ككل. وليس من المنطقي او العقلاني محاولة فرض أمر واقع على الحزب عبر استعمال السلاح لأنّها مسألة غير مضمونة النتائج وقد تشكّل فرصة للحزب لتوسيع نفوذه في مناطق محدّدة، ولن يوصل الى الهدف الموضوع سلفاً.
أما الأمر الثالث فيتعلّق بعدم وجوب حرق اوراق بعض اللبنانيين الذين يتصدّون لسياسة الحزب، ويعمدون الى اطلاق مواقف معارضة تماماً لكل ما يقوم به، فحرق هذه الاوراق يمثّل خسارة معنويّة ودبلوماسيّة للولايات المتّحدة.
ولكن، في المقابل، لا تبدو فرص نجاح الاميركيين في استعمال سلاح “التمرّد الداخلي” في محلّها، ويكفي العودة بالذاكرة سريعا الى عام 2005 لمعرفة أنّه من الصعب تغيير المعادلات بهذه الطريقة، فالوضع بالنسبة الى الحزب في تلك الحقبة كان الاسوأ في الداخل والخارج، وكانت الضغوط عليه من كل حدب وصوب، وكان الشرخ اللبناني في أوجه حول التعاطي مع المواضيع الاقليميّة والدوليّة، ومع كل ذلك بقي “حزب الله” موجوداً عل الساحتين العسكريّة والسياسيّة، وعزّز وجوده هذا في السنوات التي تلت.
قد تكون العقوبات الاقتصاديّة مجدية، ولكنها لن تكون كافية لتحقيق غاية الاميركيين في السرعة المطلوبة، لأنّ أيّام ترامب في الرئاسة اصبحت قليلة نسبيّا، والعقاب الجماعي للبنان سيعطي مفعولاً عكسياً، وقد لا تجد واشنطن أحداً لاستعمال سلاحها في لبنان.النشرة