لم يكن حلف العدوان على اليمن يتوقع أن تنقضي أربع سنوات على حربه الوحشية المدمّرة، وتدخل عامها الخامس، من دون أن تحقق أيّ من أهدافها، والتي يمكن تلخيصها في العمل على إخضاع اليمن وشعبه للهيمنة الأميركية الغربية السعودية، وإعادته إلى بيت الطاعة، وبالتالي إنهاء أحلامه وطموحاته في التحرّر من هذه الهيمنة وتحقيق استقلاله وتقرير مصيره بنفسه، واستطراداً بناء نظام وطني مستقلّ يحقق التنمية والعدالة الاجتماعية ويحسن استغلال ثروات بلاده الكبيرة، وتحويل اليمن إلى بلد متقدّم ومتطورة في المنطقة.. بل انّ حلف العدوان لم يكن يتوقع أن يغرق في حرب استنزاف مكلفة ومرهقة في تكاليفها لمملكة النفط في السعودية، وتجعل من اليمن فيتنام السعودية، لفداحة الخسائر المادية والبشرية، التي تكبّدتها المملكة في السنوات الأربع الماضية…
هذا ليس مجرد تحليل أو تمنّ أو توقع، بل يعكس الواقع الفعلي لما آلت إليه الحرب حتى الآن على جميع المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية، وباعتراف تقارير غربية حريصة على المملكة السعودية، التي تحدثت عن أرقام مهولة لخسائر السعودية وحالة الإحباط والهزيمة التي تسيطر على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان باعتباره القائد الفعلي لهذه الحرب وبالتالي المسؤول الأول عن النتائج المتولدة عنها…
فإذا كانت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية المحافظة اللصيقة بدوائر القرار في الولايات المتحدة، قد قدّرت ما تكبّدته السعودية في الأشهر الستة الأولى من الحرب بـ 725 مليار دولار، فهذا يعني أنّ الكلفة، بعد أربع سنوات، باتت تتجاوز الخمسة تريليونات من الدولارات… في حين قدّرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية الخسائر البشرية السعودية في المناطق الجنوبية المحاذية للحدود اليمنية بمقتل نحو 2500 جندي و60 ضابط صف ومن الرتب العليا وتدمير 650 دبابة ومئات العربات العسكرية.. وإذا ما أضفنا إلى ذلك ارتفاع موازنة التسلح حيث أبرمت الرياض صفقات سلاح تقدّر بمئات المليارات من الدولارات مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وكندا وروسيا إلخ… فإنه من الطبيعي لأيّ مراقب أو محلل أن يرى أنّ هذه التكلفة الباهظة للحرب تعني أنّ المملكة السعودية قد غرقت في مستنقع كبير من الاستنزاف يتجاوز النزف الذي كانت تعاني منه الولايات المتحدة الأميركية خلال سنوات احتلالها للعراق، لأنّ الحرب السعودية مستمرة دون توقف منذ البداية وحتى اللحظة، على عكس الحرب الأميركية ضدّ العراق التي انتهت باحتلال العراق بعد نحو شهر من بدء الغزو الأميركي الغربي له، ومن ثم واجهت القوات الأميركية المحتلة عمليات المقاومة العراقية.. ولهذا رأت صحيفة «التايمز» البريطانية أنّ «اليمن باتت فيتنام السعودية تستنزف مواردها وتحيلها إلى حطام».. وإذا كانت هذه هي النتيجة التي وصلت إليها حرب بن سلمان من دون أن تؤدّي إلى تحقيق الأهداف التي سعى اليها، فإنها من الطبيعي أن تضعف المملكة اقتصادياً وتأكل من رصيدها السياسي ودورها الإقليمي الذي سعت إليه، وبالتالي يتراجع تأثيرها، واستطراداً فإنّ هذه الحرب والاستمرار فيها من دون طائل، إلا المزيد من النزف العسكري والاقتصادي والبشري، تطرح مستقبل محمد بن سلمان الذي أثرت الحرب الوحشية ونتائجها الخطيرة والمدمّرة على صورته، التي حاول الظهور فيها كرجل إصلاح، فإذا به يظهر في صورة مجرم حرب وإرهابي لا يقلّ عن إجرام وإرهاب كيان العدو الصهيوني ضدّ الشعب الفلسطيني، وما ارتكبته الولايات المتحدة من مجازر وحشية وإرهابية في حروبها الاستعمارية في فيتنام والعراق وأفغانستان إلخ…، ولأنّ هذه هي الصورة السوداء التي باتت تلاحق ولي العهد السعودي الساعي إلى تسلم العرش من والده الملك، فإنه بات، كما قال موقع «ميدل إيست» البريطاني، «يعيش في حالة إحباط وهزيمة بسبب فشله»، كاشفاً بأنّ ابن سلمان عبّر لمسؤولين أميركيين، هما مارتن اندك وستيفن هادلي، عن رغبته «في الخروج من حرب اليمن بحسب رسائل إلكترونية حصل عليها الموقع».. على أنّ الخبراء الاقتصاديين والعسكريين باتوا يرون أنّ الارتفاع الكبير في كلفة الحرب والفشل الميداني من أهمّ عوامل زعزعة الحالة النفسية لحكام الرياض والاستقرار في مملكة الرمال، وانّ تكلفة الحرب الباهظة، دون تحقيق الملك ونجله والتحالف العسكري الذي يقودانه، أيّ إنجازات عسكرية حقيقية، يجعل المملكة تقف على حافة الإفلاس الحقيقي في القريب العاجل…
ما تقدّم يؤشر بوضوح الى أنّ الحرب لم تكن قاسية على اليمنيين وحدهم، وإنما هي قاسية وباهظة الثمن أيضا على المملكة السعودية التي تشهد تراجعاً حاداً في اقتصادها وعجزها في موازنتها اضطرها إلى الاستدانة من الخارج، ورفع الضرائب والأسعار والرسوم على العمالة الوافدة، مما أحدث انعكاسات سلبية على الوضع الاجتماعي والاستثمار في البلاد…
صحيح أنّ الحرب دمّرت اليمن وألحقت في بناه التحتية ومؤسساته دماراً مهولاً، وبشعبه خسائر جسيمة بالأرواح، زادت من فقره وجعلت الملايين في حالة مزرية تفتقد إلى أبسط مقومات الحياة الإنسانية، إلا أنها في المقابل اظهرت الصمود الاسطوري للشعب العربي اليمني وإرادته المقاومة التي جسّدها في ميدان التصدي لجيوش العدوان والمرتزقة، الأمر الذي أذهل وفاجأ أيضاً أطراف حلف العدوان، الذين اعتقدوا، واهمين، انّ حربهم ستحقق أهدافها في غضون أسابيع او أشهر معدودة على أبعد تقدير، لكن الشعب العربي اليمني خيّب آمال المعتدين وحوّل أحلام حكام مملكة النفط، ومن ورائها دول الغرب الاستعمارية، حوّلها إلى سراب…
وها هي التظاهرات المليونية، التي شهدتها المحافظات الشمالية من اليمن، في ذكرى مرور أربع سنوات على الحرب، تأتي لتؤكد تجذر مقاومة وصمود هذا الشعب، وانتصار قواه الوطنية التحررية على قوى العدوان… هذه الحقيقة لن تتغيّر إذا ما استمرّت الحرب فترة أكثر، بل إنها ستكرّس هزيمة المعتدين وتفاقم أزماتهم ونتائجها السلبية على المستويات كافة…النشرة