بدأت القوات المسلحة التركية، الجمعة، تسيير أولى دوريات المراقبة العسكرية في المنطقة الحدودية لضبط إيقاع الرصاص في مقاطعة “إدلب الكبرى” شمالي سوريا، وتقويض التهديدات المتعلقة بالمجال الجوي للمنطقة، وذلك في سياق اتفاق “سوتشي”، المبرم بين زعماء القمة الثلاثية، تركيا وروسيا وإيران في الرابع عشر من فبراير/شباط الماضي، في اعقاب تعاظم التصعيد الروسي، سياسياً وعسكرياً، ضد المنطقة التي تضم أكثر من ثلاثة ملايين شخص.
وشملت الدوريات التركية المنطقة المنزوعة السلاح في الخط الممتد من شمال إدلب، إلى جنوب محافظة حلب، شمال سوريا، فيما يبدو ان من أهدافها ترسيخ نظام وقف اطلاق النار، وفرز المعارضة التابعة لتركيا عن التنظيمات الجهادية في إدلب ومحيطها، وإعادة العمل على فتح طريق حلب – دمشق الدولي عقب توافق روسي – تركي على تفعيله.
وبحسب مصدر مسؤول لـ”القدس العربي” فإن الدوريات سيّرت في المناطق المحررة، انطلاقاً من قرية الصرمان في ريف إدلب الشرقي باتجاه تل الطوقان، مروراً بسراقب ومحيطها، وصولاً الى مدينة خان شيخون، إضافة الى منطقة الأتارب غربي حلب، ومناطق جماري والقناطر وتل عيس جنوب غربي حلب، وهي خطوة اعتبرتها قيادات المعارضة المسلحة تأكيداً على زوال أي احتمالية لشن قوات النظام هجوماً مدعوماً من الأطراف الضامنة له ضد المنطقة.
تزامناً أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الجمعة، أن دوريات روسية تنطلق في المنطقة الحدودية بمحيط محافظة إدلب السورية وأخرى للقوات المسلحة التركية في المنطقة منزوعة السلاح. واعتبر أكار في حديثه لـ”الاناضول” أن الدوريات التركية والروسية في محيط إدلب تعد خطوة مهمة لحفظ الاستقرار ووقف إطلاق النار، مؤكداً التنسيق مع الجانب الروسي، والإيراني – عند الضرورة – بشأن إدلب، لمنع كارثة انسانية كبيرة، وفصل المعارضة عن المجموعات الراديكالية، معرباً عن ثقته بأن النظام السوري وراء خرق اتفاق سوتشي اذ ان “أكبر شكوى لدينا من النظام (السوري) خرقه لوقف إطلاق النار.. ننتظر منهم الالتزام به، ونطلب من الروس إيقاف النظام (عن شن الهجمات) في إدلب”. وابدى أكار امتعاض حكومة بلاده حيال نزوح اكثر من 54 ألف شخص من مناطقهم جراء خروقات النظام السوري، مهدداً فتح باب اللجوء باتجاه الولايات المتحدة الامريكية قائلاً “إذا استمرت الهجمات وبدأت الهجرة فإن لجوء 3.5 مليون شخص لن يكون فقط إلى تركيا وأوروبا وإنما إلى الولايات المتحدة أيضاً”.
باكير: منع اعتداءات النظام
المحلل السياسي التركي، د.علي باكير، اعتبر في حديث مع “القدس العربي” ان تسيير الدوريات التركية في المنطقة العازلة يحمل دلالات عدة، يأتي اولها في سياق منع القصف والاعتداءات المتجددة من قبل النظام السوري وميليشياته وذلك تفادياً لاي تصعيد غير محسوب العواقب، أما الثاني فيأتي في سياق تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة تمهيداً للانتقال الى الخطوة التالية من التفاهم مع روسيا. وبهذا المعنى، فإن تسيير الدوريات التركية في المنطقة العازلة يجب أن ينظر إليه بشكل أوسع، بحسب الخبير في العلاقات الدولية، باكير، لـ”القدس العربي”، الذي قال “انه يأتي في سياق تنفيذ تركيا لالتزاماتها استناداً الى الترتيبات المتعلقة بتفاهمات سوتشي مع روسيا”.
وحول ما سيترتب على الجانب التركي حيال تسيير هذه الدوريات قال باكير، إنها مسؤولية أكبر من ناحية سحب أي ذرائع قد يستغلها النظام لتخريب الترتيبات القائمة، معتقداً ان حكومة بلاده بصدد رؤية تقدم كبير او سريع فيما يتعلق بمصير إدلب النهائي. ولدى تلك القوات المسلحة التركية 12 نقطة مراقبة لوقف إطلاق النار في منطقة خفض التوتر بإدلب، فيما لدى الجيش الروسي 10 نقاط تم الاتفاق عليها خلال مسار مباحثات “أستانة” حول سوريا.
عاصي: احتمالان
من جهته رأى الباحث السياسي السوري عبد الوهاب عاصي ان تسيير أولى دوريات المراقبة في المنطقة منزوعة السلاح شمال سوريا، وهي خطوة بالغة الأهمية وتعني غالباً أحد احتمالين، الأول؛ أنّ تركيا تريد فرض سياسة الأمر الواقع على روسيا فيما يخص أولوياتها في “مقاطعة إدلب”، لا سيما فيمت يخص الحفاظ على عامل الاستقرار فيها. ويُمكن تفسير ذلك على النحو الآتي:
أولاً، تركيا مصرّة على ضمان نظام وقف إطلاق النار بمفردها ضمن منطقة خفض التصعيد، وبالتالي رفض تسيير دوريات مشتركة مع روسيا. ثانياً، تركيا قادرة على تزويد روسيا بمفردها بالمعلومات الاستخباراتية والعسكرية المرتبطة بنظام وقف إطلاق النار وسير اتفاق خفض التصعيد. ثالثاً، تركيا سوف ترسل تحذيرات إلى روسيا بخصوص الخروقات ومصدرها لا سيما تلك القادمة من مناطق سيطرة النظام السوري. رابعاً، تريد أنقرة إجبار النظام السوري على الالتزام بتخفيض التوتر ومستوى الخروقات، لأن الاستمرار على الوتيرة نفسها سوف يحمل معه ارتفاع نسبة خطورة إصابة الدوريات والنقاط التركية. خامساً، لا تريد تركيا تقديم تنازلات لروسيا بخصوص اتفاق خفض التصعيد وملحقه الخاص بالمنطقة العازلة في مقاطعة إدلب.
فيما يدور الاحتمال الثاني بحسب عاصي لـ”القدس العربي”، بأنّ تركيا تعمل بالتنسيق مع روسيا حيث يعمل الطرفان على بلورة آليات مناسبة لاستكمال اتفاق المنطقة منزوعة السلاح، بحيث تتولى أنقرة في المرحلة الأولى مهام التسيير وإفراغ المنطقة من السلاح الثقيل والجماعات الجهادية، على أن يقوم البلدان لاحقاً بتوفير بيئة ملائمة لدخول دوريات روسية أو شيشانية ومن ثم إقامة نقاط تفتيش مشتركة. وبحسب مصادر مطلعة فإن تسيير الدوريات، يهدف إلى إعادة العمل على طريق حلب – دمشق الدولي عقب توافق روسي – تركي على تفعيل العمل على الطريق بإشراف تركي، فقد سجل المرصد السوري لحقوق الإنسان شريطاً مصوراً، يظهر القوات التركية برفقة مجموعات من مقاتلي وقادة فيلق الشام العامل في مناطق سريان الهدنة ومناطق تواجد الفصائل، والمقرب من السلطات التركية، حيث رصد تجول الرتل العسكري في منطقة سراقب ومنطقة تل الطوكان وانتشاره في مناطق بمحيط نقاط مراقبته، في إجراءات لليوم الأول من بعد التصعيد الكبير، بهدف عادة العمل على طريق حلب – دمشق الدولي، وذلك بعد ساعات من الهدوء الحذر في مناطق الهدنة الروسية – التركية.
الحمزات: نجاح تركي
القيادي العسكري لدى الفيلق الثاني، التابع للجيش الوطني، سيف الحمزات، قال ان دوريات القوات التركية في المناطق المحررة، انطلقت من قريه الصرمان في ريف ادلب الشرقي باتجاه تل الطوقان، وتتالت تلك الدوريات حتى وصلت الى سراقب ومحيطها، ويرتقب وصولها خلال الاوقات القادمة الى مدينة خان شيخون. واعتبر المتحدث العسكري لـ”القدس العربي” ان تلك الدوريات نجاح للاتراك في مسار التفاوض مع الجانب الروسي والذي بدوره سير دوريات له في مناطق النظام، متأملا نجاح تلك الدوريات في مهامها بايقاف اجرام قوات النظام واستهداف المدنيين الآمنين في قراهم في المناطق المحررة في إدلب وريفها وقرى ريف حماه الشمالي، اضافة الى وقف مساعي النظام في تهجير المدنيين من مناطقهم. كما لفت الى ان الدوريات تعني انهاء احتمالية شن قوات النظام هجوماً مدعوماً من الاطراف الضامنة له ضد المنطقة.