تسريبات عن علاقات إسرائيل بدول الخليج والعراق: من المستفيد؟

ما هو غريب في الشريط الذي سربه رجال بنيامين نتنياهو من ذاك اللقاء هو صمت العرب. ففي الأسبوع الماضي اجتمع رئيس الوزراء في بحث مغلق مع وزراء الخارجية عن إيران. حصل هذا في مؤتمر وارسو، وكان في القاعة أيضاً وزراء من دول الخليج العربي. أحد رجاله صور جزءاً من البحث بالهاتف، وبقرار القائد تقرر تسليم الشريط لصحافيين إسرائيليين. وسُمع وزير خارجية البحرين هناك يشبه إيران بالسم. وأقواله هذه سربت.
بعد ساعات قليلة شطب الشريط عن الشبكة، ولكنه خرج على شكل عناوين رئيسية. يمكن الجدال في مسألة إذا كان لحق ضرر في صورة إسرائيل في نظر العرب. فهل سيتردد الزعماء العرب من الآن فصاعدا ًفي فتح أفواههم بحضور الإسرائيليين خشية أن تتسرب أقوالهم. ولكن هذا جدال ثانوي. الأهم هو الإصرار على ألا يصخب العرب مما حصل. فأي من الدول التي تضررت من المناورة، البحرين والسعودية واتحاد الإمارات، أطلقت انتقاداً يندد بإسرائيل.
فهل في ذلك تقدم في العلاقات مع دول الخليج؟ نعم ولا. نعم لأن العرب رأوا في ذلك أن إسرائيل هامة لهم لدرجة أنهم مستعدون لأن يبتلعوا منها ضفادع صغيرة. ولا ـ لأن الحقيقة يجب أن تقال: العلاقات مع هذه الدول ليست سوسناً. ثمة اتصالات، توجد حتى زيارات سرية، ولكن انسوا جنة عدن. صحيح أنها تبتسم لإسرائيل، ولكنها تتنكر لها أيضاً. فهي ستكون دوماً درجة بالنسبة لهم يصعدون عليها. ليس لأن هذه دولة يهود. فالحديث يدور عن أنظمة شكاكة تعيش صراعاً وجودياً. رغم وربما بسبب ثرائها. كل واحدة منها بتجربتها، قد تجد نفسها في حرب قبائلية، مثل العهود السالفة. وفي الصراع من أجل البقاء فإنك لا تلاحق الابتسامات، بل تبحث عن عكازات.
بعد شهر ستمر أربعون سنة على التوقيع على اتفاق سلام مع مصر. وبعد ثمانية أشهر نحيي نصف يوبيل على الاتفاق مع الأردن. مشكوك في أن نحظى بأن نرى اتفاقات أخرى في صيغة مشابهة. السعودية، البحرين، إمارة عُمان واتحاد الإمارات، زميلات إسرائيل الأربع في الخليج، لن ترفع مستوى علاقاتها معها إلى درجة فتح السفارات قريباً. إذ لا حاجة إلى ذلك. فعلى أي حال، ما يريدون الحصول عليه يحصلون عليه الآن. اتصالات أمنية، وعلاقات تجارية وعلاقات دبلوماسية عند الحاجة. فمن يحتاج إلى سياح إسرائيليين، أو علاقات علنية، حتى وإن كانت ستدخل بعض المال إلا أنها ستفعل الكثير من الضجيج.

عصر الاتفاقات انقضى

هذه ليست بالضرورة بشرى سيئة. فلماذا نحتاج إلى اتفاقات لامعة. فالحاجة إلى الاحتفال تدل على أن هناك شيئاً ما على غير ما يرام. عندما تكون العلاقات طيبة وطبيعية، يكون الاحتفال زائداً لا داعي له. أما عندما يكون الاتفاق أشوه ومتعذر، فلا تجدي الألعاب النارية. السياحة، وخط طيران، والزيارات، التجارة المتبادلة والأجواء الودية لا تحتاج إلى احتفالات وتوقيعات. تحتاج إلى إرادة طيبة. نواة الإرادة موجودة في الرياض والمنامة ومسقط وأبو ظبي، ولكن معناها ثورية بالنسبة لهم. أما إخراج العلاقات مع إسرائيل إلى النور فمعناه أن يشق لها طريق التفافي إلى رام الله. هذا تصريح علني عن إهمال القضية الفلسطينية، بل واعتراف تاريخي بإسرائيل كحقيقة قائمة.
في هذه الأثناء يمكن أن نواسي النفس بحقيقة أنه من كل علاقاتها مع الدول العربية، يمكن لإسرائيل أن تشكل منظومة سلام أخرى. سياحة مع المغرب، تجارة مع السعودية واتحاد الإمارات. علاقات تكنولوجية مع إمارة عُمان (لأغراض تحلية المياه) وخط مفتوح إلى قطر (بالنسبة لحماس). في السنوات الأخيرة دخل العراق إلى القائمة. صحيح أنه لا توجد علاقات مع حكومته، إلا أن الاتصال بين المواطنين الخاصين من الجانبين حار وعظيم الأثر.
إذا كنا تحدثنا عن العراق، فلا بد أن يقال إن عريضة نشرت هناك هذا الأسبوع يتم تداولها بين المتصفحين كالنار في حقل من الهشيم. قادة وزعماء في الميليشيات الشيعية وقعوا على تنكر لكل من جاء على اتصال مع إسرائيل أو بلغتهم، «الكيان الصهيوني المجرم». كل واحد كهذا، يسافر إلى إسرائيل أو يتحدث مع حكومتها، سيعتبر داعماً لها، كما ورد في وثيقة بتوقعهم. وكتب أيضاً أن «التعاون مع كيان السطو يشكل عملاً تجسسيًا وخيانة للدولة». بل وقيل أيضاً إن «الشعب العراقي، حكومته وقواه الوطنية، يرفضون كل نوع من التطبيع مع الكيان الصهيون،ي ومن يقول العكس سيتحمل كامل المسؤولية: أمام القانون والشرعية وأمام الشعب».
وقعت العريضة على أرض خصبة. فالإسرائيليون والعراقيون يقيمون في السنوات الأخيرة اتصالات ساخنة للغاية معظمها في الشبكات الاجتماعية وبعضها بوسائل أقل افتراضية. هذه اتصالات قريبة، ثابتة وشعبية. وهم يكتشفون بأن ليس الأكراد فقط يذكرون إسرائيل واليهود إيجاباً والكثير من الشيعة، بل المسيحيون والسُنة أيضاً.

التواجد الإيراني

قبل ثلاثة أسابيع خرج الروائي العراقي علاء المجذوب من المكتبة البلدية في مدينته كربلاء. انتظره مجهولون على سطح المكتبة وما إن سار في درب الخروج حتى أطلقوا نحوه صلية من النار فقتلوه. 13 رصاصة اخترقت جسده. الكاتب الشاب (45 سنة) كان منتقداً حاداً للتدخل الإيراني في الشؤون العراقية. وكان واضحاً للجميع أن القتلة مبعوثون من إيران.
ما العلاقة بينه وبين إسرائيل؟ من شبه المؤكد أن المبادرين إلى قتل المجذوب ورفاقهم هم الموقعون على العريضة أعلاه. فهي ليست وثيقة مجردة بل إشارة تحذير تتضمن تهديداً صريحاً. الموقعون ليسوا أعضاء برلمان فقط بل ورأس حربة التواجد الإيراني في بغداد. أكبرهم هو هادي العامري، وزير سابق، قائد الميليشيات الشيعية التي أقامها الإيرانيون، والذين يسمون «الحشد الشعبي». موقع آخر، قيس الخزعلي، يترأس واحدة من هذه الميليشيات، وهو صديق حزب الله في لبنان. عندما يعلن هؤلاء عن أحد ما بأنه جاسوس، وأنه عرضة لمحكمة الشارع، فلا سبيل لتفسير هذه الأقوال إلا كتهديد على حياته.
يروي عراقيون مطلعون (من أولئك الذين يتصلون بنا) بأن ثقل يد إيران يشعر به الناس في العراق اليوم أكثر من أي وقت مضى. فالإيرانيون نبشوا هناك دوماً، فماذا حصل الآن؟ لعلها العقوبات التي فرضها ترامب عليهم، والتي تشجعهم أكثر من أي وقت مضى على غرس أظفارهم في الحارة كي يستخدمونها لتبييض الأموال وباقي المنافع. وربما في أعقاب انصراف رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي أطيح به في الانتخابات. فقد عمل العبادي بالتعاون مع الأمريكيين والبريطانيين وغيرهم على تقليص النفوذ الإيراني في بلاده.
ليس صدفة أن يوزع منشور التهديد الآن بالذات. فهو نتيجة مباشرة لتسريب من إسرائيل. قبل بضعة أسابيع كشفت وزارة الخارجية أن ثلاثة وفود وصلت إلى هنا من العراق على مدى 2018. النشر، الذي تضمن تفصيلاً واحداً أو اثنين زائدين، ولد في بغداد رقصة شياطين.
نواب عراقيون دعوا إلى فتح تحقيق. وشجعوا أجهزة الأمن على الاهتمام بما قيل في القدس. لم تحن بعد اللحظة لرواية القصة الكاملة التي وقعت خلف الكواليس، وآثار ذاك النشر الرسمي إياه. وحالياً يمكن القول إن هؤلاء كانوا زواراً خاصين، وليسوا شخصيات ذات مناصب عليا أو مكانة رسمية، وبالتأكيد لا يمكن الحديث عن اختراق للطريق.
في العريضة إياها فعل مبعوثو إيران بالضبط ما هو متوقع منهم. طلبوا قتل الظاهرة، بكل معنى الكلمة، وهي لا تزال في مهدها.

جاكي خوجي
معاريف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *