الشيخ شعبان خلال كلمته في المؤتمر العلمائي الاسلامي بدمشق” مجابهة الإستكبار العالمي تكون في تكاملنا إقليمياً

– مجابهة الإستكبار العالمي تكون في تكاملنا إقليمياً
– يمكن التكامل بين مكوناتنا الوطنية والعشائرية والقومية شرط ألا نقدم الولاء الأدنى على الأعلى
– النصرة تكون للمظلوم ، والاصطفاف يكون مع العدل

في ما يلي كلمة الأمين العام لحركة التوحيد الاسلامي فضيلة الشيخ بلال سعيد شعبان في المؤتمر العلمائي الإسلامي الرابع العشر والذي انعقد في دمشق بتاريخ 29-1-2019م.

بسم الله والحمد لله والصلاه والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
نشكر القيمين على مؤتمر المواطنة وعلى طرحهم هذا الموضوع وأسال الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لسبر أغواره. أيها الإخوه الكرام دعوة رسولنا الكريم دعوة عالمية واسعة لكنها تبتدئ من الدائرة الأضيق ألا وهي العشيرة قال تعالى:”وأنذر عشيرتك الأقربين”. وتصل إلى المدى الأوسع. والله عز وجل هو القائل: “وما أرسلناك إلا رحمه للعالمين”.ويقول عز وجل:”وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا”.
ولكن هذه الدعوه العالمية لا تتناقض بحال من الأحوال مع الخصوصيات الشخصية والوطنية والعشائرية والقومية.فرسول الله صلى الله عليه وسلم
– عربي:”أنا أفصح العرب بيد أني من قريش”.
– وهو صلى الله عليه وسلم مكي المولد، يحب وطنه مكة حباً شديداً. فعندما هاجر وقف عند روابيها دامع العين باكياً وخاطبها خطاب محبوبه ومعشوقه قائلاً لها:”أي مكة … أي مكة… والله إنك لأحب بلاد الله إلي، ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت”.
– ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف وهو يحض على حفظ الأوطان والأعراض والدماء والأموال
يقول: 1-“مَن مات دون ماله فهو شهيدٌ، ومن مات دون دمهِ فهو شهيدٌ، وَمَنْ مَاتَ دُوْنَ أرْضِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ”.
2- وفي حديث آخر عنْ أَبي الأعْوَر سعيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرو بنِ نُفَيْلٍ، أَحدِ العشَرةِ المشْهُودِ لَهمْ بالجنَّةِ،قَالَ: سمِعت رسُول اللَّهِ يقولُ: منْ قُتِل دُونَ مالِهِ فهُو شَهيدٌ، ومنْ قُتلَ دُونَ دمِهِ فهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهو شهيدٌ، ومنْ قُتِل دُونَ أهْلِهِ فهُو شهيدٌ.حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
– حلف الفضول: حتى عندما تحدث عن حلف الفضول الذي توافق عليه بنو هاشم وبنو تيم وبنو زهرة حيث تعاهدوا فيه على أن: (لا يظلم أحد في مكة إلا ردوا ظلامته). وقد شهد النبي محمد هذا الحلف قبل بعثته وله من العمر 20 سنة، وقال عنه لاحقا: «لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت”.
وعقب هجرته إلى المدينة وضع وثيقة دستورية حدد فيها مفهوم المواطنة الذي يشترك فيه المسلمون مع غير المسلم.قال ابن إسحاق:”وكتب رسول الله كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه اليهود وعاهدهم على دينهم وأموالهم،وشرط لهم واشترط عليهم ومما جاء في مقدمته:
“بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبيبين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم إنهم أمة واحدة من دون الناس”.
ولكن مواطنته هذه وعروبته ولسانه كل ذلك كان منطلقا صوب عالمية الدعوة، فجمع في صحابته رضوان الله عليهم، فارسياً اسمه سلمان وحبشياً اسمه بلال ورومياً اسمه صهيب، وأسس منهم أمة متعددة الأعراق والألسن والألوان. قال الله تبارك وتعالى فيهم:”كنتم خير أمة أخرجت للناس”
وعندما ضيقت قريش على دعوته دفع بعض أصحابه وقرابته للهجرة ووجههم صوب الحبشة، وقال مقالته الشهيرة:”اذهبوا إلى الحبشة فإن فيها ملكاً لا يُظلم عنده أحد”.ويومها كان النجاشي ملك الحبشة على النصرانية. فكان الاتفاق في ما بين الدعوتين، في ما بين مسيحية النجاشي ودعوة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم. كان إتفاق حماية المظلوم من الظالم.
أيها الكرام نعيش كبشر بمختلف أطيافنا على كوكب واحد وعلى مسطح جغرافي أرضي واحد، ويحيط بنا مسطح مائي واحد، وفوقنا غلاف جوي واحد، والإسلام ينظم حياة الإنسان على هذا الكوكب الواحد.
إشكالية: بين الوطنية والعالمية، كيف يكون الاصطفاف؟ أيها الاخوه الكرام لا يكون التموضع والاصطفاف والتناصر حول الوطن والقبيلة أو الاسرة والعشيرة.فالتناصر يكون حول مشروع العدل كما تحدث عنه القران الكريم عندما قال: “إن الله يأمر بالعدل والاحسان” وقال تعالى على لسان رسوله:”وأمرت لأعدل بينكم”. فالاصطفاف يكون مع العدل ضد الظلم. ويكون الاصطفاف مع المظلومين ضد الظالمين، ولو كان الظالمون من بني جلدتنا وقومنا ووطننا.
ففي حديث أنس يقول: قال رسول الله ﷺ: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره”.
ويكون التناصر بالوقوف مع الصادقين ضد الكاذبين، قال الله عز وجل:”يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين”.ونهانا عن الوقوف إلى جانب المشاريع التي تبني دعوتها على أساس من الدجل والكذب والتدليس، فقال عز وجل:”فلا تطع المكذبين”.
– هل هناك تناقض بين ما هو وطني وقومي وعالمي؟- بالعُرف والتعريف السياسي الحاضر يوجد تضاد واختلاف بين ما هو وطني وقومي وإسلامي،ولكن في مفهومنا الشرعي يمكن الجمع عملياً بين كل تلك المسميات فيما لو اجتمعت حول مشروع واحد ولم تقدم الولاء الأدنى على الولاء الاعلى. وهذه المسميات في نظرنا هي دوائر منضوية ضمن بعضها البعض، الأصغر ضمن المتوسط، والمتوسط ضمن الأكبر فالأكبر. فالدائرة الأوسع والأشمل هي الدائرة الإنسانية ويدخل ضمنها القومية وينضوي تحت القومية العشائرية التي تضم الأسرية لتصل إلى الدائرة الفردية. ولا ضير في ذلك.
– كيف يمكن الجمع؟ فأنا عبدٌ من عَبِيْدِ الله أسمى بلال ( الدائرة الفردية)،أعيش في لبنان (الدائرة الوطنية)، وأتفاعل مع أهل بلدي وأشاركهم همومهم وآلامهم وآمالهم. عربي النسب (الدائرة القومية ). وفي هذه الدائرة ألتقي مع أهلي من المحيط إلى الخليج. وأنا مسلم في إيماني (الدائرة الإيمانية). وألتقي بها مع كل مؤمن موحد في شرق الأرض وغربها، وأتكامل معه إلى أي قومية أو عرقية انتمى. وأنا في النهاية إنسان (الدائرة الإنسانية)، ألتقي من خلالها مع كل ولد آدم. فالرسول يقول :”كلكم لآدم وآدم من تراب”.بهذه الطريقة يمكن الجمع بين كل تلك الدوائر.
– أين تكمن المشكلة، إذن؟عندما تقدم الدوائر الصغرى على الدوائر الكبرى، فتقدم الفردية على الجماعية، أو يقدم المفهوم القومي على المفهوم الإنساني، أو أن تبدل الأدوار فتصبح القومية ديناً والوطنية مذهباً والآحادية غاية…وهنا نقول، أن الإسلام ما جاء ليلغي الأنا وإنما جاء ليلغي الأنانية، الإسلام ما جاء ليلغي الوطن وإنما جاء ليلغي العصبية الوطنية، الإسلام ما جاء ليلغي القوم وإنما جاء ليلغي العصبية القومية.
– هل الوطنية بطاقة هوية؟ ليعلم الجميع أن المواطنة حقوق وواجبات. فعلى المواطن أن يدافع عن أرضه وعرضه ومقدساته. وفي المقابل من حقوقه أن يُحفظ ويُصان وتُقدم له الحياة الكريمة ويُؤمن له المسكن والملبس والمطعم والمشرب، ومختلف أنواع الضمان التعليمي والصحي…، فالمواطنة لا تكون بحال من الأحوال فندقا أو بطاقه هوية أو جواز السفر بعيدا عن الحقوق والواجبات.كما ويجب ان يدرك الجميع أن مشروع الإيمان هو مشروع لخدمة الإنسانية وليس حالة من حالات الاصطفاف في وجه المشروع الانساني. لذلك فإننا نؤمن أن الوحدة الإسلامية يجب أن تفضي لوحدة إنسانية:” كلكم لآدم وآدم من تراب”. ونقول باختصار أن قول الله عز وجل:”يا أيها الذين آمنوا …. ” يجب أن تفضي إلى:”يا أيها الناس …”. وأنا أعتقد أن من أهم الأمور التي تعزز المواطنة هو البحث عن المشتركات فيما بين مختلف مكوناتنا الانسانية وهذا يقتضي ترك فكر أو مادة الفرق والملل والنحل التي تدلنا كيف نختلف مع بعضنا البعض، واعتماد مادة “المشترك الإنساني” التي تبحث كيف تلتقي المذاهب والأعراق والقوميات فيما بينها من أجل التكامل والتعارف. وهذا واجب قرآني. قال الله تعالى:”يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبيرٌ”. فالغاية من التنوع والتعددية ليس التضاد أو التعارك إنما التعاون والتعارف.
محظور: أيها الاخوة الكرام إن تركيز مؤتمركم الكريم على فكرة المواطنه يجب أن يكون لتحفيز أهلنا للدفاع عن أرضهم وعرضهم ومقدساتهم. ولكن لا يجوز أن يكون تكريساًللتجزئة “سايكس بيكو” وتحويلها إلى نوع من أنواع العقيده. فالكيانات السياسية الموجودة اليوم هي صناعة استعمارية وهي التجزئة التي طالما رفضناها.
ونحن نعرف أن الحديث عن المواطنة لمنع القتل والارهاب العابر للحدود والذي ينتهك السيادات. ولكن كل هذه الكيانات ليست كيانات دينية، وإنما مكونات أمنية تستخدم مخلب قط لضرب واستهداف أمتنا من الداخل. وتخوض حروباً بديلة أو حروباً بالوكالة، نيابة عن أعداء أمتنا.
وفي المقابل فإن الحديث عن عالمية الدعوة وعالمية الاسلام قد يؤدي إلى خوف طغيان الأقليات على الأكثريات. أيها الاخوة، في الإسلام لا يوجد أقليات أو أكثريات، في الإسلام يوجد إنسان مكرم مصان المال والعرض والدم، ويجب أن يحترم بغض النظر عن لونه وعرقه وقوميته.إن مشروع الكفر العالمي والمشروع الاستكباري الأمريكي لم يحفظا في يوم من الأيام حدودنا. ولا تعنيهماضوابط المواطنة. فأدخل إلينا كل شذاذ الآفاق، وزرع وسط بلادنا الكيان الصهيوني الغاصب، ووضع إلى جانبه أنظمة تمثل خط الدفاع الأول عنه، وهي بمثابة الأوكسجين له، تمده بالحياة. وما عمليات التطبيع الأخيرة إلا رأس الجبل من الجليد في العلاقات فيما بين هذا الكيان والكثير من الأنظمة العميلة في بلادنا. كما أن مشروع الكفر العالمي الذي يقوم على التجزئة والتقسيم ويستغل فكرة المواطنة والعصبيات الوطنية لمنعنا من التضامن مع قضايانا المركزية، ففي نظره نحن لبنانيون ويجب أن يكون شعارنا “لبنان أولا ” “العراق أولا ” ” مصر للمصريين”. فيجب أن ننأى بأنفسنا عما يجري في فلسطين. ففي نظرهم لا علاقة لنا بفلسطين والقدس. وهي باعتقادهم مسؤولية الشعب الفلسطيني وحده.لذا، يجب النأي بالنفس عن القضية الفلسطينية. فلا دخل لكل دولنا بما يجري هناك، حسبما يسوقون من اجل ان يستفرد الشعب الفلسطيني داخل فلسطين. بينما يعتبر الاستبكار الأمريكي ضمان أمن إسرائيل أولوية واستراتيجية أمريكية.
– أمريكا لا تحترم الوطنية ولا العالمية : لم تحترم أمريكا ودول الاستكبار العالم في يوم من الأيام سيادة أي دولة من الدول فاجتاحت أفغانستان بدعوة كاذبة واحتلت العراق دون قرار من الأمم المتحدة ودون مبرر، ولم تقف في لحظة من اللحظات عند الحدود الوطنية.فقد تسلل دونالد ترامب إلى العراق، وزار قاعدة عين الأسد دون إذن أو تأشيرة أو حتى علم مسبق من رئيس العراق. فأين هي السيادات الوطنية من كل ذلك؟ هذا ما تفعله اليوم في فنزويلا، حيث تصنع انقلابا وتدعمه وتعترف به، دون مراعاة لسيادة أو ديمقراطية أو وطنية.
إخوتنا الكرام، إن مجابهة الإستكبار العالمي في هذه الآونة من تاريخ بلادنا، حيث الهجمة على مختلف أقطارنا، تتطلب تكاملاً إقليمياً على أعلى المستويات، يكون البدء فيه بالتكامل الإقتصادي ومجابهة العدوان الجاثم على أرض فلسطين. فبدلاً من التعاون الثنائي بين دول الإقليم ، لماذا لا يكون هذا التعاون على مختلف دولنا الإقليمية؟ وبذلك نتمكن من الحياة باستقلال تام عن الهيمنة الأمريكية على بلادنا؟ ويفتح الطريق إلى طرد القواعد العسكرية من بلادنا والقضاء على كيان العدو الصهيوني؟
لذلك أيها الاخوه الكرام دعوتنا إسلامية إنسانية عالميه تقوم على حفظ الإنسان وحفظ الأوطان. ولا أرى مطلقا أي تناقض بين العالمية والوطنية خاصه إذا كان الهدف والغاية الوقوف إلى جانب المستضعفين في وجه المستكبرين. وإذا كانت الدعوة لإقامة العدل وهدم صروح الظلم وهذه هي غاية الغايات في الإسلام. قال تعالى:” لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *