عاد إلى الواجهة مجدداً وبقوة الجدل بين واشنطن وأنقرة حول شراء الأخيرة منظومة الدفاع الجوي والصاروخي إس 400 من روسيا، رغم كونها إحد أبرز دول حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
وبين الترغيب والتهديد الأمريكي، ما زالت أنقرة مصممة على اكمال صفقتها “الاستراتيجية” مع موسكو في مسعى للوصول إلى نقطة امتلاك منظومة دفاعية ومعالجة الخلل الأكبر في قدرات الجيش التركي منذ عقود.
ومنذ أكثر من 10 سنوات تتهم تركيا الولايات المتحدة الأمريكية بتجاهل احتياجاتها الدفاعية والمماطلة في الموافقة على بيعها منظومة “باتريوت” للدفاع الجوي والصاروخي، وهو ما دفعها للتوجه نحو روسيا والتوقيع على اتفاقية لشراء منظمة إس 400 رغم المعارضة الشديدة من واشنطن و”الناتو”.
لكن وعقب سنوات طويلة من التأخير و”المماطلة” وافقت الإدارة الأمريكية، نهاية العام الماضي، على بيع تركيا منظومة “باتريوت” وذلك قبيل أشهر من بدء تسلم أنقرة منظومة إس 400 التي اشترتها من روسيا وتعارضها واشنطن بقوة، في خطوة اعتبرت بمثابة “مناورة” من قبل الإدارة الأمريكي في محاولة للضغط على أنقرة للتخلي عن الصفقة الروسية.
وقالت وكالة التعاون الأمني الدفاعي، التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، إن وزارة الخارجية وافقت، على صفقة لبيع تركيا منظومة “باتريوت” للدفاع الجوي والصاروخي والتجهيزات الخاصة بها، بقيمة 3.5 مليار دولار.
وبعد عدة جلسات مفاوضات جرت في أنقرة وواشنطن، لم يتوصل الجانبين التركي والأمريكي لاتفاق نهائي بعد حول منظومة باتريوت، وتقول المصادر التركية إن المفاوضات ستصل على الأغلب إلى طريق مسدود بسبب اشتراط واشنطن التخلي عن المنظومة الروسية، وإصرار تركيا على السير قدماً في إتمام الصفقة.
المفاوضات حول بيع أنقرة منظومة باتريوت وصلت إلى “طريق مسدود”
وفيما اعتبر تهديداً مباشراً، قال نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، إن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكنها أن تظل مكتوفة الأيدي حيال شراء تركيا التي تعتبر حليفة في الناتو، أسلحةً من روسيا، وذلك في كلمته بمؤتمر ميونخ للأمن، الذي يعقد في ألمانيا.
من جهته، نفى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار عقب لقاءه نظيره الأمريكي بالوكالة باتريك شاناهان، ومبعوث واشنطن الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، وأعضاء بمجلس الشيوخ “ادعاءات ابتعاد أنقرة عن الغرب”، مبينا أنها “تواصل الإيفاء بجميع التزاماتها، سيما في إطار حلف شمال الأطلسي”، وشدد على أن خطوة شراء منظومة “إس-400” خطوة “ضرورية وليست اختيارية”.
وفي تأكيد جديد على الموقف التركي من محاولة “المساومة الأمريكية”، شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في لقاء تلفزيوني على أن بلاده “لن تتخلى عن عقد ابرمته مع روسيا لشراء صواريخ “اس-400”، مضيفاً: “أبرمنا عقدا مع روسيا لذلك ليس مطروحا بالنسبة إلينا ان نتخلى عن هذا الاتفاق. هذه صفقة معقودة”.
وبينما جدد أيضاً رغبة بلاده في الحصول على منظومة باتريوت “إلى جانب المنظومة الروسية”، أكد على ضرورة أن “تخدم هذه الصفقة مصالح تركيا”، مشددا على “الاهمية الحيوية” للاستفادة من انتاج مشترك وتسهيلات بالدفاع وتسليم سريع للصواريخ، لافتاً إلى أن واشنطن “نظرت بشكل إيجابي إلى طلب التسليم بسرعة لكنها التزمت الصمت بشأن المسألتين الأخريين”.
في السياق ذاته، شدد الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن على أنه “بالنسبة لتركيا لا توجد أي علاقة شرطية بين شراء صواريخ إس 400 الروسية وباتريوت الأمريكية”، مضيفاً: “لا تغيير في موقف تركيا الرافض للاقتراحات التي تدعو للتخلي عن أنظمة الدفاع الصاروخي الجوي الروسية “إس 400” مقابل أنظمة صواريخ “باتريوت” الأمريكية”.
وكان متحدث باسم الخارجية الأمريكية صرح “أبلغنا تركيا بوضوح أن احتمال شراء منظومة اس-400 قد يؤدي الى التراجع” عن بيع أنقرة مقاتلات اف-35 الاميركية وقد يعرضها لعقوبات من جانب واشنطن، لكنها أنقرة تشدد على أنها شريك أساسي في مشروع صناعة الطائرة وليست مجرد مشتري لها، تقول إنها استثمرت مليار دولار حتى الآن في مشروع صناعة وتطوير الطائرة.
القرار التركي بشراء منظومة دفاعية من روسيا على الرغم من أنها واحدة من أبرز دول الناتو وصف بـ”التحول الاستراتيجي” وتسبب في تصاعد الخلافات التركية ـ الأمريكية بشكل غير مسبوق. وترى واشنطن في شراء تركيا منظومة دفاع من روسيا، تهديداً مباشراً لأنظمة شمال الأطلسي وابتعاداً صريحاً عن قيم الحلف.
وكان ترامب اتخذ قراراً رسمياً بوقف تسليم تركيا طائرات “إف 35” والذي أعده نواب في مجلس الشيوخ الأمريكي ليكون رداً من واشنطن على شراء أنقرة منظومة إس 400 من روسيا. وأعقب ذلك زيارة وفد من الكونغرس الأمريكي إلى أنقرة، وتسليمه رسالة واضحة ومباشرة للمسؤولين الأتراك مفادها أن واشنطن مستعدة لإعادة تفعيل برنامج تسليم تركيا طائرات إف 35 المتقدمة مقابل تخلي أنقرة عن شراء صفقة منظومة اس 400 من روسيا.
وبينما ما تزال واشنطن تأمل في تراجع تركيا عن صفقة إس 400، فإن اردوغان يصب كل جهوده من أجل الضغط على روسيا لتسريع بدء تسليم المرحلة الأولى من الصفقة حيث نجح بإقناع روسيا ببدء التسليم قبيل منتصف العام الجاري، وهو ما ناقشه أردوغان مع بوتين في لقائهما الثنائي الذي جرى في روسيا قبل أيام.