رغم مرور سبعة عقود ونيف على نكبة 1948، ما زالت الدولة العبرية التي قامت على أنقاض الشعب الفلسطيني تخشى الكشف عن الصورة الحقيقية لما ارتكبته الصهيونية بحق الفلسطينيين من قتل وتهجير وجرائم أخرى.
قرار حكومة الاحتلال بتمديد فترة حظر نشر وثائق ومستندات أرشيفية خاصة بـ جهاز الأمن العام الصهيوني (الشاباك) والموساد بعشرين عاما، ما يعني أن الكشف عن الوثائق لن يتم قبل مرور 90 عاما على تأسيس أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
فهذا ما يستدل من قرار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو اليوم الأربعاء الذي أمر فيه بتمديد فترة حظر نشر وثائق ومستندات أرشيفية خاصة بـ جهاز الأمن العام (الشاباك) والموساد بعشرين عاما، ما يعني أن الكشف لن يتم قبل مرور 90 عاما على تأسيس أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. وحسب تقرير نشرته صحيفة ” هآرتس ” فقد تم تمديد فترة السرية على الوثائق والمستندات لجهاز الأمن العام( الشاباك) والموساد لمدة عقدين وعلى سبيل المثال، سيتم فتح وثائق من عام 1949، عام تأسيس “الشاباك”، للجمهور فقط في 2039 . واستنادا لأمر تمديد الحظر الحكومي فإن الكشف عن مذبحة دير ياسين((9-4-1948) لن يكون ممكنا حتى تاريخ فترة قرار التجديد.
ويبدو أن إسرائيل تسعى لإخفاء تفاصيل عن المجزرة المروعة في دير ياسين خاصة ألبوم صور للضحايا وللقرية بعد احتلالها، كما يعتقد عدد من المؤرخين الإسرائيليين الجدد. كذلك قضية الإرهاب الإسرائيلي في مصر ومحاولة منع انسحاب بريطانيا من مصر عام 1954 المعروفة باسم “العمل المشين” أو ” فضيحة لافون “سيتم الكشف عن وثائقها فقط في 2044 وهي الفضيحة التي تورطت بها إسرائيل وقتها من خلال إرسال عملاء لها للقاهرة لتفجير دور سينما واستهداف أمريكيين وأوروبيين لتأليب الغرب على مصر ورئيسها الراحل جمال عبد الناصر.
مذبحة كفر قاسم
وهكذا بالنسبة لمذبحة كفر قاسم التي قتلت فيها إسرائيل 44 من الفلسطينيين بهدف ترهيبهم ودفعه للرحيل عام 1956 ونتيجة لهذ القرار الحكومي لن يكون متاحا الكشف عن كافة ملفاتها قبل 2046. أما مفاعل ديمونا النووي فلن يكون ممكنا الكشف عن مستنداته التاريخية والخاصة ببنائه بمساعدة فرنسا عام 1959 قبل العام 2049. وحتى حرب رمضان في 1973 فلن يتاح الاطلاع على مستنداتها التاريخية قبل العام 2063 أما استهداف مفاعل تموز النووي في بغداد عام 1981 فلن يكون ممكنا الاطلاع على وثائقه وتفاصيله السرية قبل 2071. وفيما يتعلق بمجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا عام 1982 والتي تورطت فيهما إسرائيل مع الكتائب اللبنانية خلال اجتياح لبنان فلن يتم الكشف عن خباياها الأرشيفية إلا في العام 2072. بل هناك ما تخفيه إسرائيل وترغب بتأجيله وهو مرتبط باتفاق أوسلو من 1993 حيث سيتم الكشف عن وثائقه فقط في العام 2083، كما أن اغتيال رئيس حكومة الاحتلال الراحل اسحق رابين 1995 لن يكشف عن وثائقها قبل 2085.
يحيى عياش
كما لن يكون متاحا قبل 2086 الكشف عن وثائق مرتبطة بقضية اغتيال القيادي في حركة حماس المهندس يحيى عياش في 1996 انتقاما للعمليات التفجيرية داخل المدن الإسرائيلية. كذلك يستدل أن لدى إسرائيل ما تخفيه حول هبة القدس والأقصى التي قتلت فيها 13 من المواطنين الفلسطينيين خلال تظاهرهم، ولن يكون ممكنا الكشف عن وثائق خاصة بهذه الجرائم قبل 2090. وبشأن ضرب المفاعل النووي السوري في دير الزور بقرار من حكومة ايهود أولمرت في 2007 فلن يتم الكشف عن وثائق الهجمات الجوية هذه قبل 2097. وتعتبر القضية التي تستغرق الوقت الأطول للكشف عن وثائقها الأرشيفية فهي عملية سرقة وثائق البرنامج النووي الإيراني عام 2018 إذا سيتم الكشف عنها بعد قرن تقريبا في 2108.
اغتيال محمود المبحوح
وفيما يرتبط بوثائق اغتيال القائد في حركة المقاومة الإسلامية ( حماس)محمود المبحوح، الذي ينسب اغتياله في دبي إلى الموساد عام 2100 فهي أيضا سيؤجل الاطلاع عليها مثلها مثل مؤسسات إسرائيلية أخرى مثل لجنة الطاقة الذرية، وحدات معينة في الجيش، والمعهد البيولوجي لتصنيع أسلحة بيولوجية في غربي النقب.
من الناحية العملية، تقول الصحيفة: “ليس للقرار الجديد أي أهمية حقيقية، حيث أن هذه المحفوظات الأرشيفية مغلقة بشكل كلي أمام الجمهور، لكنها محاولة تأكيد على حجب معلومات تدين إسرائيل وتحرجها حتى بعد عقود. ووجه مسؤولون في الحركة “لحرية المعلومات” وجمعية حقوق المواطن ومعهد الأبحاث “عكفوت”، انتقادات شديدة اللهجة لقرار تمديد السرية على الوثائق، وقالوا، إن “هذا القرار تعسفي ويتجاهل المصلحة العامة في الكشف عن المواد الأرشيفية”. من ناحية أخرى قال ديوان نتنياهو إن هناك حاجة أمنية حقيقية لإغلاق هذه المواد وحجبها عن الجمهور رغم تقادم السنين ومرور الوقت الطويل منذ وقوع أحداث مرتبطة بها . ومن بين الجهات التي أبدت معارضتها لتمديد فترة السرية على هذه الوثائق والمستندات هو المجلس الأعلى للمحفوظات والأرشيف، وهو هيئة تقدم المشورة لأرشيف الدولة وتتبع لمكتب رئيس الحكومة. وقد أوصى المجلس قبل أشهر بتمديد هذه الفترة بخمس سنوات فقط، لكن نتنياهو لم يقبل توصياته ووقع في الشهر الماضي تعديلا على لائحة المحفوظات الأرشيفية، والذي يمدد الفترة. وأوضح الدكتور يعقوب لزوبيك، الذي أشغل بالسابق أمين عام المحفوظات والأرشيف، أنه بمثل هذا من النقاش، يجب على الشخص أن يكون قادرا على احتواء فكرتين متناقضتين في نفس الوقت، أولا نشاط هذه الأجهزة والهيئات، وثانيا، أهمية توجيه الانتقادات والمراقبة، لأنه يجب على المجتمع الديمقراطي إيجاد التوازن. من جانبها قالت المستشارة القضائية لأرشيف الدولة، المحامية نعومي الدعبي، إن أحد الأسباب لتمديد السرية على الوثائق كانت أمنية، زاعمة وجود خطر حقيقي للمس بأمن الدولة بحال كشف النقاب عن الوثائق والمستندات. وشملت هذه الوثائق معلومات حول المتعاونين والعملاء للأجهزة الأمنية الإسرائيلية وبعضهم ما زالوا على قيد الحياة، وكشف المعلومات عنهم من شأنه أن يعرض حياتهم للخطر، بحسب المحامية الدعبي، التي أوضحت وجود معلومات ترد من مصادر أجنبية قد تضر بعلاقات إسرائيل الخارجية. مؤكدة أن بعض المواد تتعلق بطرق العمل التي اعتمدتها الأجهزة الأمنية في خمسينيات القرن الماضي وحتى قبل ذلك، بطريقة من شأنها الإضرار بأمن الدولة”. وقالت في ردها على الهيئات التي عارضت الأمر الذي يمدد السرية على الوثائق إنه من الناحية الأمنية والسياسية إسرائيل ما زالت تواجه تحديات أمنية من الدرجة الأولى، تلزم بتوخي الحذر حتى بعد مرور 70 عاما على إقامة الدولة وإنشاء الأجهزة الأمنية، بحيث أن التمديد الإضافي لــ20 سنة، هي فترة إضافية معقولة ومع انقضاء هذه السنوات يمكن الكشف عن الوثائق دون أن يكون هناك أي مساس بأمن الدولة “. كما قالت إن عمل الأجهزة الأمنية مركب من أجزاء صغيرة، كما أن العمل الاستخباري يتكون من مجموعة أفراد، ومن الصعب تقدير مدى ضرر قد ينجم عن عرض وثيقة واحدة، من المحتمل جدا أن تبدو وثيقة واحدة عادية، لكن إضافتها إلى وثائق أخرى ستعطي صورة عامة، و قد تستمد منظمات الاستخبارات المتنافسة أو المنظمات “الإرهابية” المسؤولة عن جمع المعلومات من هذه المعطيات الاستخبارية المتعلقة بقدرات جمع المعلومات الاستخبارية وإحباط العلميات التي تقوم بها المؤسسات الأمنية في إسرائيل”. ويرى الصحافي الإسرائيلي في ” هآرتس ” غدعون ليفي أن الأمر الحكومي المذكور يلقي الضوء على حجم الغبن التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني نتيجة جرائم الصهيونية.