سيناريو بداية الحرب الإقليميّة…

من إنتظر مُقابلة أمين عام “​حزب الله​” السيّد ​حسن نصر الله​ ليل السبت-الأحد لسماع أيّ خبر مُفرح بالنسبة إلى تشكيل الحُكومة في ​لبنان​ خاب ظنّه، حيث أنّ السيّد نصر الله كرّر موقفه السابق في هذا المجال، ومرّ على الوضع اللبناني الداخلي عُمومًا مُرورًا عابرًا، ليُثبت مرّة جديدة إهتمامات “حزب الله” الإقليميّة وأدواره السياسيّة والأمنيّة ضُمن مُحور عقائدي مُتكامل، بعيدًا عن التفاصيل اللبنانيّة الصغيرة التي تهمّ المواطن العادي، علمًا أنّ المُقابلة المذكورة كانت لصالح محطّة فضائيّة واسعة الإنتشار، ما قد يُبرّر التركيز على قضايا شموليّة الطابع وليس لبنانيّة صرف. واللافت في حديث أمين عام “حزب الله” قوله ردًا على سؤال بشأن الضربات ال​إسرائيل​يّة المُتكرّرة في ​سوريا​، بأنّ “هناك إحتمالاً باتخاذ قرار بتعاطٍ مُختلف مع الإعتداءات الإسرائيليّة، لأنّ ما حصل أخيرًا خطير جدًا”. وهذا التهديد المُبطّن يأتي بعد تهديدات مُشابهة من جانب قيادات سوريّة بأنّ إستمرار إسرائيل في ضرب مطار دمشق الدَولي قد يدفعها إلى ضرب مطار “تل أبيب”. فهل يُمكن أن تنزلق الأمور إلى حرب إقليميّة شاملة، على الرغم من أنّ أغلبيّة الأطراف المعنيّة فيها، لا يُريدون الدُخول حاليًا في أيّ حرب واسعة نظرًا إلى عواقبها المُدمّرة على الجميع؟.

لا شكّ أنّ أبرز الأهداف الأميركيّة-الإسرائيليّة في سوريا تتركز على مسألة إخراج القوّات ال​إيران​ية والقوى المُسلّحة المَدعومة والمُموّلة من طهران من الأراضي السُورية، وبالتالي وقف مشاريع بناء بُنية قتاليّة مُتماسكة على طول الحُدود السُوريّة مع إسرائيل، وكذلك على مسألة وقف نقل أسلحة مُتطوّرة وصواريخ بعيدة المدى وأخرى مُتطورة إلى “حزب الله” في لبنان من الأراضي السُوريّة. وعلى الرغم من الضربات الصاروخيّة والغارات الإسرائيليّة المُتكرّرة ضُد أهداف عسكريّة مُختلفة في سوريا، فإنّ إسرائيل لم تتمكن من تبديل هذا الواقع المُهدّد لأمنها الإستراتيجي، وتحرّكاتها الأمنيّة الإستباقيّة لا تتجاوز مسألة تأخير سيناريو المُواجهة لا أكثر. وعلى الرغم من الضُغوط الأميركيّة المُنوّعة على النظام السُوري وعلى حلفائه، ومن مُحاولات التوسّط الغربيّة والإقليميّة مع ​روسيا​، في مُحاولة لتغيير سياسة “محور المُقاومة والمُمانعة” في سوريا، فإنّ النتيجة جاءت مُخيّبة تمامًا للقيادة الإسرائيليّة التي فشلت حتى الساعة في وقف ما يتمّ تحضيره من بنية عسكريّة قتالية مُتماسكة وخطيرة لأمنها، تمتدّ على كل الحُدود المُشتركة من هضبة الجولان السوري المُحتلّ، مُرورًا بمزارع شبعا وُصولاً إلى القرى والبلدات اللبنانيّة الجنوبيّة التي تلامس البحر الأبيض المتوسط.

وهذا الواقع يعني حتميّة إستمرار الغارات والضربات الصاروخيّة الإسرائيليّة في سوريا، لأنّ وقفها يعني الإقرار الشامل من جانب إسرائيل بالهزيمة أمام ما يُحضّره “محور المُقاومة والمُمانعة” لها، بدعم إيراني مفتوح، علمًا أنّ التفاهمات الإسرائيليّة-الروسيّة، ونشر منظومة الدفاع الجوّي “أس 300” في سوريا بغطاء روسي، ألزم إسرائيل بتنفيذ أغلبيّة هجماتها من خارج المجال الجوّي السُوري، مع إستثناء طائرات “أف 35” المُعروفة بإسم “الشبح” كون الرادارات تعجز عن تحديد موقعها، لكن من دون التأثير على فعاليّة هذه الهجمات. في المُقابل، إنّ إيران وكل الفصائل والقوى المُسلّحة المدعومة منها، والتي تتعرّض حاليًا لموجة عُقوبات أميركيّة جديدة، مُضطرّة بدورها إلى التمسّك بسياستها، حتى تتمكّن من صرف الإنتصارات التي حقّقتها خلال الحرب السُوريّة في التسوية النهائية، لأنّ رُضوخ طهران حاليًا للمطلب بالإنسحاب من سوريا، يعني ضياع الكلفة البشريّة الباهظة التي دفعتها إيران والقوى الحليفة في سوريا، من دون تحقيق نتائج مفيدة لها في المرحلة النهائيّة، وذهاب الإنتصار بكامله لصالح روسيا. أكثر من ذلك، إنّ أولويّة مُختلف القوى العسكريّة التي دعمت النظام السوري خلال الحرب، تبدّلت اليوم مع وُصول هذه الحرب إلى مرحلة التسويات النهائيّة، مع بعض الإستثناءات الناجمة عن تضارب مصالح القوى الإقليميّة والدوليّة المعنيّة، وبسبب ورقة “إعادة الإعمار” التي يستخدمها العالم الغربي وبعض الدول العربيّة لتحصيل تنازلات من جانب النظام السُوري. وبالتالي، صارت هذه القوى المُسلّحة مُتفرّغة أكثر لتركيز جُهودها لصالح مشروع مُواجهة إسرائيل، بدلاً من إستكمال مشروع القضاء على الفصائل المُسلّحة التي حاولت إسقاط النظام السوري.

وكل هذه الحقائق تعني عمليًا، أنّ إسرائيل ستُواصل شنّ الضربات في الداخل السُوري، لكنّ قُدرة المحور المناهض لها على السُكوت عن هذه الهجمات يتضاءل سريعًا. وصار الردّ الصاروخي على أهداف داخل إسرائيل، والذي طال إنتظاره، أقرب من أي وقت مضى. ومن المُحتمل جدًا أنّ تتسبّب أي ضربة إسرائيليّة جديدة مؤذية فعليًا في سوريا، بردّ صاروخي في إتجاه أهداف في العمق الإسرائيلي. وعندها ستكون إسرائيل مُلزمة بتنفيذ ضربات جديدة فوريّة أكثر قُوّة وشُموليّة، إذا ما أرادت التمسّك بما تُحاول الإحتفاظ به منذ عُقود من قُوّة ردع أمني على خُصومها.

في الخلاصة، وعلى الرغم من عدم رغبة أي طرف معني بالصراع بين إسرائيل من جهة ومحور “المُقاومة والمُمانعة” من جهة أخرى، باشعال أي حرب إقليميّة عن سابق تصوّر وتصميم في هذا التوقيت، فإنّ الجميع يُمكن أن ينزلق لا إراديًا إلى سيناريو الحرب الإقليميّة الشاملة، من خلال تصعيد تدريجي مُتبادل، يبدأ بغارة إسرائيلية عنيفة في سوريا، ويمرّ بردّ صاروخي نحو العمق الإسرائيلي، ويصل إلى ضربات إسرائيليّة جديدة أوسع وأشمل وأعنف. وعندها إمّا يكتفي “محور المُقاومة والممانعة” بما حصل، أو يردّ مُجدّدًا لتجريد إسرائيل من واقع إمتلاكها “الكلمة الأخيرة” في أي مُواجهة، لتدخل المنطقة كلّها في حرب يكون معلومًا كيف بدأت، لكن مجهولاً كيف ستنتهي!.النشرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *