ماذا وراء إعادة بوتين واردوغان “اتفاقية أضنة” إلى الواجهة بعد 21 عاماً على توقيعها؟

فجر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مفاجأة من العيار الثقيل عندما أشار إلى “اتفاقية أضنة” في إطار حديثه عن شرعية التحرك العسكري التركي شمالي سوريا، وهو أعقبه بساعات فقط مطالبة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بإعادة طرح الاتفاقية مجدداً.

اتفاقية أضنة
وبحسب ما نشر حتى اليوم حول نصوص اتفاقية أضنة وملاحقها السرية التي وقعت عام 1998 في مدينة أضنة التركية فإنها تنص على تعاون سوريا التام مع تركيا في “مكافحة الإرهاب” عبر الحدود، وإنهاء دمشق جميع أشكال دعمها لتنظيم “بي كا كا”، وإخراج (وقتها) زعيمه عبد الله أوجلان من ترابها، وإغلاق معسكراته في سوريا ولبنان، ومنع تسلل مسلحي التنظيم إلى تركيا.

كما تنص على “احتفاظ تركيا بممارسة حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس، وفي المطالبة بتعويض عادل عن خسائرها في الأرواح والممتلكات، إذا لم توقف سوريا دعمها لـ “بي كا كا” فورا”، كما تعطي الاتفاقية تركيا حق “ملاحقة الإرهابيين” في الداخل السوري حتى عمق 5 كيلومترات، و”اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرض أمنها القومي للخطر”.

وبموجب الاتفاقية تكون الخلافات الحدودية بين البلدين “منتهية” بدءا من تاريخ توقيع الاتفاق، دون أن تكون لأي منهما أي “مطالب أو حقوق مستحقة” في أراضي الطرف الآخر، وهو البند الذي اعتبر بمثابة تنازل رسمي سوري عن المطالبة بإقليم الاسكندرون الذي كانت تعتبره دمشق إقليماً محتلاً من قبل تركيا.

وجاء توقيع الاتفاقية بعدما تصاعدت الخلافات في العقود الأخيرة حول ملف الأكراد واتهام تركيا لدمشق بدعم تنظيم العمال الكردستاني والسماح له بإقامة معسكرات عسكرية على أراضيها وتوفير الحماية لعبد الله أوجلان، وهو ما أدخل علاقات البلدين في نفق خطير وكادت الخلافات أن تؤدي إلى اشتباك عسكري مباشر، وبعد أن وصلت الخلافات إلى ذروتها عام 1996 حيث حشدت تركيا قواتها وهددت بالتدخل عسكرياً في شمالي سوريا وعقب وساطات عربية ودولية واسعة تم التوصل إلى اتفاق أضنة برعاية العديد من الدول وهو ما فتح الباب امام صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين التي تطورت لاحقاً إلى مستوى التعاون الاستراتيجي الذي سرعان ما انهار مع بداية الثورة السورية.

إعادة طرح الاتفاقية
وعلى الرغم من تجنب المسؤولين الأتراك الحديث عن هذه الاتفاقية طوال السنوات الماضية، كان الرئيس الروسي أول من أعاد طرحها خلال المؤتمر الصحافي مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عقب المباحثات التي جرت بين الجانبين في موسكو، مساء الأربعاء، ما يشير إلى أن الاتفاقية كانت مدار بحث معمق بين الجانبين.

وفي إطار حديثه عن التدخل العسكري التركي في شمالي سوريا والمنطقة الآمنة التي يجري الحديث عنها بين أنقرة وواشنطن، قال بوتين إن روسيا تتفهم الاحتياجات الأمنية لتركيا شمالي سوريا وأن موسكو تأخذ بعين الاعتبار الاتفاقية الموقعة بين أنقرة ودمشق عام 1998 في إشارة لـ”اتفاقية أضنة”.

وعقب ذلك بساعات، شدد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الخميس، على ضرورة طرح “اتفاقية أضنة”، مشدداً على أن “تركيا ليست لديها مطامع احتلالية في سوريا، وأنها الدولة الوحيدة التي تتواجد في سوريا لغايات إنسانية بحتة”.

كما اعتبر اردوغان أن “أهم أهداف العمليات التي تقوم بها تركيا داخل الأراضي السورية، هو تحقيق الأمن للسكان الذين يعيشون هناك”.

من جهته، اعتبر وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو أن تصريح بوتين بشأن اتفاقية أضنة بين تركيا وسوريا، يعني أن لأنقرة الحق في التدخل عسكريا إذا لم تستطع سوريا القضاء على “الإرهابيين” الذين يهددون تركيا.

وقال الوزير في لقاء تلفزيوني، الخميس: “تم بحث تفاصيل إنشاء المنطقة العازلة في سوريا خلال القمة بين اردوغان وبوتين أمس في موسكو”، مؤكدا استمرار الطرفين في مناقشتها، وأضاف: “تركيا لديها القدرة على إقامة منطقة آمنة في سوريا بمفردها، لكنها لن تستبعد أمريكا أو روسيا أو أي دول أخرى تريد أن تتعاون في هذه المسألة، موضحا أن تركيا تجري اتصالا غير مباشر مع النظام السوري”.

السيناريوهات المطروحة
وعلى الرغم من أن جميع التصريحات السابقة طرحت “اتفاقية أضنة” لكنها لم تكشف أي تفاصيل عما جرى بحثه بالتحديد فيما يتعلق بالاتفاقية التي تعطي الحق لتركيا بالتدخل عسكرياً لحماية أمنها القومي في حال عجز النظام السوري عن القيام بذلك.

والعامل المشترك بين هذه التصريحات عن “اتفاقية أضنة” أنها جاءت في سياق الحديث عن فكرة إنشاء المنطقة الآمنة شمالي سوريا، وهو ما يعزز الاحتمالات بوجود اتفاق تركي روسي حول مستقبل الأوضاع في شمالي سوريا عقب الانسحاب الأمريكي ضمن احتمالين أساسيين.

ويتمحور الاحتمال الأول حول وجود اتفاق على موافقة روسيا والنظام على تكفل تركيا بإنشاء منطقة آمنة على طول الحدود عقب الانسحاب الأمريكي بما يضمن إنهاء خطر قيام كيان انفصالي على أن تنسحب تركيا من تلك المناطق عقب تحقيق أهدافها وانتهاء الأزمة في سوريا.

وهناك احتمال آخر يتمحور حول إمكانية التوقيع على اتفاق جديد أو نسخة معدلة من اتفاق أضنة بين أنقرة والنظام السوري من خلال روسيا ينص على تخلي تركيا عن فكرة القيام بعمليات عسكرية أو إقامة منطقة آمنة في شمالي سوريا مقابل تعهد النظام بموجب اتفاقية رسمية بإنهاء تواجد تنظيم ب ي د وضمان عدم قيام كيان انفصالي على الحدود مع تركيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *