الغنوشي: الثورة لا تكون بتعليق المشانق لرموز النظام السابق

قال راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، إن التونسيين لم يكونوا بحاجة لتحطيم الماضي و«تعليق المشانق» لرموز النظام السابق لتأكيد وقوع ثورة في البلاد، مشيرا إلى أن التحول من الثورة إلى النظام الديمقراطي تم عبر إسقاط قانون العزل السياسي وتحصين الثورة وكتابة دستور توافقي يُعتبر مرجعا لإدارة جميع الخلافات بين الفرقاء السياسيين.

وقال الغنوشي في ندوة بعنوان «مسار الثورة بعد حصيلة ثماني سنوات – رؤية واستشراف»: «مع كل عيد للثورة يعود السؤال نفسه: هل كانت ثورة حقا؟ وكيف يمكن الحديث عن ثورة دون قيادة أو خلفية أيديولوجية؟ وكيف تكون الثورة دون إزالة النظام القديم بالكامل والتأسيس لنظام جديد؟ اليوم تغيرت الأمور في تونس، فمن كان يتصور قبل سنوات قليلة مثلا، أن يلقي راشد الغنوشي الذي كان مجرد التلفظ باسمه جريمة، محاضرة بين أبناء شعبه وفي ظل نظام سياسي تحتل فيه النهضة -التي كانت الهدف الأساسي للاستهداف الأمني والقضائي والإعلامي – مكانة محورية في إطار ديمقراطي قوامه التعايش وإدارة الخلاف بالحوار والتوافق، وفي إطار مؤسسات دستورية منتخبة بشرعية».
وأضاف «لم يكن بوسع الثورة التونسية أن تذهب بحكم طبيعتها إلى أبعد مما ذهبت إليه. كان ينقصها لحسن الحظ الكثافة المذهبية للثورات الأيديولوجية والهيكلة التي تميز الثورات الحزبية والعنف الملازم للثورات المحاربة. إن الثورة التونسية لم تكن مجرد انتفاضة أو هَبَّة شعبية، بل ثورة حقيقية بدأت احتجاجا على إحراق الشاب محمد البوعزيزي نفسه رحمه الله، ولم تتوقف بعد هروب الرئيس المخلوع حتى نجحت يوم 27 فبراير/شباط 2011 بفضل اعتصام القصبة 2 في اقتلاع النظام من جذوره والذهاب نحو مرحلة تأسيسية انتهت بانتخابات 23 أكتوبر /تشرين الأول 2011، لتبدأ مرحلة جديدة انتهت بدورها بإعلان دستور الجمهورية الثانية في 26 جانفي(كانون الثاني) 2014 لتتواصل مسيرة تركيز مؤسسات الثورة في سياق توافقي أصبح بمثابة روح الثورة».
واعتبر الغنوشي أن التونسيين لم يكونوا بحاجة لـ«تحطيم الماضي بكل ما فيه، ولا تعليق المشانق لنقول إنّ تونس شهدت ثورة. على العكس، نحن اليوم أمام نموذج لثورة ذكية عرفت كيف تشقُّ طريقها بأخفّ الأضرار والأثمان. بعد ثماني سنوات من الثورة يمكننا أن نقول ونحن معتزون بأن الثورة نجحت لأنها تحولت إلى انتقال ديمقراطي متواصل، وسيتعزّز نجاحها أكثر حين تستكمل نجاحها التنموي».
وأضاف «الانتقال من الثورة على نظام مستبد إلى انتقال ديمقراطي متوازن وراسخ تَحَدٍّ كبير كان من الممكن أن تكون نتائِجُهُ أفضل على أرض الواقع لو توازن الانتقال السياسي والمؤسساتي مع الانتقال التنموي الاقتصادي (…) أدرك جيِّدًا حجم الشيطنة التي تتعرض لها الثورة. وأَشَدُّ ما يؤلمني أن ينسى الأشخاص الذين ينعتون الثورة التونسية بثورة البرويطة (العربة) أنها حررتهم قبل أن تُحَرِّرَ الشعب التونسي من الاستبداد والفساد. للأسف هي أقلية فالشعب التونسي مهما حاولوا تشويه ثورته متمسك بها رغم الصعوبات الاقتصادية».
وتساءل الغنوشي «كيف نجحنا إذن في التحول من الثورة إلى الانتقال الديمقراطي؟ وكيف يمكننا أن نواصل الانتقال نحو النموذج الشامل أي الديمقراطية والرفاه الاقتصادي والاجتماعي؟».
وأجاب بقوله «أعتقد أن هذا الانتقال تحقق بفضل هذه النجاحات: أولا: إسقاط قانون العزل السياسي وتحصين الثورة رغم شِدَّة المعارضة، لم يكن من السهل الإقناع بأنّ العزل يورث الأحقاد، وأن تحصين الثورة لا يكون بعزل منتسبي النظام القديم بل بإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في تونس الجديدة. ثانيا: الدستور التَوًافُقِي الذي كانت المصادقة عليه بشبه إجماع لحظةً تاريخية بكل المقاييس، فهو الآن الخيمة التي تجمعنا وإليه نُحتَكَم في إدارة اختلافاتنا».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *