الحياة وقفة عز… شاب فلسطيني درزي يحوّل رفضه للخدمة العسكرية إلى محاكمة للكيان الاسرائيلي

بيت جن قرية فلسطينية في الجليل الأعلى، تتربع على واحدة من قمم جبل الجرمق، الأعلى في فلسطين، وهي واحدة من البلدات التي يقطنها العرب الدروز في البلاد.

تشكّل بيت جن دليلا على كذبة “حلف الدم” وزيف مزاعم إسرائيل حول المساواة والديمقراطية، فرغم مقتل نحو 60 من شبابها الدروز خلال حروب إسرائيل الكثيرة، فإن بناها التحتية وأحوالها الاقتصادية والاجتماعية لا تختلف عن بقية بلدات فلسطينيي الداخل، وربما تكون حالتها أسوأ. وقد تعرضت أراضيها في منطقة الزابود للمصادرة عدة مرات، وهي محاصرة ضمن مسطح بناء بات لا يتسع لزيادتها الطبيعية.

في المقابل تمتاز بيت جن بكثرة الناشطين الوطنيين والمعارضين للخدمة العسكرية في جيش الاحتلال المفروضة على العرب الدروز منذ سن “قانون الخدمة الإلزامية ” عام 1956. وهذا يشمل الشباب أيضا، ومنهم كمال يامن زيدان (18 عاما) الذي سيدخل السجن على ما يبدو غدا الإثنين مع شباب آخرين رافضين للخدمة تنعتهم إسرائيل بـ”المتهربين” بعدما أعلن عن رفضه الحاسم والمبدئي للمشاركة في الخدمة العسكرية ضمن جيش الاحتلال.

قُبيل استدعائه الرسمي من قبل جيش الاحتلال، عمم كمال رؤيته القومية والوطنية والأممية في بيان موجز بعنوان “الحياة وقفة عز” قال فيه إن الحياة فعلا “وقفة عز” مؤكدا استعداده لتسديد ثمن هذا الموقف، قائلا في كتاب الرفض “إلى كل من يهمه الأمر، أنا الموقع أدناه كمال زيدان أعلن بهذا عن رفضي القاطع للامتثال لأوامر التجنيد الإجباري المفروض على كاهل الشباب العرب الدروز منذ 1956. كعربي أرفض أن أحارب أبناء أمتي وكفلسطيني أن أحارب أبناء شعبي وكدرزي أرفض أن أكون مرتزقا، وأن أقدم خدمات أمنية للدولة اليهودية. كرياضي ولاعب كرة قدم أرفض العنف بكل أشكاله عنف الاحتلال، العنف العنصري، العنف ضد المستضعفين. نعم أرفض أن أكون جزءاً من عصابات تأطرت تحت ما يسمى جيش يعمل جاهدا لحماية ما تم نهبه وسرقته من حياة وممتلكات وماضي وحاضر أبناء شعبي”.

وتابع: “أرفض لأن حقوقي متأصلة بي كمواطن في أرضي وأرض آبائي أجدادي. أرفض لأن تاريخي أنقى وأطهر من مصالح الأفراد. أرفض لأن كرامتي أهم من جيبي. أرفض لأن مستقبلي كما ماضيّ غير متعلق بحالات استعمارية آنية. أرفض لأن الحقيقة أقوى من الواقع. أرفض لأنني ابن هذه الأرض وصاحبها وأعشقها كما لا يستطيع أن يعشقها البولندي والكشميري والطاجكستاني والأمريكي والفرنسي والبريطاني وكل المهاجرين الذين أتوا إلى هذه البقعة من الأرض طامعين بتاريخها، أرفض لأنني من آل (تراب) ولون بشرتي من لون تراب فلسطين”.

ويوضح الشاب كمال زيدان لـ”القدس العربي” أن شرعيته وشرعية مواطنته في البلاد تكمن من حقيقة كونه من السكان الأصليين أصحاب البلاد، مشددا على رفضه مساومته على حقوقه مقابل ابتزاز وخدمة عسكرية.

ويكمل والده المحامي بالقول إن “ربط الحقوق بالواجبات عمل غير ديمقراطي يتناقض حتى مع عهود حقوق الإنسان الأساسية التي تنتهكها إسرائيل”. ويضيف: “يحق لمن يشعر بالظلم أن يثور عليه بل أن يذهب لحد المطالبة بالحكم الذاتي أو الانفصال لتأمين حقوقه وهويته”.

وما لبث أن تم نشر شريط فيديو في منتديات التواصل الاجتماعي بشكل واسع تقرأ فيه سيدة نص بيانه صادر عن الشاب كمال زيدان وهو نص عميق رشيق.

فرخ البط عواّم

في الحالة هذه أيضا “فرخ البط عواّم” كمال هو الابن البكر للمحامي يامن زيدان، المدافع عن حقوق الأسرى والعامل في هيئة الدفاع عن حقوق الأسرى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذي يفاخر بأن الابن يسير على درب الأب.

ويرجح زيدان في حديث لـ”القدس العربي” أن كمال سيُعتقل يوم استدعائه لبدء الخدمة العسكرية يوم الإثنين القادم في مدينة طبريا. وقد تحول المحامي زيدان من سجان في السجون الإسرائيلية لمدافع مثابر عن الأسرى الفلسطينيين والعرب، بعدما شهد تغييرا عميقا في الوعي والرؤية.

ويرى بلغته الحقوقية أن إسرائيل اقترفت جريمة حرب بتجنيدها الدروز وقتها، لأن الجليل جزء من الدولة العربية وفقا لقرار التقسيم والقانون الدولي يحظر تجنيد الخاضعين للاحتلال في جيش الدولة المحتلة.

كما يؤكد أن الدروز جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية رغم فرض الخدمة العسكرية عليهم من قبل إسرائيل في منتصف خمسينيات القرن الماضي بهدف سلخهم عنها. موضحا أن السلطات الإسرائيلية طبّقت المبدأ الاستعماري “فرّق تسد” مع الدروز الفلسطينيين (10% من فلسطينيي الداخل) مستغلة رغبة الشباب وشغفهم بارتداء البزة العسكرية وحمل السلاح.

ويستذكر زيدان عمله في سلطة سجون العدو الإسرائيلية بالقول إنه عمل كسجان داخل الأقسام الجنائية وما لبث أن تم نقله للأقسام الأمنية أو السياسية لتتاح له فرصة أولى للتعرف على عالم لم يعرفه من قبل ويتعلق بالأسرى الفلسطينيين والعرب. ويذكر أن ثقافة الأسرى العالية رغم المحظورات والملاحقات الإسرائيلية قد أدهشته.

ويضيف: “رويدا رويدا تطور داخلي شعور بالتكافل معهم وزاد كلما زاد احتكاكي مع الأسرى، وشاركت في نقاشات مع بعضهم، فشرعت بالقراءة عن الصراع التاريخي واكتشفت جهلي وفقداني للكثير من المعلومات التي تم تغييبها عنا في مدارسنا العربية الدرزية ضمن مشاريع الأسرلة وبناء شعب درزي مستقل”.

ولاحظ زيدان أن الأسرى هي قضيته كإنسان وكفلسطيني وكعربي وأن عليه تغيير موقعه من سجان للأسرى إلى نصير لهم، والسعي لإطلاقهم نحو حريتهم.

وتمهيدا لـ”العودة للذات ولاستعادة الروح” كما يقول، خرج يامن زيدان إلى إجازة لأربعة شهور، دخل خلالها في نقاش بل صراع داخلي، مدركا أن عودته هذه تعني العوم ضد تيار قوي، مثلما تعني القيام بخطوات عملية وانتهاج طريق جديدة وهذا ما حصل.

بعدما خلع بزة السجان، استكمل دراسته الجامعية في الحقوق منذ 2005، وصار محاميا وسارع للدفاع عن الأسير اللبناني الراحل سمير قنطار، ويضيف: “سرعان ما تبددت مخاوفي من عدم تعاونه وبقية الأسرى معي بدوري الجديد بسبب عملي السابق، فقد تعاون معي القنطار والنائب الأسير سمير البرغوثي والأسرى بشكل عام، مما عزز ثقتي بما قمت به وبانحيازي للحق والحقيقة، وامتلأت فخرا وعزة ذاتية.

وأقدم زيدان على ذلك رغم مقتل شقيقيه فؤاد وصالح خلال خدمتهما العسكرية، وربما بسبب ذلك؛ فهو يؤكد أن الجرح ما زال ينزف، وأنهما ضحيتان للمشروع الصهيوني الاستعماري.

وعن ذلك يقول: “نخسر أغلى شبابنا في حروب ليست لنا، وهم سيبقون إخوتي وما زال الحنين لهم يكويني”.

يشار إلى أن الشيخ كمال زيدان والد كمال زيدان قد بعث في 1996 بمذكرة تعزية لحزب الله لخسارته واحدا من عناصره في تلك العملية الفدائية التي استهدفت قافلة إسرائيلية وقتل فيها نجله صالح.

ولم يتردد بالقول صادما الصحافة الإسرائيلية وقتها إنه لن يتردد بزيارة بيت الشاب اللبناني وتقديم العزاء لعائلته في حال كانت الحدود مفتوحة.

في المقابل يدعو يامن زيدان الشعب الفلسطيني لتحاشي مصطلحات التكفير والتخوين والحذر من التعميم والأفكار المسبقة، واعتماد لغة التفاهم والاحتضان. موضحاً أنه يتوقع من الفلسطينيين والعرب عامة دعم إخوتهم الدروز والتعامل معهم بمسؤولية وتفويت الفرصة على إسرائيل ومخططاتها غير المتوقفة بسلخهم عن شعبهم، مستذكرا شخصيات معروفية قومية ووطنية أبرزها زعيم الجبل سلطان باشا الأطرش، وكمال جنبلاط.القدس العربي”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *