ما ينتظر منطقة الشرق الأوسط في الأيّام والأسابيع والأشهر القليلة المُقبلة مُهمّ جدًا، حيث أنّه سيُحدّد الخيط الأبيض من الأسود، بالنسبة إلى ملفّات شائكة وحتى دَمويّة. فهل ستكون المنطقة على موعد مع مزيد من التصعيد، أم مع بداية مرحلة الحُلول والتسويات؟.
في الملفّ الإيراني، ومع دُخول الدفعة الثانية من العقوبات الأميركيّة على إيران حيّز التنفيذ، عادت العلاقات بين واشنطن وطهران خطوات إلى الوراء، بحيث أنّ الخبراء المُتابعين لشؤون الشرق الأوسط يتوقّعون أن تدفع العُقوبات الجديدة والتي هي أشدّ وطأة من سابقاتها، المنطقة إلى وتيرة مُرتفعة من التوتّر مُجدّدًا، على أن ينتهي هذا المسار إمّا بالتوجّه إلى مُفاوضات بين إيران وأميركا–بشكل مُباشر أو غير مُباشر، ومن ثم إلى تسويات في أكثر من ملفّ، وإمّا إلى تصعيد عسكري وأمني على أكثر من جبهة، يُرافقه المزيد من الإرتفاع في أسعار المُشتقّات النفطيّة. وأوضح هؤلاء أنّه مع بلوغ العُقوبات على إيران ذروتها مُجدّدًا، بعد إنسحاب واشنطن من “الإتفاق النووي” مع طهران، ستكون هذه الأخيرة أمام خيارين مُتضاربين، إمّا سُلوك خيار التصعيد الأمني في أكثر من مكان، خاصة في سُوريا واليمن، بهدف الضغط على إسرائيل والسعودية وغيرهما من حُلفاء واشنطن، وإمّا سُلوك خيار تليين المواقف والبحث عن وساطات دَوليّة لإعادة ترتيب الوضع السياسي بين طهران وواشنطن.
في الملف اليمني، تُوجد مساع جدّية في المرحلة الراهنة من جانب بعض الدول العربيّة، وخاصة من قبل سلطنة عُمان، وكذلك من بعض الدُول الغربيّة، وخاصة بريطانيا وروسيا، لإيجاد صيغة كفيلة بوقف الحرب القائمة. وتعمل أكثر من جهة على تسويق فكرة فصل الحلّ النهائي عن الوضع الميداني، بحيث تسعى إلى وقف القتال بشكل فوري على أن يتم بحث مسألة التسوية السياسيّة النهائيّة في مرحلة لاحقة. وفي هذا السياق، تُوجد مُحاولات حاليًا لبقاء كل جهة من الجهات المُتقاتلة في مواقعها الحالية، مع تثبيت وقف النار بشكل كامل ومنع أي خروقات، لجهة الإمتناع عن تنفيذ غارات جويّة جديدة من جانب طيران “التحالف العربي”، بموازاة الإمتناع عن تنفيذ المزيد من الهجمات الصاروخيّة والهجمات البريّة الحُدوديّة والتي يقوم بها مُقاتلو “أنصار الله” ضُد السُعودية. ومن ضُمن الإقتراحات أيضًا أن تراقب الأمم المتحدة وقف النار، عبر بعثات ميدانية ومراقبين ثابتين وجوّالين، وذلك بعد فصل الوحدات المُتقاتلة، وإقامة مناطق عازلة، شبيهة بتلك التي نجحت المُنظّمة الدَوليّة في إقامتها في سوريا. إشارة إلى أنّ سلطنة عُمان تلعب دورًا مُهمًّا في السعي لهذا الحلّ المُوقّت، حيث ستكون قاعدة للقوات الدَوليّة التي ستنتشر في اليمن، علمًا أنّ من شأن هذا الحلّ فتح الطريق أمام جولة مُفاوضات جديدة بشأن الوضع في اليمن، قد تقود إلى تسوية شاملة ونهائية، بمُساعدة أمميّة.
في الملف السُوري، ومع ترقّب وُصول المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا، جير بيدرسن(1)، خلفًا للمبعوث السابق ستيفان دي ميستورا، يُنتظر أن تشهد مُفاوضات السلام دفعة إيجابيّة، على الرغم من أنّ التعقيدات الحاليّة ربطت الحلّ النهائي في سوريا بملفّات أخرى تشمل مصالح إسرائيل وإيران وتركيا، وُصولاً إلى مصالح روسيا والولايات المتحدة الأميركيّة. والأكيد أنّ ملف إعادة إعمار سوريا الذي سيعود بفائدة إقتصادية ومالية هائلة للجهات التي ستُشارك فيه، بات مُرتبطًا بمسألة التسوية النهائيّة للحرب السُوريّة، حيث ترفض العديد من الدول الغربيّة تمويل أعمال إعادة الإعمار قبل إنهاء الحرب، ومعرفة تفاصيل التسوية، وتحديد حصّة هذه الدول في عمليّة بناء سوريا من جديد.
في الملف الفلسطيني، تعمل الإدارة الأميركيّة بقُوّة على تحضير الأرضيّة المُناسبة لإنجاح خيار ما يُسمّى “صفقة القرن”، والتي هي عبارة عن تسوية نهائيّة للصراع الإسرائيلي–الفلسطيني تقوم على حلّ الدولتين، لكن وفق شروط تُعطي الأولويّة للمصالح الإسرائيليّة السياسيّة والأمنيّة والديمغرافيّة، في مُقابل حوافز إقتصاديّة وماليّة للفلسطينيّين. وتعمل الإدارة الأميركيّة حاليًا على نيل مُوافقة ضُمنيّة على “حلّها” للقضيّة الفلسطينيّة، من جانب كل من السعودية ومصر والأردن وسلطنة عُمان وغيرها من الدول، إضافة طبعًا إلى السُلطة الفلسطينيّة، مُستخدمة الحوافز والدعم لإقناع البعض والضُغوط والإبتزاز لإجبار البعض الآخر على المُوافقة، علمًا أنّ ما يُسمّى “محور المُقاومة والمُمانعة” يعمل في المُقابل على إفشال هذه المُحاولات بكل الوسائل المُتاحة، وفي طليعتها التوتير الميداني بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين.
في الملفّ الأميركي، وعشيّة إجراء الإنتخابات النصفيّة للكونغرس يترقّب العالم النتائج، لمعرفة مدى الدعم الداخلي الذي سيستفيد منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مشاريعه وخططه الخارجية، حيث أنّ من شأن فوز الجمهورييّن في هذه الإنتخابات التشريعيّة أن يُعزّز سُلطات ترامب وقُدرته على تمرير قراراته الداخليّة والخارجيّة، بينما فوز الديمقراطيّين سيحدّ من هذا الإتجاه وسيضع المزيد من العراقيل أمام خطط ترامب المُثيرة للجدل بأغلبيّتها، إن داخل الولايات المتحدة الأميركيّة أو خارجها.
في الخلاصة، لا شكّ أنّ منطقة الشرق الأوسط على موعد مع محطّات كُبرى في المُستقبل القريب جدًا، مع تأثيرات مُباشرة وغير مُباشرة على وضع العديد من الدول، وعلى الكثير من السياسة القائمة حاليًا. والأكيد أنّ الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة ستُعطي فكرة عن الإتجاه المُرتقب للملفّات الإقليميّة الشائكة والدمويّة.
(1) بيدرسن هو دبلوماسي نروجي يتمتّع بخبرة واسعة، حيث أنّه كان شارك في المُفاوضات السريّة للتوقيع على إتفاق أوسلو بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين في العام 1993، كما عمل بصفة المُنسّق الخاص للبنان مُنتصف العقد الماضي، وساهم في حل الكثير من المُعضلات في العراق أيضًا، إلخ.النشرة