حماس تسارع إلى الاحتفال بالنصر وتستخلص الدروس

المديح الذي أغدقه هذا الأسبوع حزب الله على سلوك حماس أمام العدو ليس بعيداً عن تربيت ذاتي على كتف من يسمون أنفسهم «منظمات المقاومة»، وكأن الأمر يتعلق بتلميذ متميز في النادي. في إسرائيل أيضاً سارعوا إلى مقارنة طبيعة أداء حماس في المواجهة الأخيرة مع طريقة أداء حزب الله. من منح هذه المقارنة الخاتم «المهني» هو المحلل السياسي اللبناني د. أمين الخطيب، وهو جنرال متقاعد كان من بين المراقبين من الطرف اللبناني على الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في عام 2000.
في مقابلة مع موقع «الرسالة» لحماس، أشار إلى أربعة تجديدات بطريقة عمل حماس: استخدام ذكي في ساحة قتال صعبة وأكثر تعقيداً من طبوغرافية لبنان، التي تسمح للقوات بالاختفاء والعمل في ظروف أرض تعطي الحماية للمقاتلين، حماس أطلقت مئات الصواريخ والقذائف بكل اتجاه، وبهذا نجحت في إرباك العدو. كما نجحت في ممارسة ضغط كبير على سكان غلاف غزة مثل الضغط الذي مارسه حزب الله على مستوطنات الشمال، كما أن كل نشاطاتها رافقها بإعلان مرافق وتحليلات ناجعة أظهرت قدرة حماس.

ملامح المخاطرة

كما يبدو، فالحديث يدور عن استراتيجية وضعت في مدرسة حزب الله، ولكن من بين كل «التجديدات» التي ليست جديدة، يبدو أن قرار «إطلاق عدد كبير في كل الاتجاهات» خلافاً لاستراتيجية التصعيد التدريجي، استهدف أن يجعل إسرائيل تتخذ قراراً مستعجلاً؛ إما لحرب شاملة أو لوقف إطلاق نار سريع. كانت هذه مخاطرة كبيرة من جانب حماس. كمنظمة تتابع بحرص الساحة السياسية في إسرائيل، هي تعرف جيداً الخلاف بين رئيس الحكومة وليبرمان وبينيت. وهي تدرك موقف الجيش والشباك اللذين يعارضان الحرب الشاملة، وهذه المرة نجحت في قراءة الخارطة السياسية جيداً. إن استقالة ليبرمان أثبتت لحماس بأن عملية اتخاذ قراراتها كانت صحيحة، وهكذا أيضاً ردت قيادتها على بيان الاستقالة، عندما سارعت إلى التبشير بأن «استقالة ليبرمان هي اعتراف بالهزيمة أمام المقاومة».
مصادر فلسطينية قالت للصحيفة إن المحادثات التي أجراها رؤساء المخابرات المصرية مع القيادة الإسرائيلية ركزت أساساً على إقناعهم بأن حماس لا تريد فقط توسيع الجبهة، بل تريد العودة إلى إطار المحادثات حول التهدئة، وهي أيضاً منظمة مستعدة للوفاء بالتزاماتها؛ وكدليل على ذلك أشاروا إلى الطريقة التي عالجت بها المظاهرات في نهاية الأسبوعين الأخيرين اللذين سبقا النقاشات بإشراف مصر، التي تحرص على تذكير إسرائيل بأنها هي نفسها كانت ترى في حماس حتى قبل سنتين منظمة إرهابية تحاربها بلا هوادة. مصر أغلقت حدودها مع غزة، ودمرت معظم الاأفاق وخلقت بصورة قاسية منطقة فارغة من السكان بعمق بضع كيلومترات بين غزة وشبه جزيرة سيناء. هذا الضغط فعل فعله عندما اضطرت حماس للموافقة على شروط مصر وأن تمنع بنفسها تسلل نشطاء من القطاع إلى سيناء، ودخول نشطاء تنظيمات إرهابية مصرية من سيناء إلى غزة. الآن حماس حسب المصريين هي عنصر هام في الحفاظ على أمنها، ومن الضروري للحفاظ على مكانتها لصالح أمن إسرائيل أيضاً.

دور مصري

مصر لم تجد صعوبة في إقناع حماس بأهمية وقف إطلاق النار بعد أن فهمت من زعماء حماس بأن الاستراتيجية التي وقفت خلف الإطلاق الكثيف الذي شمل أكثر من 400 صاروخ وقذيفة، لم تستهدف فقط استعراض العضلات، بل «إغلاق أفواه» معارضي حماس أيضاً، ومن بينهم لجان المقاومة، وحتى الجهاد الإسلامي شريك حماس في محادثات التسوية، والذي تفاخر قبل شهر بإطلاق الصواريخ على الكيان الصهيوني.
استعراض القوة واعتبارات سياسية داخلية، قدر المصريون، أكثر سهولة على العلاج من استراتيجية «التدمير الذاتي» التي وحسبها ستسعى حماس إلى حرب شاملة تمارس ضغطاً دولياً على إسرائيل وتطرح على جدول الأعمال الدولي سياسة الإغلاق الإسرائيلية. لم يكن لحماس أي سببب للتمسك بهذه الاستراتيجية، حيث إنها وافقت على مناقشة التسوية التي ستحرر غزة بالتدريج من حبال الإغلاق. مصر حذرت زعماء حماس من أن مواصلة إطلاق الصواريخ والقذائف سيؤدي إلى احتلال غزة، وأن نتنياهو يتعرض لضغوط سياسية شديدة لشن عملية واسعة ستدمر احتمالية أي تسوية وتوقف تزويد الوقود وتدفق الأموال القطرية. حسب مصدر صحفي في غزة، فإن أحد أعضاء الوفد المصري ذكر لمحدثه من حماس الندم الذي أظهره حسن نصر الله بعد حرب لبنان الثانية عندما قال بأنه لو كان يعرف أن رد إسرائيل سيكون هكذا لما كان سيختطف الجنود. «هل تريدون مقارنة أنفسكم بحزب الله، تذكروا حالات فشل المنظمة وليس فقط نجاحها في طرد إسرائيل من لبنان»، قال رجل المخابرات المصرية حسب أقوال المصدر.

المقارنة مع حزب الله ربما تشجع حماس، ويوجد فيها ما يؤطر حماس كتهديد وجودي في نظر الإسرائيليين، لكن هذه مقارنة مضللة. إن عرض الاستخدام الحكيم للسلاح والطبوغرافيا والاعلام المقترن بساحة الحرب كأسس للمقارنة، يشبه من يقارن بين الجيش الإسرائيلي ورجال شرطة السلطة الفلسطينية، بأن هؤلاء وأولئك يرتدون الزي العسكري ويحملون الرتب. لا يوجد لحماس جبهة داخلية استراتيجية مثلما لحزب الله، وليس لها دولة ـ حكم توفر لها السلاح والأموال. مقابل حزب الله الذي يملي تشكيل حكومة لبنان وبذلك يحدد مكانتها الدولية (لكنه ليس مسؤولاً عن الإدارة المدنية للدولة) فحماس مسؤولة عن كل مناحي الحياة في القطاع، وبناء على ذلك فإن الضغوط التي تستخدم عليها من الأسفل أكثر شدة من التي تستخدم على حزب الله في لبنان.
مقابل حزب الله الذي ليس له في لبنان منافس عسكري يستطيع أن يهدد حصريته في استخدام السلاح ضد إسرائيل، فإن لحماس منافسين مسلحين يتحدون في كل مرة الاحتكار الذي تريده لنفسها في إدارة علاقات غزة ـ إسرائيل. الشبه الأهم بين المنظمتين هو أنهما تمأسستا. حزب الله تحول من منظمة «مقاومة» إلى جزء من المؤسسة السياسية والاقتصادية. وحماس تحولت من منظمة «شؤون اجتماعية» عملت حسب الأيديولوجيا الاجتماعية للإخوان المسلمين إلى منظمة مقاتلة ـ وطنية تنافس منظمات أخرى مثل فتح والجهاد الإسلامي، ومن هناك تطورت وأصبحت حكومة مستقلة وملتزمة، مثل حزب الله، باستخدام استراتيجية سياسية يمليها الجمهور الذي تسيطر عليه، إلى جانب التكتيك العسكري.
من هنا، فإن الاستنتاج الذي يقول إن «الانتصار على إسرائيل» و«استخذاء الحكومة»، حسب أقوال ليبرمان، والذي من شأنه تشجيع منظمات أخرى بما فيها حزب الله أيضاً على تحدي إسرائيل، هو بالأساس استنتاج ديماغوجيا سياسية. البيئة العسكرية والسياسية التي تعمل فيها حماس تختلف عن التي تعمل فيها تنظيمات إرهابية «عادية» أو تنظيمات شبه سياسية مثل حزب الله. هكذا، أعلنت حماس بأنه تم الاتفاق على العودة إلى شروط وقف إطلاق النار التي وجدت بعد الجرف الصامد. من ناحية عسكرية الحديث يدور عن صيغة «الهدوء سيقابل بالهدوء»؛ ولكن حماس تسعى إلى تحقيق تطبيق الوعود الاقتصادية التي جاءت مع تلك التفاهمات، خاصة تحقيق وعود الدول المانحة بتخصيص 5.4 مليار دولار لإعادة إعمار القطاع، كما اتفق في مؤتمر شرم الشيخ الذي نظمته مصر. مشكوك فيه إذا كانت هذه الوعود ما زالت سارية المفعول، لكن حتى لو تم تطبيق عدد منها فإنها ستلزم حماس بالتوصل إلى مصالحة مع فتح ومع السلطة الفلسطينية. هذا هو الشرط الذي تضعه مصر الآن أمام حماس، ولهذا الهدف فقد صاغت في الشهر الماضي عدة مبادئ معدلة من شأنها أن تحرك عملية المصالحة.
من بين أمور أخرى تنص هذه المبادئ، أن الحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله تعود للسيطرة على القطاع وتتعهد بدفع الرواتب، على الأقل لنصف الموظفين الذين عينتهم حماس. اللجنة الإدارية التي تم تشكيلها في 2017 لتسوية مكانة الموظفين ستنهي عملها خلال ثلاثة أشهر. لجنة قانونية برئاسة قاض محايد تفحص القوانين التي سنتها حماس في القطاع خلال سنوات حكمها وتقترح طرقاً لدمجها في نظام قوانين فلسطيني شامل. لجنة أخرى ستفحص مكانة أراضي الدولة في غزة التي بيع جزء منها لتمويل نفقات حماس. وخلال ثلاثة أشهر ستشكل حكومة وحدة فلسطينية. بالنسبة لمكانة القوات المسلحة لحماس والسلاح الموجود بحوزتها، وهذا بند أساسي في طلبات محمود عباس، فإن مصر تقترح مناقشة ذلك بشكل منفصل دون أن تفصل موقفها. إذا وافقت حماس على هذا العرض فذلك سيكون المرة الأولى التي تكون مستعدة فيها للتفاوض حول مكانة ذراعها العسكري وسلاحها. بعد أن قالت في السابق إن هذه المواضيع ليست محل مفاوضات.
المصالحة الفلسطينية
الخطوات المصرية لإجراء مصالحة فلسطينية لا تتساوق مع سياسة الاحتلال التي استندت إلى الانقسام بين حماس وفتح كدرع واق ضد كل عملية سياسية. ولكنها تجد صعوبة في تخريب هذه الخطوات إذا قررت مصر تجاوز موافقتها. هذه الخطوات حماس تفهم جيداً أنها تحتاج إلى هدوء في القطاع. من هنا تأتي أهميتها أيضاً من ناحية إسرائيل. هكذا، إذا وجدت معادلة ردع تجاه حماس فمن شأنها أن تستند بالتحديد إلى هذه الخطوات السياسية، وليس بالضرورة إلى التهديدات العسكرية.

تسفي برئيل
هآرتس 16/11/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *