من إستفاد أكثر… جعجع أم فرنجيّة؟

بعيدًا عن الأبعاد الدينيّة والوجدانية والإنسانيّة المُرتبطة بمُصالحة كل من رئيس “تيّار المردة” ​سليمان فرنجية​ ورئيس حزب “القوات ال​لبنان​يّة” ​سمير جعجع​ تحت عباءة ​بكركي​، وبرعاية ​البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي​ شخصيًا، يُوجد شقّ سياسيّ لا يُمكن إغفاله. فمن هو المُستفيد الأكبر من هذه المُصالحة: جعجع أم فرنجيّة؟.

أوّلاً: بالنسبة إلى الملفّ الرئاسي، إنّ تاريخ الإستحقاق المُقبل بعيد مبدئيًا، وهو أصلا مُرتبط بسلسلة من الإعتبارات المحليّة والإقليميّة والدَوليّة التي تتجاوز مُصالحة بكركي الأخيرة. لكنّ الأكيد أنّ فرنجيّة هو المُستفيد الأكبر في الملفّ الرئاسي، خاصة وأنّه يعمل على إزالة “فيتو” مسيحي قوي، سبق وأن إستخدمه جعجع بوجهه في الدورة الرئاسيّة الماضية، حيث يعلم رئيس “المردة” أنّ من شأن أيّ رفض مُشترك من قبل كل من “القوّات” و”التيّار الوطني الحُرّ” لترشّحه للرئاسة في الدورة المُقبلة أن يؤثّر سلبًا على فرص وُصوله، بعكس ما ستكون الحال عليها في حال كان جعجع في ضُفّة أخرى مناهضة لضفّة “الوطني الحُرّ” الرئاسيّة. أمّا جعجع فيعلم أنّ إمكان وُصوله إلى الرئاسة مُرتبط بعوامل غير مُتوفّرة حاليًا، وفي حال توفّرها لن يكون لفرنجيّة القُدرة على الوُقوف بوجهها أصلاً، لكن من شأن تقدّم العلاقة الثُنائيّة بين القوات والمردة، أن يُقوّي موقف جعجع التفاوضي مع “التيار الوطني الحُرّ” ويُعزّز قُدرته على المُناورة وتعزيز شُروطه، لأنّ إصطفافه إلى جانب أي مُرشّح في الدورة المُقبلة سيكون مؤثّرًا في ما خصّ المُعطيات الداخليّة للإستحقاق الرئاسي، وتحديدًا المسيحيّة منها.

ثانيًا: بالنسبة إلى الكسب المعنوي العام، المُستفيد الأكبر هو رئيس “القوّات” لأنّه أزال “تهمة”… وعبئًا كان يجري إستغلاله من وقت لآخر من قبل خُصومه، لإطلاق النار السياسي عليه، في حين أنّ مكسب فرنجيّة الأبرز في الجزء المعنوي تمثّل في عضّه على جرح شخصي قاس ومُباشر، الأمر الذي لا يُمكن لكثيرين القيام به.

ثالثًا: بالنسبة إلى الكسب السياسي العام، كفّة الميزان تميل مُجدّدًا لصالح رئيس “القوّات” لأنّ رئيس “المردة” لن يستطيع توظيف أي تقارب سياسي مع “القوات” لدى القيادات التي يتحالف معها محليًّا وإقليميًا، بسبب إتخاذها موقفًا مُتشدّدًا من حزب “القوات” ومن جعجع شخصيًا، بعكس ما هي حال هذا الأخير الذي يتمتّع بمُرونة حركة أكبر ضُمن تحالفاته، وهو يستطيع إستغلال هذا الإنفتاح السياسي الجديد لحزب “القوّات” على “تيّار المردة”، لتوسيع هامش تحرّكاته السياسيّة الداخليّة، وحتى هامش مُناوراته.

رابعًا: بالنسبة إلى الكسب الشعبي العام، فهو في صالح كل من “القوّات” و”المردة” معًا وبشكل مُتواز، حيث من المُنتظر أن تُضفي مُصالحة بكركي أجواء مريحة بين قواعد ومُناصري الطرفين في منطقة الشمال، وأن تُعزّز التواصل على المُستوى الشعبي، وبين أبناء قرى وبلدات الشمال. كما أنّ هذه المُصالحة ستُمهّد الطريق لتفعيل العمل السياسي لكل من “القوات” و”المردة” في بلدات وقُرى كانت حتى الأمس القريب تُعتبر حسّاسة لأحد الطرفين.

في الخُلاصة، لا شكّ أنّه وبعيدًا عن أي مصلحة سياسيّة آنيّة أو متوسّطة أو حتى بعيدة المدى لمُصالحة بكركي، الأكيد أنّ ما حصل طوى صفحة سوداء من رواسب الحرب اللبنانيّة، ومهّد الطريق لمزيد من خُطوات الإنفتاح السياسي وتقبّل الآخر، حتى لو كان على ضفّة مُقابلة من حيث التموضع السياسي العام والنظرة السياسيّة للقضايا الإستراتيجيّة. ومن يُصرّ على الحديث عن “مصلحة شخصيّة هنا” وعن “نكاية شخصيّة هناك” وعن “خبث سياسي هنالك”، لوصف ما حصل في بكركي بين جعجع وفرنجيّة، عليه أن يعترف أوّلاً أنّ كل المُصالحات والتفاهمات والإتفاقات التي شهدها لبنان منذ العام 2005 حتى اليوم، كانت تحمل الكثير من المصالح والنكايات الشخصيّة والخبث السياسي، حيث لا خيمة فوق رأس أحد في هذا المجال!النشرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *