طليعة القافلة

لم تكن الطريق معبدة بعد، وان كان قد اوضح معالمها سيد الشهداء ابو عبد الله الحسين (ع) فوطئ الشوك الذي كان يلف الطريق بدمه العارية.. ومشى.
استضاء بنور الايمان، والتجأ الى ركن وثيق، متمسكاً بحبل الجهاد ، ناجياً من الغرق في متاهات الرهبة والخوف.
قام يسلك الطريق الموحشة لقلة سالكيها، غير مستوحش، بل مستأنساً برفيف اجنحة الملائكة التي حظيت برفقته، وحسن اولئك رفيقاً.
نهض الى مواجهة اعداء الله وقتلة الانبياء والاوصياء، متكلا على ربه…
والناس بعد، لم تستفق من غشية الوهلة الاولى..

ذهب، يحمل جسده الذي اشتمل على روحه الطاهرة، وفجره قنبلة اسقطت اول معاقل الشرك، التي ما لبثت ان تهاوت واحداً تلو الآخر.
الذين يعرفون من اي نبع نهل “احمد” لا يعجبون لتلك المشابهة الواضحة.. نعم من نبع “حيدرة” نهل حيدر وعلى طريق داحي باب خيبر.
سار بطل عملية خيبر.. فإن كان امين رسول الله قد استأصل جرثومة اليهود من جزيرة الاسلام، عندما قلع باب قلعة خيبر، حصن اليهود الحصين، فلا شك أن أحمد، ذاك الساقية المندرجة من ذلك الينبوع، قد جلا عن وجه جبل عامل الناصع، الرجس اليهودي، عندما استحال كتلة من حديد ونار جعلت عالي المحتلين سافلهم، وركمت خبيثهم فوق بعضه بعضاً، في نار الدنيا والاخرة.

وكما نهل من مدرسة الاسلام، ومدرسة الامام علي (ع)، حب الاستشهاد في سبيل الله، تعلم ايضاً امثولة رائعة رفعته الى مصاف عليين.
لقد وعى الاخلاص لله وحده لا شريك له… ووعى نبذ الرياء، وارتضى شهادة عالم الغيب والشهادة بما يغني عن كل شهادة.
لذا، اوصى اخوانه ان لا يبوحوا باسمه، ويكتموه الى ان يروا ان مصلحة الاسلام والمسلمين تقتضي الاعلام.
ولذا، اوصى اخوانه ان لا يبوحوا باسمه، ويكتموه الى ان يروا ان مصلحة الاسلام والمسلمين تقتضي الاعلان.
ولذا، لم تعلم حتى امه باستشهاده الا بعد سنة ونصف السنة.. اللهم الا ما انبأها به حدس جنانها حين سمعت دوي الانفجار فأيقنت بقلب الام الذي يخترق حجب الكتمان ان ليس ذلك الا فلذة كبدها، تلك الام، التي لم تحظ بقبلة على وجنة وليدها الذي اغتذى من قلبها وايمانها قبل ان يخرج الى لقاء ربه في صراعه مع اعداء ربه …

المقاومة الاسلامية التي قدمت قرابين الشهداء على المذبح الالهي رأت ان الوفاء لدماء شهدائها، ولأصالة جهادها ان تنفض نقاب الصمت عن حقيقة صانعي النصر
وهكذا اعلنت المقاومة الاسلامية عن بطل العملية الاستشهادية الذي فجر مقر القيادة الاسرائيلية في صور ـ جل البحر يوم 11|11|1982 الذي كانت تتخذه قوات الاحتلال مقراً للحاكم العسكري ومركزاً للمخابرات الاسرائيلية ووحدة المساعدات والشرطة العسكرية .
وقد اعترفت اسرائيل آنذاك بـ 75 قتيلاً، الا ان مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية قدر عدد القتلى الاسرائيليين بـ 128 قتيلاً .
ولقد كانت العملية (عملية خيبر) على حد وصف المراقبين وشهود العيان الاضخم منذ بداية الاجتياح الاسرائيلي.
وقد احدثت العملية في حينها، ضجة كبرى في اوساط الرأي العام الاسرائيلي وبدأت، منذ ذلك الوقت، الدوائر السياسية الصهيونية بالحديث عن ضرورة الانسحاب من ” وادي الدموع “.
فهنيئاً لـ “حيدر” بطل خيبر بنيل كلا الحسنيين : الشهادة والنصر .
وعهداً له ان المقاومة ستبقى اسلامية وستستمر حتى تحقيق النصر النهائي .
المصدر: افتتاحية “العهد” في يوم إعلان اسم بطل عملية تدمير مقر الحاكم العسكري في صور في عملية “خيبر” الشهيد الاستشهادي أحمد قصير..
السنة الثانية 1985 | العدد :48 | الباب :شؤون محلية

“العهد”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *